مصطفى الكاظمي لطهران: تسهيلات اقتصادية مقابل سلاح الميليشيات

إيران تحاول التكيُّف مع جيل جديد في السياسة العراقية

نشر في 23-07-2020
آخر تحديث 23-07-2020 | 00:05
علي خامنئي مستقبلاً مصطفى الكاظمي في طهران أمس الأول
علي خامنئي مستقبلاً مصطفى الكاظمي في طهران أمس الأول
يبدو أن زيارة رئيس الحكومة العراقي مصطفى الكاظمي كانت إيجابية لناحية رسم خطوط واضحة بين الأولويات العراقية وما "تتوقعه" طهران منها. وبحسب مصادر طرح الكاظمي معادلة معقولة على الإيرانيين مفادها أن مواصلة العراق لعب دور المنقذ الاقتصادي في ظل العقوبات يجب أن تقابله مساعدة طهران على ضبط الميليشيات.
ذكرت مصادر شيعية رفيعة في بغداد، لـ"الجريدة"، أن الحصيلة النهائية لزيارة رئيس حكومة العراق لطهران، والحراك الدبلوماسي فوق العادة الذي سبقها، يتمثل في توافق الطرفين على دخول عهد مختلف وقواعد مغايرة نتيجة تحولات عميقة شهدها العراق والمنطقة، وطي صفحة التدخلات السلبية التي ارتهنت بها ملفات الجانبين طوال 17 عاما تلت سقوط صدام حسين.

ورغم هذه التقديرات التي تتحدث عنها أرفع القيادات الشيعية في بغداد، غداة عودة الكاظمي من زيارة طويلة نسبيا لطهران، فإن الرأي العام العراقي وكثيرا من الساسة أبدوا استياءهم من شكل الزيارة ولقاء الكاظمي بالمرشد الأعلى علي خامنئي، والتغريدات التي نشرها الأخير على "تويتر"، وامتلأت بلغة تهديد واضحة للتيارات التي تعارض نفوذه في العراق.

وتوعد خامنئي، في تغريدات نشرها مباشرة بعد لقائه الكاظمي، التواجد الأميركي في العراق، ما قد يعني تسخينا ميدانيا وسياسيا يخشاه العراقيون، كما التزم خامنئي بمواجهة قوية ثأرا لجنرال حرس الثورة قاسم سليماني الذي قتل في غارة اميركية ببغداد مطلع العام، كما ابدى عراقيون استياءهم من ترديد خامنئي ومسؤولين آخرين، بينهم الامين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، استخدام عبارة "طهران تتوقع من بغداد" في كل تصريحاتهم بعد لقاء الكاظمي.

في المقابل، بدت تصريحات الكاظمي حذرة جدا، ولم تخل من برود في الموقف، وهو ما أثار استياء الجمهور العراقي، رغم أن الكاظمي أعلن ولاول مرة بهذا المستوى، وذكر الايرانيين بنقطة مناورة مهمة، وهي أن العراق وقف مع إيران في أزمتها الاقتصادية "كرد لجميل المساعدة في الحرب" ضد تنظيم داعش، مما يعني عراقيا وايرانيا ان تسهيلات بغداد الاقتصادية لطهران التي تساعدها، خصوصا في ظل العقوبات الأميركية القاسية، مشروطة بدعم طهران للدولة العراقية بوجه الفصائل التي تخرق السيادة العراقية بدعم إيراني.

من جهتها، تذكر مصادر شيعية رفيعة ان فريق الرئيس الإيراني حسن روحاني ووزير خارجيته جواد ظريف، ينجح تدريجيا في اقناع خامنئي بأسلوب بديل في التعامل مع العراق، لأن أسلوب الحرس الثوري الزاخر بالعنف والارتجال والتركيز على العلاقات المذهبية، هو نهج تسبب في دفع العراقيين الى ابداء الكراهية الشديدة لايران طوال السنوات الماضية.

وتذكر المصادر القيادية هذه أن وزير خارجية إيران، وعلى سبيل المثال، لم يلتق رئيس الحكومة العراقية الأسبق نوري المالكي في زيارته لبغداد مطلع الأسبوع، في إشارة إلى أنه يبحث عن رهانات جديدة في بغداد للتكيف مع قواعد جديدة، حسب المصادر.

ويوضح هؤلاء أن المرشد يستخدم عبارات قاسية للتغطية على اقتناعه تدريجيا بأنه يجب الاستفادة من دبلوماسية روحاني وظريف في التكيف مع قواعد عراقية جديدة لا يريد العراقيون وفقها أن يغرقوا فيما يسمى "محور المقاومة" المعادي لاميركا، إذ يجب أن يبقى مجتمعا شيعيا قويا في العراق لا يسقط مع طهران وربما مع بيروت ودمشق في أمواج العقوبات والقيود الدولية.

ويبدو أن ظريف أبلغ بغداد تفهمه لهذه الرغبة العراقية، دون أن يتمكن من منح ضمانات حاسمة بتقييد الفصائل المسلحة العراقية الموالية لطهران، والتي يخوض مسلحوها مواجهات بمستوى التمرد المسلح ضد حكومة الكاظمي منذ اسابيع.

واعتبر المراقبون إشارة الكاظمي المكررة خلال محادثاته في طهران الى التسهيلات الاقتصادية التي تقدمها بلاده للايرانيين، رسالة قوية الى ان هذا يجب أن يقابلة ضبط ايراني للميليشيات، وقبول بخيارات مؤلمة لتقييدها داخل القيادة العسكرية النظامية، ليتسنى للعراق الانفتاح اقتصاديا وسياسيا على محيطه العربي، واكتشاف فرصة أن يلعب دورا في تخفيف الاحتقان الطائفي في المنطقة مع شركاء معتدلين، لأن منطق المواجهة الحاد لم يعد ممكنا تحمله.

وكان مصدر إيراني قال لـ"الجريدة" إن الكاظمي أكد للرئيس حسن روحاني خلال لقائهما أنه سيمضي في تفعيل قانون ضم "الحشد الشعبي" الى القوات المسلحة العراقية، شريطة أن تنضم جميع الوية "الحشد"، ولا تبقى اي مجموعة مسلحة خارج اطار القوات المسلحة العراقية، مشددا على أن الفصائل التي لا تريد الالتحاق بالجيش عليها أن تضع سلاحها جانبا، وتكتفي بالعمل السياسي.

وأضاف المصدر ان الكاظمي لفت الى انه إذا وافقت التنظيمات الشيعية على هذا الامر فيمكن وقتها إقناع باقي المكونات بسهولة على وضع سلاحهم جانبا. وحسب المصدر، فإن روحاني أكد استعداد طهران للمساعدة، لكنه اعتبر أن الوجود الأميركي في العراق يشكل التهديد الاول لأمن إيران، ويجب على الحكومة العراقية أن تعمل على إخراج الاميركيين، حتى لا تبقى أي حجة لأي من دول الجوار ولا حتى للفصائل للتخوف.

وأمس أعلن رئيس ​مجلس الشورى​ (البرلمان)​ الإيراني ​الاصولي محمد باقر قاليباف​، خلال استقبال الكاظمي​، انه "من الواجب متابعة ملف مقتل ​قاسم سليماني​ بكل قوة وحزم، فمقتل سليماني وصمة عار على جبين قادة ​البيت الأبيض​"، متهما الولايات المتـحدة الأمـــيركـــيــة بـ "نقض سيادة ​العراق​".

يذكر أن "كتائب حزب الله - العراق" التي تعتبر الاقرب الى طهران كانت اتهمت الكاظمي بالتورط في اغتيال سليماني ومؤسسها المدعو أبومهدي المهندس.

back to top