ميركل تتوجه نحو الشرق بعد تأزُّم العلاقات مع واشنطن

نشر في 17-07-2020
آخر تحديث 17-07-2020 | 00:00
المستشار الألمانية أنجيلا ميركل  - رئيس جمهورية الصين الشعبية شي جي بينغ
المستشار الألمانية أنجيلا ميركل - رئيس جمهورية الصين الشعبية شي جي بينغ
تسعى برلين إلى إعادة إحياء روابطها التجارية مع بكين وسط انتشار مقلق لوباء كورونا المستجد والذي اجتاح معظم دول العالم مع عدم التوصل إلى لقاح له حتى اليوم.

وتجدر الإشارة إلى أنه بعد فترة قصيرة جداً من موافقة الحكومة الألمانية في الشهر الماضي على اتخاذ خطوات سريعة من أجل إنقاذ شركة طيران لوفتهانزا الألمانية عبر تقديم 9 مليارات يورو على شكل مساعدة طارئة أعلنت الشركة أنها ستستأنف خدماتها على خط فرانكفورت– شنغهاي الذي كان متوقفاً منذ عدة شهور.

وأياً كانت الدوافع وراء مثل هذه الخطوة من جانب الحكومة الألمانية فإن هذا القرار يرمز الى الأولوية التي توليها برلين إزاء إصلاح علاقاتها صلاتها التجارية مع الصين بعد خروج البلدين من الجانب الأسوأ من محنة انتشار وباء كورونا بحسب تصريحات قادة الدولتين.

وفي حين تعمل برلين على إعادة تقييم اعتمادها الطويل على الولايات المتحدة وسط تصاعد كبير للتوتر مع واشنطن حول القضايا المتعلقة بالأمن والتجارة توجد درجة أقل من الشك لدى قادة ألمانيا حول ضرورة تنشيط شراكتها مع الصين وهي الشريك التجاري الأكبر لألمانيا.

في غضون ذلك وفي حين تعرضت بكين الى انتقادات من معظم الدول الغربية– وخصوصا الولايات المتحدة والمملكة المتحدة – بحجة عدم التصرف بشفافية كافية إزاء الكشف عن مصدر الوباء وانتشاره إضافة الى تصرفات بكين في الآونة الأخيرة في هونغ كونغ حيث تتهم بتعليق القوانين الديمقراطية هناك فإن الحكومة الألمانية كانت أكثر حذراً في ردة فعلها إزاء ذلك الوضع.

تهرب من الجواب

وقد عمدت المستشار الألمانية أنجيلا ميركل الى التهرب من الجواب عندما سئلت في مؤتمر صحافي في الأسبوع الماضي عما إذا كانت ستؤيد نوع العقوبات المطروحة في الولايات المتحدة ضد الصين، وكان ردها غامضاً الى حد كبير واكتفت بالقول إن "العلاقات مع الصين تنطوي على أهمية استراتيجية".

وفي حقيقة الأمر، لا يمكن تجاهل أهمية الصين على شكل سوق للتصدير للبضائع الألمانية وخصوصا السيارات والآلات والمعدات المختلفة، كما أنه منذ وصول أنجيلا ميركل الى الحكم في ألمانيا في عام 2005 ارتفعت صادرات ألمانيا الى الصين خمسة أضعاف لتصل الى نحو 100 مليار يورو في العام الماضي.

وفي حين يجادل بعض خبراء الاقتصاد بأن الطلب الصيني على البضائع الألمانية قد بدأ يضعف نتيجة نضوج الاقتصاد في الصين فإنها تظل ركيزة في استراتيجية برلين الاقتصادية إضافة الى أن بكين محرك رئيس للنمو فيما يتعلق بألمانيا في مختلف المجالات.

الاعتماد على الصين

وتجدر الإشارة الى أن ألمانيا وعندما انهارت الولايات المتحدة في أعقاب الأزمة المالية التي اجتاحت العالم في عامي 2008 و2009 اعتمدت على الصين التي لم تتأثر كثيراً بتلك المحنة، وقد نجحت برلين يومها في استعادة التعافي الاقتصادي بتلك الطريقة، وفي توسع استمر بشكل فعلي من دون توقف حتى انتشار وباء كورونا.

ومما لا شك فيه أن المستشارة الألمانية تحتفظ بتلك الصورة في ذهنها، وهي تحاول حماية الاقتصاد في بلادها خلال الأزمة الراهنة التي تتوقع اللجنة الأوروبية أن تسفر عن هبوط بنسبة 6.3 في المئة في إنتاج ألمانيا خلال العام الحالي.

وفي حين تتكيف الصين أيضاً مع تداعيات انتشار وباء كورونا تشهد شركات التصدير في ألمانيا مؤشرات مبكرة على بوادر أمل في الخروج من الأزمة الحالية والتعافي الوشيك، وفي شهر يونيو– على سبيل المثال– ارتفعت مبيعات السيارات في الصين بنسبة 11 في المئة، وهي الزيادة الشهرية الثالثة على التوالي، وذلك بعد عدة شهور من الهبوط.

في غضون ذلك وفي الوقت الذي تكافح الولايات المتحدة، وهي لا تزال سوق التصدير الأكبر بالنسبة الى البضائع الألمانية، لوضع وباء كورونا تحت السيطرة، فقد تمكنت الصين بصورة تدريجية من العودة الى العمل بشكل اعتيادي.

وتجدر الاشارة الى أن تردد ميركل إزاء شجب خطوة الصين في هونغ كونغ يبدو مغايراً للصورة الشعبية التي عرفت عنها كقائدة تتوجه في المقام الأول من خلال بوصلتها الأخلاقية، وهي سمعة اكتسبتها من خلال قرارها قبول أكثر من مليون لاجئ من سورية ومن دول أخرى في أعقاب أزمة عام 2015.

وفي حقيقة الأمر، يشير مسار مستشارة ألمانيا الحالي الى تناسق مع كيفية معالجتها للعلاقة مع الحكومة الصينية خلال الخمسة عشر عاماً الماضية التي تتمثل بالتعبير عن القلق إزاء حقوق الإنسان والتعهد باستمرار "الحوار" مع تحسين العلاقات التجارية بين البلدين.

القمع في التيبت

وسواء أكان الأمر يتعلق بعمليات القمع في التيبت أو احتجاز طائفة الإيغور أو مراقبة القيادة الصينية لمواطنيها فإن ميركل كانت تضع الأهمية التجارية في المقام الأول بكل تأكيد، وهذه خطوة جيدة، وتلك حقيقة ثابتة خاصة بالنسبة الى الشركات الألمانية الكبرى– إضافة الى أرباب العمل– التي تشمل فولكسفاغن ومرسيدس وحتى شركة سيمنس الهندسية أيضاً.

ولأولويات برلين في مواجهة الصين تأثير عميق في أسلوب التعامل الذي يمكن أن يتبعه الاتحاد الأوروبي، وحتى عندما لم تبتعد أورسولا فون دير لين عن انتقاد الصين بعد أن أصبحت رئيسة للجنة الأوروبية فقد كانت حرصة على عدم النأي بشدة عن خط برلين في هذا السبيل، وقالت بعد مؤتمر صحافي مع قادة صينيين في الأسبوع الماضي "من غير الممكن رسم عالم الغد من دون علاقة قوية تجمع بين الاتحاد الأوروبي والصين".

وتجدر الإشارة الى أن ألمانيا تشكل نحو ثلث تجارة الصين مع الاتحاد الأوروبي، ولكن الصين طرحت تدخلاً مهماً في ميادين الاقتصاد الاخرى أيضاً من فرنسا الى إيطاليا، كما أن الحملات ضد بكين التي صدرت بعد أحداث هونغ كونغ وانتشار وباء كورونا لن تعرقل على الأرجح اندفاع الصين نحو الاتحاد الأوروبي حتى مع أن البلاغة من بروكسل كانت أكثر انتقاداً ولوماً.

وقال ميشيتو تسوروكا وهو بروفيسور في جامعة "كيو" اليابانية في تحليل حديث له "يبدو أن هدف الصين العملي الحالي هو ضمان وجود أعداد كافية في مراكز مهمة في بروكسل وفي العواصم الوطنية المستعدة للمساومة حول القيم الأوروبية مثل الحريات الأساسية وتقبل مواقف الصين من أجل الحفاظ على علاقات معها".

موقف ألمانيا المستقبل

وإذا كانت ألمانيا تشكل أي مؤشر يسهل الحكم على مستقبل العلاقات مع الصين، وفي حين يعرب بعض رجال السياسة الألمان– بمن فيهم نوربرت روتجن وهو محافظ ويأمل أن يخلف أنجيلا ميركل في منصب المستشارية- عن معارضتهم لسياستها إزاء الصين فإن المؤسسة التجارية تقف خلفها وتدعمها، كما أن السياسة نحو الصين بصورة عامة ليست قضية موضع جدل في الوسط الشعبي الألماني.

وتشكل الولايات المتحدة اليوم أكبر قلق بالنسبة الى ميركل، وألمانيا، مع بروز تعقيدات في المسار السياسي بين البلدين، وفي حين ينتظر الكثير من المراقبين في برلين موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في شهر نوفمبر (ويتمنون خسارة الرئيس دونالد ترامب فيها) ليس من المرجح حدوث تغير كبير في السياسة الأميركية نحو الصين، واللافت أن الكثير من رجال السياسة من الحزب الديمقراطي أعربوا عن دعمهم لسياسة الرئيس ترامب المتشددة إزاء الصين في ميادين حقوق الإنسان والتجارة.

وتوجد أيضاً وحدة من الحزبين إزاء مسألة السماح لشركة هواوي الصينية بتركيب شبكات 5 جي وكانت إدارة ترامب هددت بتحديد مشاركة الاستخبارات مع ألمانيا والدول الحليفة الأخرى التي تسمح بإقامة شبكات صينية في بلادها، وقد تريثت ميركل حتى الآن في هذا الصدد، وهي تجادل في أنه على الرغم من ضرورة وجود مقاييس أمنية أعلى بالنسبة الى الشركات المشاركة في 5 جي غير أنه لا يجوز منع الشركات بصورة تامة.

وفي غضون ذلك، يبدو أن أولوية ميركل القصوى مع الصين هي استعادة الاتفاق التجاري مع أوروبا، كما أن الغاية من "اتفاقية الاستثمار" المقترحة تتمثل في تحسين الظروف لعمل الشركات الأوروبية في الصين، وهي نعمة محتملة بالنسبة الى الشركات الألمانية التي اشتكت منذ سنين من ممارسات ضد المنافسة وسرقة الملكية الفكرية في ذلك البلد.

دور وباء كورونا

جدير بالذكر أن انتشار وباء كورونا قد أجبر المستشارة الألمانية على تأجيل قمة بين الاتحاد الأوروبي والصين كان يفترض أن تعقد في شهر سبتمبر خلال رئاسة ألمانيا لمجلس الاتحاد الأوروبي، وكانت ميركل تأمل التوصل الى اتفاق من نوع ما، وقد أعلنت أنها ستعمل على تحديد موعد جديد في أقرب وقت ممكن.

وقالت ميركل في الأسبوع الماضي "في غضون ذلك، سنستمر في الحوار مع الصين على الجبهات كافة"، وذلك يشمل التجارة وحقوق الإنسان "ومن مصلحة أوروبا العمل معاً بصورة وثيقة".

• ماثيو كارنيتشنيغ

back to top