من الكويت «المحتلة» باتجاه لبنان ويا قلبي لا تحزن

نشر في 16-07-2020
آخر تحديث 16-07-2020 | 00:07
 حمزة عليان ونحن نقترب من أغسطس جالت في خاطري ذكريات الأمس العصيبة، وهأنذا أسترجع شريطاً من 2/ 8/ 1990، إذ لم يكن أمامي من خيار سوى الخروج من الكويت، فالبقاء تحت الاحتلال العراقي سيقودني إلى التعامل معه، وهذا أمر كان مرفوضا مني، فقد سعى هذا النظام وعبر موظفيه الذين يعملون في السفارة العراقية بالكويت، إلى "تجميع" عدد من الصحافيين الموالين لهم، تحضيراً لإصدار صحيفة تنطق بلسانهم.

"عرّاب" شارع الصحافة في الكويت هو الملحق الإعلامي حامد الملا الذي كانت له اليد الطولى بتحريك الصحف وزرع أشخاص يدينون له بالولاء داخل المؤسسات الإعلامية الخمس وله صولات وجولات، من توزيع "الويسكي"، إلى ملاحقة المعارضين للنظام في بغداد، إلى تدجين الصحيفة وجعلها في خدمة السياسة التي ينتهجها صدام حسين.

بقيت حوالي عشرة أيام أثناء الاحتلال، كنت من ضمن الأشخاص الذين يطاردهم حامد الملا لإجبارهم على الالتحاق "بالقبس" التي وضعوها تحت وصايتهم وإدارتهم وقرروا استغلال المبنى والمطبعة وجهاز التحرير بهدف إصدار صحيفة تحمل اسم "النداء"، صحيفة الاحتلال.

غيّرت مسكني وتنقلت بين بيوت عدد من الزملاء للمبيت عندهم إلى أن قررنا المغادرة، ضمن "Convoy" جماعي باعتبار أن الرحلة ستكون صعبة جداً وستواجهنا مشاكل على الحدود، وفي أجواء غير طبيعية، فانطلقنا باتجاه الأراضي العراقية عن طريق معبر صفوان الحدودي الذي بات مفتوحاً بالاتجاهين، يوم الثاني عشر من أغسطس 1990 وسرنا نحو البصرة، تلك المدينة الساحرة ببساتين النخيل التي لا تفارق عينيك لساعات في منظر يوحي بالسكينة، تصادفك مجموعات تصطف على جانبي الطريق أغلبهن من النساء يبعن السمك النهري ويقدمن "السمك المسقوف".

وصلنا عصراً إلى مدينة بغداد، وكان لزاماً علينا مراجعة السفارة اللبنانية لتسهيل عملية الخروج، اقتنصنا فرصة الوصول إلى هناك وزيارة أقرباء لنا، فاللقاء لم يكن متوقعاً أبداً في ظل ظروف بالغة الصعوبة، جلسنا نتحدث ونتبادل الأخبار لكن الجلسة تحولت إلى منتدى يتناول ما يجري في الكويت.

وضعت في حسابي أن يكون بين المدعوين الذين جاؤوا للسلام والتعارف بعد أن علموا بقدومنا من هم على صلة بالمخابرات العراقية، وهذا أمر وارد جداً، ففوجئت أن معظم الحديث دار حول "الغنائم" التي وصلتهم من الكويت! فاستفسرت عنها وإذ بها مواد مسروقة من بيوت الكويتيين تباع في السوق السوداء، ومواد غذائية حصل عليها "تجار" عراقيون وآخرون يخدمون في الجيش لم تكن متوافرة بالسوق العراقي، وهم محرومون منها طوال سنوات الحرب مع إيران وكانت بالنسبة إليهم بمثابة "هدية من السماء"!

لم يطل بنا الليل في بغداد التي كانت تعيش أجواء الحرب في الكويت وتترقب ما سيحدث لها، وإن كانت الشوارع والحركة فيها تسير بشكل معتاد وإلى حد كبير! والمفردات المتداولة عند الشارع العراقي كانت صدى للخطاب الإعلامي الذي تبثه بغداد وتردده "الجماهير" ولم يكن مفاجئاً لي.

أكملنا السير نحو الحدود مع الأردن، دخلنا معبر "الرويشد" مع غروب الشمس، وإذ بالمكان يموج بالبشر والسيارات العابرة من العراق، وهم من الفلسطينيين والأردنيين والسوريين واللبنانيين، وقيل لي إن هذه المساحة من الأرض حوالي 15 كيلومترا مربعا منحها صدام حسين للأردن أثناء الحرب، سيارات محملة بالأمتعة، الناس تفترش الأرض لتنام كأنك في سوق شعبي مفتوح، تخيلت نفسي أنني لن أخرج من هذا المكان!

انتحينا في إحدى زوايا الأرض المفتوحة واستلقينا جنب السيارات التي أقلتنا من الكويت، حاولنا الدخول لقضاء حاجتنا، ويا لبشاعة المنظر والمكان، حتى الحيوانات تنفر من الدخول، روائح كريهة لا تقوى على تحملها! أخذنا "استراحة" ليلية على الأرض وتحت ضوء القمر وأمامك منظر لا يغيب عن الذاكرة أكوام من البشر والسيارات تنوخ هناك ولا أحد يسألك أو يقترب منك!

مبكراً وفي ساعات الفجر ذهبنا لنأخذ دوراً عند موظف الجوازات "وأمة محمد" تنتظر وبعد ساعات من الحشر ختمنا جوازاتنا، وهممنا بركوب السيارات لندخل الأردن، قطعنا المسافة دون توقف لنصل الحدود السورية من ناحية محافظة درعا، وهناك كانت الحركة منضبطة إلى حد ما، انتظرنا الدور إلى أن جاء الفرج!

back to top