انتصار بايدن قد يعيد ضبط العلاقات عبر الأطلسي

نشر في 08-07-2020
آخر تحديث 08-07-2020 | 00:00
بايدن كان دائما نصيرا قويا للعلاقات عبر الأطلسي، وعلى مدار حياته السياسية التي دامت عقودا من الزمن، أقام علاقات وثيقة مع قادة أوروبيين رئيسيين، بما في ذلك المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وبصفته نائبا للرئيس في الفترة من 2009 إلى 2017، كان بايدن متاحا دائما لتقديم الدبلوماسية الشخصية.
 بروجيكت سنديكيت في خطاب وزير الخارجية الألماني هيكو ماس الافتتاحي أمام الاجتماع السنوي للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، زعم أن الأوروبيين، بصرف النظر عن نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر من هذا العام، "يتعين عليهم أن يفكروا في أفضل كيفية لاحتواء الصراعات في الجوار الأوروبي، حتى في غياب الولايات المتحدة".

يحظى هذا الرأي بشعبية كبيرة، وقد زعم العديد من الخبراء الأوربيين، مثل جانان جانيش وفولفغانغ مونشاو من فايننشال تايمز، أن العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لن تتغير إلى حد كبير حتى لو نجح ديمقراطي في هزيمة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وفقا لهذه الحجة، فإن الرئيس الديمقراطي سيظل ينتهج سياسة الحماية في التعامل مع التجارة، كما سيظل متعاطفا مع الغرائز الانعزالية المفترضة بين عامة الناس في أميركا، وغير متحمس بالقدر ذاته لتحمل تكاليف الدفاع عن أوروبا، كان هذا الوصف ينطبق في البداية على عضوي مجلس الشيوخ إليزابيث وارن من ماساتشوستس وبيرني ساندرز من فيرمونت، على الرغم من دعمهما القوي للتعاون الدولي وحقوق الإنسان، والآن يمد بعض الأوروبيين الوصف ذاته إلى جو بايدن.

لكن الادعاء بأن بايدن لن يجلب أي تغيير حقيقي في السياسة الأميركية تجاه أوروبا غير صحيح، ولا يمكن تصديقه، إذ كان بايدن دائما نصيرا قويا للعلاقات عبر الأطلسي، وعلى مدار حياته السياسية التي دامت عقودا من الزمن، أقام علاقات وثيقة مع قادة أوروبيين رئيسيين، بما في ذلك المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وبصفته نائبا للرئيس في الفترة من 2009 إلى 2017، كان بايدن متاحا دائما لتقديم الدبلوماسية الشخصية على عكس الرئيس باراك أوباما.

ورغم أن الخبراء الأوروبيين محقون في تشككهم في أن التحالف القديم عبر الأطلسي قد يعود ببساطة إلى سابق عهده قبل ترامب، فإنهم يستهينون بما قد يعنيه انتصار بايدن بالنسبة إلى السياسة الخارجية الأميركية، إذ لا يزال الحزب الديمقراطي يتمسك بالقيم، وستسعى إدارة بايدن إلى إعادة ضبط العلاقات بشكل كامل بعد أربع سنوات قضاها ترامب في السلطة، واستعادة التزام أميركا التاريخي بالقيادة المسؤولة على المسرح العالمي.

في حين قضى ترامب وقته في المنصب في إشعال المعارك مع أوروبا حول تغير المناخ، والتجارة، وحقوق الإنسان، فإن بايدن سيعيد أميركا إلى الطاولة الدبلوماسية، وستعود الولايات المتحدة إلى اتفاقية باريس للمناخ، وتلاحق صفقات تجارية جديدة، وتشارك في الجهود التعاونية لضمان توافق الإبداع التكنولوجي مع معايير حقوق الإنسان.

في الاتحاد الأوروبي، وصلت صورة أميركا إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، بفضل استجابة إدارة ترامب البطيئة غير المتسقة وغير الفعّـالة لأزمة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19)، التي تضمن جزء كبير منها إلقاء اللوم على دول أخرى بدلا من التعاون معها، وبدلا من مكافحة الأزمة باستخدام موارد منظمة الصحة العالمية والمنظمات المتعددة الأطراف، قررت الولايات المتحدة دون سابق إنذار حظر السفر من أوروبا وأعلنت أنها ستوقف تمويل منظمة الصحة العالمية، ومن المؤكد أن أحد أهداف بايدن الأولى في السياسة الخارجية تصحيح هذا الخلل والتعامل مع جائحة (كوفيد-19) على أنها أزمة عالمية، وهذا يعني الاستفادة من التعاون العالمي لحماية الأميركيين من الجائحة (وما يصاحبها من دمار اقتصادي)، فضلا عن قيادة الجهود العالمية لمكافحة التهديد. مع وجود بايدن في البيت الأبيض، سيتم الاعتراف بشركات الاتصالات الأوروبية مثل نوكيا وإريكسون ودعمها باعتبارها من كبريات شركات التحالف عبر الأطلسي في مجال الجيل الخامس من الاتصالات، وستساعد الولايات المتحدة أوروبا في فطام ذاتها عن الغاز الروسي في حين تعمل نحو الانتقال إلى الطاقة النظيفة، كما ستدرك إدارة بايدن الحكمة في التفاوض بشأن تجديد معاهدة الأسلحة النووية ستارت الجديدة مع روسيا عند انتهاء صلاحيتها في عام 2021، وستلاحق أشكالا أخرى من الحد من التسلح لتعزيز المصالح الأمنية الأوروبية والأميركية ومنع سباق تسلح جديد.

الأمر الأكثر أهمية أن إدارة بايدن ستحترم جانبها من أي صفقة، وستكون مؤتمنة على الحفاظ على التزامات أميركا تجاه الشركاء والحلفاء في مختلف أنحاء العالم، والسؤال الوحيد هو ما إذا كانت أوروبا أيضا على استعداد لاتخاذ الاختيارات العصيبة اللازمة لإعادة تنشيط التحالف. سمح ترامب لأوروبا بتجنب مثل هذه الاختيارات، لأن سلوكه الغريب صرف الانتباه عن معظم القضايا الأخرى، فعلى سبيل المثال، مع توجه كل الأنظار إلى الخصومة الصينية الأميركية المتزايدة الحدة، أصبح الاتحاد الأوروبي أكثر استيعابا للصين، وفي أوائل شهر يونيو، أعلن الممثل الأعلى للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، أن أوروبا لا تعتبر الصين تهديدا عسكريا. وفي حين أدان القادة السياسيون الأميركيون من كلا الحزبين بشكل صريح فرض الصين قانونا أمنيا جديدا في هونغ كونغ، كانت ردة الفعل في الاتحاد الأوروبي وديعة نسبيا.

لا يجوز لنا أن ننسى أن الاتحاد الأوروبي هو أكبر كتلة تجارية في العالم، وبالاستعانة بالقدر الكافي من العزيمة والتصميم، تستطيع أوروبا، من خلال العمل الوثيق مع الولايات المتحدة، أن تفرض نفوذا كبيرا عندما يتعلق الأمر بتعزيز نظام متعدد الأطراف قائم على القواعد، ولكن للقيام بذلك، سيكون لزاما عليه أن ينفق من رأسماله السياسي والدبلوماسي. الأمر ذاته ينطبق على قضايا أقرب إلى أوروبا، والواقع أن أوروبا من الممكن أن تكسب الكثير من خلال العمل عن كثب مع الولايات المتحدة لتعزيز استقلال أوكرانيا وقدرتها على الصمود في وجه الكرملين، وخصوصا من خلال احترام نظام العقوبات المتجدد مؤخرا ضد روسيا، والاتحاد الأوروبي لديه مصلحة أيضا في تطهير مسار انضمام دول غرب البلقان وإنهاء المماطلة التي تصب منذ فترة طويلة في مصلحة روسيا، والصين، وتركيا، وغير ذلك من القوى. ومن خلال جلب غرب البلقان إلى الحظيرة عبر الأطلسية، تستطيع أوروبا أن تعتمد على دعم الأغلبية الثنائية الحزبية في الكونغرس الأميركي.

يتطلب السعي إلى تحقيق أي من هذه الأهداف أن يضع الاتحاد الأوروبي قيمه فوق النفعية السياسية والدبلوماسية، والقيام بهذا من شأنه أن يُـظـهِـر لعامة الناس في أميركا أن أوروبا ليست المتطفل المستغل كما يصورها ترامب، بل هي الشريك الواثق الجدير بالثقة، والواقع أن الأميركيين كثيراً ما يتطلعون بالفعل إلى أوروبا طلبا للأفكار السياسية، من قبول تحدي التكنولوجيا الضخمة وحماية الخصوصية إلى توفير الرعاية الصحية وغير ذلك من العناصر المهمة التي تشكل شبكة الأمان الاجتماعي، ومن الواضح أن تجدد العلاقات النشطة عبر الأطلسي كفيل بتعزيز تدفق الأفكار الأوروبية إلى الولايات المتحدة. من المؤكد أن إعادة ضبط العلاقات عبر الأطلسية يتطلب أيضا أن تناصر أميركا حقوق الإنسان والديمقراطية، وهذا يعني اتخاذ موقف أكثر صرامة في التعامل مع الحكومة التركية الحالية، ولحسن الحظ، لن يكون هذا صعبا، فقد أظهرت استطلاعات العمل الأمني القومي على نحو ثابت أن أغلب الأميركيين يشعرون بالقلق إزاء سوء إدارة ترامب للعلاقات الأميركية مع الدول الأخرى، ويفضلون رؤية حكومة الولايات المتحدة تدافع عن قيم أميركا المعلنة، بما في ذلك حقوق الإنسان.

على مدار السنوات القليلة الأخيرة، أعطت خطب ترامب المسهبة المعدة للتلفزيون ضد التحالف عبر الأطلسي أوروبا كل الأسباب للتحول إلى الداخل وإقامة حواجز الحماية، لكن بيانات دراسات المسح الصادرة عن المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية تُـظـهِـر أن العديد من الأوروبيين الذين يدعمون تدابير الحماية الآن هم مؤيدون سابقون للتحالف عبر الأطلسي أحبطتهم أحواله. ومع تغير القيادة الأميركية واتباع واشنطن لنهج أكثر اعتيادا، فربما تتبدد أسباب خيبة أملهم.

من المؤكد أن الخبراء الأوروبيين من الممكن أن يستمروا في تجنب أو تحريف الحقائق حول بايدن، والديمقراطيين، وآراء الأميركيين بشأن السياسة الخارجية، ومن خلال خفض التوقعات، يجعلون من السهل على إدارة بايدن المحتملة في المستقبل أن تتفوق في الأداء في نظر الجمهور الأوروبي، وأن العلاقات والتحالفات تدور حول التصورات بقدر أي شيء آخر.

* أليكس سوروس

* نائب رئيس مجلس إدارة مؤسسات المجتمع المفتوح.

«بروجيكت سنديكيت، 2020» بالاتفاق مع «الجريدة»

الادعاء بأن بايدن لن يجلب أي تغيير حقيقي في السياسة الأميركية تجاه أوروبا غير صحيح ولا يمكن تصديقه
back to top