الشامتون بالديمقراطية يرفعون الصوت عالياً!

نشر في 06-07-2020
آخر تحديث 06-07-2020 | 00:09
الكويت كانت ولعقود مضت سباقة في الانخرط بالتجربة الديمقراطية منذ العشرينيات من القرن الماضي ومطلعها مجلس 1921، تعثرت الخطوات، لكن المحاولات استمرت إلى أن استقرت على دستور 1962 وفيه تفصيل واضح لصيغة النظام والفصل بين السلطات.
 حمزة عليان ولا واحد من النواب الذين شملتهم "لوائح الفساد"، دخل السجن، كما يفصح بذلك أحد المخضرمين من أبناء الكويت، أو تمت إزاحته وانتهى سياسياً إلا إذا قرر هو بنفسه الابتعاد عن الساحة، بل على العكس تماماً، زادت شعبيته وتحول إلى "بطل أو نجم".

تعددت المسميات من "النواب القبيضة" إلى "نواب الإيداعات" و"نواب الابتزاز والصفقات" وصولاً إلى "نواب الضرب والاعتداء" على الآخرين، لم تعد الديمقراطية في خير، خصوصا بعد 1992 وعودة الحياة النيابية إلى مجراها الطبيعي، فقد تغيرت الصورة وتبدلت معالمها، وغابت تلك الميزة التي انفردت بها عن أقرانها الخليجيين بحيث اهتزت كثيرا المكانة التي احتلتها لسنوات وهي متربعة على العرش، بل تراجع مؤشر الديمقراطية كممارسة وأصابه العطل من جراء ملوثات الفساد السياسي والمالي.

كانت ولعقود مضت سباقة في الانخرط بالتجربة الديمقراطية منذ العشرينيات من القرن الماضي ومطلعها مجلس 1921، تعثرت الخطوات، لكن المحاولات استمرت إلى أن استقرت على دستور 1962 وفيه تفصيل واضح لصيغة النظام والفصل بين السلطات.

وعلى مدار سنوات الحكم الديمقرطي شكلت منارة في محيطها الخليجي، وخلال أربعة عقود تقريباً (1961– 1986) تحولت إلى "قبلة" لأهل الخليج والمنطقة العربية، ونموذج يسعون إلى تطبيقه أو على الأقل السير على خطاه.

أتذكر أن الصحف الكويتية الخمس كانت ترفع أعداد الطباعة وتزيد مبيعاتها بنسبة عشرين في المئة أثناء انعقاد جلسات مجلس الأمة في السوق الخليجي، حيث يتهافتون على شرائها في الوقت الذي لم تكن فيه فضائيات تلفزيونية أو وسائل تواصل اجتماعي كما هو اليوم.

والظاهرة تناولها عدد من المحللين السياسيين خلاصتها أن شعوب الخليج تتوق إلى أن تعيش تجربة الكويت لما فيها من حسنات وميزات، منها إشراك المواطن بالقرارات السياسية الحكومية أو تعزيز أجواء الحريات والتعبير عن الآراء التي يفتقدون إليها!

والديمقراطية في الكويت حمتْ النظام في أسوأ نكبة تعرضت إليها في تاريخها السياسي عام 1990 يوم لم يجد العراق المحتل مواطناً كويتياً واحداً من المعارضة أو غيرها، تلبسه البشت وتضعه على الكرسي كي يكون بديلاً عن حكم آل الصباح الكرام، وعندما استحقت الفاتورة السياسية، وقف التجار ورجالات الكويت والقوى السياسية في مؤتمر جدة الشعبي أكتوبر 1990، وعلى لسان عبدالعزيز الصقر رئيس غرفة التجارة والصناعة آنذاك ليوجه رسالة إلى الخليج والعالم، أنهم جاؤوا لتجديد العهد مع أسرة آل الصباح الكرام ولن يقبلوا غير الديمقراطية وسيلة تنظم العلاقة بين الشعب والحاكم.

لكن ماذا حدث بعد ذلك؟

كان الخطاب الخليجي يجاهر بالحذر من الديمقراطية الكويتية، والتي يشار إليها بأنها أحد أسباب تعطيل مشاريع التنمية، صحيح أن دولة الكويت لديها أفكاراً خلاقة لكنها تصطدم أحيانا كثيرة بمساومات سياسية من قبل نواب يجعل الإنجاز يترنح ويتأخر.

دراسات عديدة عالجت هذا الجانب وبينت أوجه الخلل بممارسة بعض النواب للديمقراطية وطبيعة العلاقة التي تحكمهم تجاه الحكومة والتي تتم أحياناً بالترضيات والصفقات! فالتعثر جعل المواطن على مسافة بعيدة عن مجلس الأمة، بل وصل البعض إلى القول إن المشكلة تكمن بنواب أتوا عبر صناديق الاقتراع.

الحديث هذه الأيام يدور حول "قضية النائب البنغالي" التي طفت على السطح مؤخراً وتصدرت الصفحات الأولى من الصحف وصارت تحقيقات النيابية التي تتسابق أجهزة الإعلام على نشرها تأخذ مساحات من الاهتمام أكثر من الاهتمام بمخاطر وباء "كوفيد– 19"، والتي حملت أنباء مفزعة لأهل الكويت، على حد تعبير النائب ثامر السويط، وعلى خلفية أن هناك نائبين أو ثلاثة طلبت النيابة العامة رفع الحصانة النيابية عنهم لتورطهم واتهامهم!

هذا الحدث أعطى الذريعة للشامتين بالديمقرطية أن يرفعوا الصوت عالياً، كيف لنا قبول نواب منتخبين متهمين بتلقي الرشا! فالواقع أن هذه ليست المرة الأولى التي يشكل أعضاء في مجلس الأمة أطرافاً في قضايا فساد سياسي ومالي، "فنواب الإيداعات" كما يسمونهم ما زالت أصداؤها تتداول.

قصة النائب البنغالي أثارت الرأي العام لغرابتها، فهو نائب حالي في برلمان بنغلادش وزوجته كذلك! يمارس "أعمال البيزنس" في الكويت ويتنقل بينها وبين "دكا" عاصمة بلاده، ويدير شركات خاصة بجلب وتشغيل عمال النظافة، لديه نحو 34 عقداً حكومياً وعنده 9 آلاف عامل، وفي حساباته البنكية التي قيل إنه تم تجميدها نحو 5 ملايين دينار كويتي (نحو 17 مليون دولار) اقتيد إلى السجن المركزي على ذمة التحقيق، ولكي ينهي أعماله وعقوده لجأ إلى تقديم الهدايا والرشا لقياديين ومسؤولين من خلال تحرير شيكات أو سيارات فارهة!

النائب البنغالي جمع أموالاً رهيبة من وراء المتاجرة بعمال النظافة مكنته من الفوز "بعضوية المجلس" في وطنه، وعندما سئل في النيابة كما أوردت الزميلة "القبس" أجاب "بعض المسؤولين يعطلون مناقصاتي ولا يمررونها إلا بدفع المال، فماذا أفعل؟".

والصدمة أحدثت ردود أفعال صاخبة في الشارع وفي مجلس الأمة وعلى صفحات الصحف، فالكاتبة والدكتورة بهيجة بهبهاني كتبت في صحيفة "القبس" مقالة بعنوان "انتهت الحفلة التنكرية فاخلعوا الأقنعة"، فتؤكد أنها أصابتنا نحن، المواطنين المغفلين، بالذهول وأفقدتنا الاتزان وشعرنا بالذعر من قبحها وبالخوف منها ومن تأثيرها المدمر على الوطن.

سيكون الأمر مفيداً بالعودة إلى الوراء قليلاً، فمنذ فضيحة الإيداعات المليونية في مجلس 2009 والمتهم فيها 13 نائباً والذين تضخمت حساباتهم وحفظت إدارياً لعدم وجود شبهة جنائية، توالت عمليات الفساد التي كان فيها لبعض النواب حصة ونصيب لا بأس بها.

ففي عامي 2010 و2011 تابعت الصحف المحلية قضية نائب تراكمت في حساباته مبالغ وصلت إلى 17 مليون دينار وآخر جمع 8 ملايين دينار في أيام، ومبالغ مريبة أيضأ دخلت في حسابات 15 نائبا متهمين بتبيض الأموال وبلاغ من مواطن يتهم فيه نائباً بالنصب والاحتيال بـ200 ألف دينار!

وفي عام 2018 أثير ملف "عطايا ومساعدات النواب" والذي أثاره النائب أحمد الفضل، وكذلك البلاغ الذي تقدم فيه النائب عبدالله الطريجي لعشرين نائباً تضخمت حساباتهم وارتكبوا مخالفات مالية.

وفي عام 2019 فتح النائب رياض العدساني ملف نائب سابق يتعامل مع رجال أعمال حولت إليه مبالغ وصلت إلى 600 ألف دينار وتضخمت حسابات 3 نواب حاليين! إذاً، هناك نواب يمارسون لعبة إنجاز المعاملات ويدخلون في صفقات عقارية والحبل على الجرار!

الصحف الكويتية الخمس كانت ترفع أعداد الطباعة وتزيد مبيعاتها بنسبة ٠2% في السوق الخليجي أثناء انعقاد جلسات مجلس الأمة
back to top