الإصلاح... واجب وليس خياراً

نشر في 01-07-2020
آخر تحديث 01-07-2020 | 00:30
 فيصل حمد العيّار تتصاعد المطالبات بالإصلاح عندما نمر بالأزمات، وتخف متى ما تحسنت الظروف؛ فالكثير يعتقد أن الطريق إلى الإصلاح صعب مقارنة بالدول الأخرى، غير أنني أجده سهلاً متى توافرت الإرادة والقدرة على اتخاذ القرارات الجريئة، والوفرة المالية التي تمكننا من عبور هذه المرحلة بأقل ضرر على المواطن والدولة.

فإذا ما أجرينا حسبة بسيطة فسنجد أننا ننفق أكثر من قدرتنا، والجزء الأكبر من هذا الإنفاق مع الأسف هو على توظيف المواطنين في الدولة. لنأخذ مثلاً الرواتب والدعوم التي تمثل حوالي 70 في المئة من ميزانية الدولة، حيث بلغت تلك الرواتب أكثر من 7.5 مليارات دينار عام 2019-2020. هذا النزيف يجب أن يتوقف تماماً، ومقابل ذلك ينبغي استحداث آلية لدعم البطالة مما يحفظ كرامة المواطن ويخفف العبء عليه، كما يمكن لمثل هذا الإجراء أن يخفف أيضاً البيروقراطية في الدولة، ويحفز الكويتيين على العمل في القطاع الخاص أو الدخول في ريادة الأعمال من خلال إنشاء المشاريع الصغيرة. إلى جانب ذلك، يجب تغيير مفهوم التخصيص والـBOT بحيث لا يعود المقياس مادياً فقط، بل يضاف مقياس آخر يتمثل في مدى نجاح الشركات في تعيين الكويتيين لديها.

كما يجب أن ننظر إلى آلية تخصيص الدعوم للمواطنين، وطريقة صرفها، بعدما بلغت قرابة 7 مليارات دينار، بحيث يستفيد المواطن من النظام بدون أن يضره، فبدلاً من جعل الدعوم مفتوحة فبإمكان الدولة أن تقدر مبلغ الدعم ويدفع للمواطن، وقتئذٍ إذا صرف المواطن أكثر يدفع مقابل ذلك، وإذا وفر كان له الفرق، وسيكون لذلك أثر كبير في الحد من هدر الماء والكهرباء وغيرهما.

أيضاً فإن توفير السكن يعد إحدى القضايا الحساسة، وأعتقد أن الدولة لن تكون قادرة على الاستمرار على هذا النسق، غير أن بإمكانها توفير الأرض للقطاع الخاص لتجهيزها وبيعها للمواطن بسعر مناسب بإشراف الدولة، مع العمل بنظام الرهن العقاري وتوفير تمويل طويل الأجل مدة 30 سنة، وبذلك يصبح بإمكان المواطن شراء بيت العمر، وتكون هذه فرصة استثمارية للقطاع الخاص، مع عدم تحميل الدولة تكاليف كثيرة. الهدر الكبير والفساد في الدولة يجب أن يتوقفا، فعلى سبيل المثال انظر إلى حجم الصرف غير المبرر في السنوات العشر السابقة على بناء مقار المؤسسات الحكومية الجديدة.

تحقيق كل ما سبق جيد، ولكن تخفيض المصاريف يجب أن يقابله تعظيم الإيرادات من أملاك الدولة، مثل «الشويخ الصناعية» والشاليهات والمزارع، حيث يجب إيجاد أفكار مبتكرة تخدم المواطن، وبنفس الوقت تزيد إيرادات الدولة. إذا أخذنا «الشويخ الصناعية» على سبيل المثال، فإنه يمكن السماح بالتمليك هناك، بحيث تدفع القيمة على فترة تتراوح من 5 إلى 7 سنوات مع إعطاء دور إضافي للملاك، كما يجب دعم المشاريع المنتجة لتكون رافداً للدولة والعمل الجدي باتجاه التخصيص عامةً، وقطاعي التعليم والصحة والقطاعات الخدمية بشكل خاص.

أما الضريبة فهي شرٌّ لابد منه، وفرضها مهم على ثلاثة صُعُد، فهي أولاً تحد من عمليات غسل الأموال، وثانياً تطرح سؤالَ: من أين لك هذا؟ وثالثاً تعزز الشفافية في أعمال الدولة، ويكون المواطن شريكاً لها.

إن الكويت بلد نفطي وسعر البترول اليوم في وضع لا يحسد عليه، ولكن تكلفة إنتاجه ولله الحمد من الأقل بين الدول المنتجة في العالم. أنا لست خبيراً في القطاع النفطي ولكن لماذا لا يكون لنا طموح بألا نصدر النفط الخام في المستقبل، ونضع خطة لإنتاج البتروكيماويات في مدة زمنية محددة عوضاً عن تصديرنا للنفط الخام، وهذا يعطينا قيمة مضافة، وسيوفر فرص عمل كثيرة، كما سيساعدنا ذلك في المضي في رؤية 2035 لتعظيم الإيرادات بحسبة معقولة ودراسة متأنية.

وفي النهاية هناك عدة حلول أكثر حدة، ولكن يجب أن نتجرعها قبل أن تفرض علينا، منها مثلاً أن كل إيراد الكويت من النفط، يباع بالدولار، لذا ربما لا يكون تخفيض قيمة الدينار قراراً خاطئاً، لاسيما إذا كان بالتدريج، وهذا سيكون له أثره على زيادة التضخم، ولكن في المقابل له آثار إيجابية مثل تخفيف العبء على ميزانية الدولة، كما يساعد في تخفيف الاستهلاك.

إن هذه الإجراءات لم تعد خياراً، بل باتت واجباً علينا لحماية مستقبل الكويت ورفاهية مواطنيها، ويجب أن نعترف بأننا لا نستطيع الاستمرار على هذا الوضع، لذلك علينا التحرك الآن، قبل الغد... حفظ الله الكويت وشعبها من كل مكروه، تحت قيادة حضرة صاحب السمو أمير البلاد.

* نائب رئيس مجلس الإدارة التنفيذي لشركة مشاريع الكويت القابضة (كيبكو)

back to top