الصين ووباء «كوفيد-19»... «لعبة شطرنج» مركزية محلية!

نشر في 25-06-2020
آخر تحديث 25-06-2020 | 00:00
 ذي دبلومات يخطئ من يظن أن الحكومة المركزية أو "بكين" تنجح في احتواء فيروس "كوفيد-19" في الصين، مع أن معظم وسائل الإعلام الغربية والحملات الدعائية الصينية تفترض هذه الفكرة، فعملياً تبقى معظم تدابير احتواء الوباء محلية بطبيعتها، مما يعني أن المقاطعات والمدن هي التي تُقِرّ تلك التدابير وتطبّقها بدرجات متفاوتة، فقد فُرِضت أكثر القواعد صرامة في أول بؤرة للوباء، أي مدينة "ووهان" في مقاطعة "خوبي"، هذه الاختلافات التنظيمية المحلية ليست مألوفة بأي شكل في الصين، حيث يرفض أكبر بلد من حيث العدد السكاني في العالم مبدأ الفدرالية باعتباره من "المحرمات" السياسية، إذ لا تُبنى الدولة والأحزاب من أدنى المراتب إلى أعلاها هناك، بل عن طريق "المركزية الديمقراطية"، وفي زمن الأزمات تتخذ صناعة القرارات منحىً مركزياً مضاعفاً.

لكن رفض الرئيس الصيني شي جين بينغ فرض استراتيجية موحّدة في أنحاء الصين، إذ لم تطرح الحكومة المركزية الصينية "سياسات شاملة" للبلد كله، إنها مقاربة مفاجئة لأن بلداناً لا مركزية بامتياز، مثل سويسرا والنمسا، لجأت في زمن الوباء إلى تنظيمات وطنية موحّدة.

لكن من الصائب أن تعيد الصين سياسة احتواء "كوفيد-19" إلى المستوى المركزي في نهاية المطاف، حيث يطالب شي جين بينغ بمعاملة "البلد كله كلعبة شطرنج واحدة"، مما يعني أن احتواء الوباء يجب أن يختلف بين المناطق المحلية، لكنّ القرارات الأساسية المرتبطة به يجب أن تصدر عن الحكومة المركزية أو تحصل على مصادقتها على الأقل، وبعبارة أخرى، يتعين على المدن والمقاطعات أن تفرض تدابيرها الخاصة، شرط أن تفعل ذلك باعتبارها "تابعة" للحكومة المركزية، وترتكز "لعبة الشطرنج" المركزية المحلية هذه على قواعد الحزب الشيوعي بدل الدولة، لأن هذا الحزب هو صاحب القرارات في جميع المجالات، بما في ذلك الدولة والجيش والشعب.

تعكس "لعبة الشطرنج" الصينية في زمن فيروس كورونا أنماطاً خاصة بالنظام المركزي المحلي القائم منذ آلاف السنين، لهذا السبب، تصبح الوحدات المحلية، مثل مدينة ووهان، أشبه بـ"كبش محرقة"، مما يعني أنها مضطرة لنشر الأنباء السيئة عن الإقفال التام وفرض تلك السياسات بكل صرامة، وفي المقابل تتمسك الحكومة المركزية بدور "سيّد الشطرنج"، فتعلن الخطوات الإيجابية، على غرار تخفيف الضوابط، وتحكم البلد عبر الامتناع عن التحرك ظاهرياً، فمن جهة تقوي هذه السياسة حكم الحزب الشيوعي المركزي لأنها تشكّل ركيزة لشعبية القادة المركزيين في الصين، لكنها تُهدد من جهة أخرى حكم الحزب الواحد كونها تدمّر ثقة المواطنين والأكاديميين الصينيين على المستويات المحلية، وكلما اتخذت الوحدات طابعاً محلياً تراجعت الثقة بها، مما ينعكس سلباً على إدارة البلد ككل.

ينجم هذا الخطأ الفادح في لعبة الشطرنج المزعومة عن قدرة الوحدات المحلية الصينية على تقييد حقوق المواطنين بدرجة هائلة من دون أن تتحمل أي مسؤولية تجاههم، ففي ووهان، أدى هذا الوضع إلى فرض تدابير مفرطة لمكافحة فيروس "كوفيد-19"، وسرعان ما انتهكت هذه المقاربة حريات ملايين الناس خلال بضعة أشهر، ولاسترجاع ثقة الناس بالدولة والحزب الحاكم ككل، يتعين على القادة في الحكومة المركزية الصينية أن يحاسبوا الوحدات المحلية على تعاملها مع المواطنين، مما يعني تنظيم انتخابات مباشرة على مستوى البلديات، وتكثيف المشاركة في صناعة القرار، وتمكين الأفراد من إيجاد حلول قانونية ضد القانون المحلي والسياسات التي تؤثر عليهم، فهذه الخطة تسمح بتجنب السياسات المحلية الشائبة التي تتجاهل حاجات الشعب ومصالحه، حتى أنها تسهم في الحفاظ على الوعد الدستوري الأساسي في جمهورية الصين "الشعبية": الشعب هو "سيّد البلاد" خلال أزمة فيروس كورونا وما بعدها!

* فيليب رينينغر

* «دبلومات»

back to top