عقوق الإنسان!‬

نشر في 23-06-2020
آخر تحديث 23-06-2020 | 00:09
الكويت تحتاج ‫أكثر من أي وقت مضى إلى مراجعة المناهج التعليمية المعادية لحقوق الإنسان، والتصدي لأفكار القائمين على وضعها، والعمل على الارتقاء بمستوى فهم وممارسة حقوق الإنسان والنأي بها عن متاجرة الساسة القصيرة النظر، فتفشي خطاب الكراهية في زمن التواصل السريع ينذر بخطر متربص غير محمود العواقب.
 فيصل خاجة أثار مقتل الأميركي جورج فلويد تفاعلاً كبيراً تعدى نطاق الولايات المتحدة، إذ اكتظت وسائل الإعلام بالحديث عن تلك الحادثة، لسنا في صدد التعرف على وجهة النظر الغربية لثقتنا بأن المجتمعات الحية والمتفوقة تقوم دوماً بتطوير ذاتها مستفيدةً من تجاربها العملية لا النظرية، ما يعنيني هنا هو بركان اللغو اللغوي والمشاعر الناطقة بالعربية التي تتجاهل واقع حقوق الإنسان في محيطها الصغير لتناضل بكل قضايا الكون، هاربةً من قضيتها كما ذكر الشاعر مظفر النواب في إحدى قصائده.‬

حقوق الإنسان هو مفهوم حي ومتطور، وشهد العديد من الطفرات عبر التاريخ إلى أن جاءت الوثيقة الأهم والأشمل ديسمبر 1948 عندما تبنت الأمم المتحدة الميثاق العالمي لحقوق الإنسان متضمناً 30 بنداً يجب استهدافها والعمل على حمايتها عالمياً وذلك بعد الكارثة الأكبر في تاريخ البشرية التي أودت بحياة 73.000.000 شخص، جاء الميثاق ليضع معياراً مرجعياً عالمياً للحد الأدنى لتلك الحقوق المبادئ الأخلاقية والمعايير الاجتماعية. ‬

‫بالنظر إلى موضع الكويت في خريطة الإنسانية تتسم الكويت بكونها بلداً إنسانياً يقودها قائد إنساني بشهادة عالمية، تستند تلك الصفة بالأساس إلى الدور الخارجي المتميز للكويت خصوصا في مساعدة ضحايا الحروب والنزاعات والفقر والكوارث الطبيعية، ولكن بالنظر إلى الواقع الإنساني الداخلي يتضح عدم تناغمه مع الشخصية الإنسانية الخارجية، فعند مراجعة مدى التزامنا بتطبيق بنود الميثاق يتضح تحقيقنا لنسبة نجاح 67% الموازية لدرجة «مقبول» دراسياً بمخالفتنا الصريحة لعشرة بنود على الأقل، ومن غير المنطقي أن نطالب بتحقيق العلامة الكاملة، ولكن من غير المقبول كذلك أن تستمر نتائجنا بالانحدار المستمر، فالكثير من التشريعات والسلوكيات المتعارضة مع مبادئ حقوق الإنسان جاءت في السنوات التالية لتحرير الكويت والذي تبنته الأمم المتحدة ذاتها! والأدهى من ذلك أن تأتي غالبية تلك التشريعات من مجالس نيابية منتخبة يفترض بها السعي إلى المزيد من الحرّيات.

‫الأسوأ أن نقوم بمحاربة الميثاق العالمي لحقوق الإنسان عبر مناهجنا التعليمية الإلزامية انتصاراً لأفكار القائمين على وضع المناهج المعادية لحقوق الإنسان، على سبيل المثال تم إفراد فصل في منهج التربية الإسلامية للصف السابع لذم الميثاق والدعوة الصريحة لعدم احترامه (ص١٦٣ إلى ص١٧٥) مع نشاط دراسي واضح يضع الدستور الكويتي في مواجهة تصادمية مع الميثاق العالمي (نشاط ٣ من الفصل ذاته) غارسة في النشء معاداة حقوق الإنسان، علماً أن ديباجة الميثاق العالمي نصت وبشكل صريح على مسؤولية الدول بتوطيد احترام‬ هذه الحقوق والحريات عن طريق التعليم والتربية!

‫أكثر من أي وقت مضى، تحتاج الكويت إلى مواجهة هذا الملف والعمل على الارتقاء بمستوى فهم وممارسة حقوق الإنسان والنأي بها عن متاجرة الساسة القصيرة النظر، فتفشي خطاب الكراهية في زمن التواصل السريع ينذر بخطر متربص غير محمود العواقب، والمواجهة لها تكلفتها على المدى القصير ولن تتمتع بتأييد شعبي إلاّ أنها ستضع الشخصية الإنسانية الداخلية في موقف متناغم مع أختها الخارجية، وذلك أضعف الإيمان.

back to top