تجدُّد المطالبات المصرية بإزالة تمثال شامبليون في السوربون

العالم الفرنسي يتكئ بإحدى قدميه على رأس الملك إخناتون

نشر في 17-06-2020
آخر تحديث 17-06-2020 | 00:02
مطالبات مصرية بإزالة تمثال شامبليون من ساحة جامعة السوربون المتكئ على إخناتون، في صورة مقاربة لمشهد مقتل جورج فلويد، حيث اتكأ الشرطي بركبته على رقبة المغدور حتى فارق الحياة.
أحدثت واقعة مقتل جورج فلويد أصداء عالمية، تضامناً مع الرجل الأميركي الأسود، الذي قضى تحت ركبة شرطي في الولايات المتحدة، وفي مصر تجددت أخيراً مطالبات لم تجد آذاناً لها قبل سنوات بضرورة هدم أو إزاحة تمثال موجود في ساحة جامعة السوربون في باريس يجسد العالم الفرنسي الشهير شامبليون متكئاً بإحدى قديمه على رأس حجرية يُعتقد أنها للملك الفرعوني إخناتون، ويعتبر المصريون هذا التمثال رمزاً للاستعباد، وإهانة حضارتهم القديمة.

ومع تنامي حالة الغضب ضد تماثيل قديمة ترمز إلى العبودية في عدد من دول العالم، وقيام متظاهرين بإسقاطها تضامناً مع جورج فلويد، وتأييداً لمبدأ العدالة والمساواة بين البشر، عاودت أصوات مصرية مطالباتها مجدداً بإزاحة تمثال يشكل إهانة لأجدادهم، حيث ينتصب تمثالٌ يجسد العالم الفرنسي الشهير جون فرنسوا شامبليون (1790 – 1832) واضعاً إحدى قديمه على رأس الملك إخناتون.

145 عاماً

ويقف هذا التمثال في موقعه بساحة جامعة السوربون العريقة منذ 145 عاماً، وهي الجامعة التي يدرس فيها طلاب من جاليات عربية، بينهم مصريون يستاؤون من وجود هذا التمثال، ولا يجدون مبرراً منطقياً لوجهة النظر الفرنسية الداعمة لفكرة تصميم التمثال التي تعبر عن نجاح شامبليون (إبان الحملة الفرنسية على مصر) في فك رموز حجر رشيد، التي بناء عليها نجح العلماء في قراءة اللغة الهيروغليفية التي كان يستخدمها القدماء المصريون، ما سهّل التعرف على العديد من أسرار هذه الحضارة.

وشجع المصريون على إعادة القضية إلى الواجهة، إسقاط متظاهرين تماثيل في عدد من دول العالم تشير إلى العنصرية والعبودية، من بينها بريطانيا التي شنت أخيراً حملة تستهدف التماثيل، والنصب التذكارية في شوارع لندن، والتي لها علاقة بـ"العبودية والعنصرية"،على خلفية مقتل جورج فلويد، وبواسطة رافعة آلية تمت إزالة تمثال لتاجر العبيد الشهير روبرت ميليغان من أمام متحف لندن دوكلاندز في لندن، أحد أشهر المتاحف البريطانية.

وأزال المتظاهرون المناهضون للعنصرية أيضاً تمثالاً لتاجر العبيد السابق إدوارد كولستون من إحدى ساحات مدينة بريستول، كما تعرض تمثال لونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني الراحل في ساحة البرلمان للرش بالألوان من قبل متظاهرين خلال إحدى التظاهرات المنددة بالعنصرية.

وشهدت الأيام الماضية حالة من الاستياء على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي من تمثال شامبليون داهساً بإحدى قدميه رأس فرعون مكسورة على الأرض، وهو ما اعتبره البعض أمراً مهيناً، ويعكس نظرة عنصرية تجاه الحضارة المصرية.

وسبق أن طالبت الجالية المصرية في فرنسا بإزالة التمثال عام 2011، وانطلقت حملة وقتذاك تبناها الفنان المصري المقيم في باريس هشام جاد، استهدفت جمع مليون توقيع من الشعب المصري، للضغط على الحكومة الفرنسية ومطالبتها بإزالة التمثال، لكنها لم تفلح في مهمتها.

وقال جاد لـ"الجريدة": "هذا التمثال لا يليق بأعظم حضارة عرفتها البشرية، ولابد من أن تتدارك الحكومه الفرنسية هذه الإهانة البالغة للإنسانية ممثلة في الأم مصر".

ولا تتوافر معلومات دقيقة بشأن هوية الملك الفرعوني صاحب الرأس المهان، حيث تباينت الآراء في هذا الصدد، ورجح البعض أن يكون الرأس المكسور والمطروح أرضاً تحت قدم شامبليون للملك إخناتون من الأسرة الفرعونية الـ18، وأهم من دعا إلى توحيد الإله، بينما ذهب آخرون إلى أن الرأس يخص الملك رمسيس الثاني، لكن هذا الجدل لم يمنع اتفاقهم جميعاً على رفض التمثال وفكرته "الاستعلائية"، والمقصد الواضح من ورائه، وهو أن شامبليون استطاع تحطيم رؤوس الفراعنة والتفوق عليهم بعد فك طلاسم لغتهم الهيروغليفية.

ويحمل التمثال عبارة منحوتة على الرأس الفرعونية ترجمتها بالعربية "أنا من أجل مصر ومصر من أجلي"، وهي العبارة الشهيرة التي كان بالفعل يرددها شامبليون، من فرط هوسه وعشقه للحضارة والآثار المصرية القديمة، ولا يختلف أمر العشق لمصر هذا كثيراً لدى صانع التمثال النحات الفرنسي الشهير فردريك أوغست بيرتولدي، الذي كان مهتماً هو الآخر بعلم المصريات.

وانتهى بيرتولدي (1834–1903)، من نحت التمثال المثير للجدل عام 1863، أي وقت كان عمره 29 عاماً، وعُرض العمل للمرة الأولى في معرض تشكيلي في باريس عام 1875، وبعدها وخلال العام ذاته وُضع في مكانه الحالي في ساحة كلية "دي باريس" بجامعة السوربون.

والمثير للدهشة أن صانع هذا التمثال الرامز إلى الاستعلاء والعبودية، هو ذاته صانع التمثال الأشهر الذي يعد أيقونة للحرية في العالم، وهو تمثال الحرية الموجود في الولايات المتحدة، وهي الدولة ذاتها أيضاً التي تشهد ممارسات عنصرية ضد الأميركيين من أصل إفريقي، آخرها مقتل جورج فلويد.

والأكثر إثارة للدهشة أن فرنسا لم تكتف بهذا التمثال بل صنعت منه نسخة جديدة من خامة البرونز، ووضعتها في ساحة جامعة "غرونوبل" (جنوب البلاد)، وأقامت احتفالية أزيح خلالها الستار عن التمثال في 22 سبتمبر 2014.

بيرتولدي ناحت التمثال «الاستعلائي» هو مصمم تمثال الحرية بأميركا
back to top