لبنان: الشغب يضغط على الجيش أقوى شركاء واشنطن

محتجون يعترضون مساعدات إلى سورية بطرابلس... ومناورة مدنية لـ «حزب الله» في بيروت

نشر في 15-06-2020
آخر تحديث 15-06-2020 | 00:04
لبنانيون لبسوا الأسود وصبغوا وجوههم بالأبيض خلال جنازة رمزية «للوطن» في وسط بيروت أمس الأول (اي بي ايه)
لبنانيون لبسوا الأسود وصبغوا وجوههم بالأبيض خلال جنازة رمزية «للوطن» في وسط بيروت أمس الأول (اي بي ايه)
شنت قوى سياسية لبنانية معارضة هجوما على الحكومة، بسبب تعاملها مع أعمال التخريب وسط بيروت، قبل يومين، غداة شغب ومواجهات في طرابلس، تعامل معها الجيش.
يترقب لبنان اليوم قيام البنك المركزي بضخ الدولار الى السوق، في خطوة يُتوقع أن ترفع سعر صرف الليرة أمام الدولار، رغم المخاوف التي تحيط بها، خصوصاً لناحية تأثيرها على احتياطي المصرف المركزي من العملات الاجنبية، وأيضا احتمال تسرب الدولارات الى دمشق، التي تعاني كذلك أزمة مالية ونقدية، ونتنظر سريان عقوبات "قانون قيصر" الأميركي التي يتوقع خبراء اقتصاديون أن تُحدث خضّة قوية في لبنان وسورية.

في هذه الأجواء، ومع استمرار "احتجاجات 17 تشرين" التي تحولت الى بازار كبير، وإلى ما يشبه البورصة، الجميع يستثمر فيها ويشتري ويبيع ويضارب على أمل تحقيق مكسب من هنا أو منصب من هناك، حذّر مراقبون من خطورة المواجهات العنيفة التي شهدتها عاصمة الشمال طرابلس مساء أمس الأول.

وعلى عكس أعمال الشغب والتخريب التي اجتاحت وسط بيروت ليل الجمعة - السبت، حيث هناك شبه إجماع على هوية محركها وإلى مَن موجهة وما هو مضمونها، فإن الشغب في طرابلس يأخذ على الفور أبعاداً أخرى، نظراً الى ما شهدته المدينة في السنوات الأخيرة من حروب صغيرة وكبيرة، من معركة نهر البارد وصولاً الى حرب التبانة جبل محسن.

ويقول مراقبون إن زجّ الجيش بمواجهات من هذا النوع في هذا التوقيت، في وقت تكون رواتب عسكرييه في أدنى قدرة شرائية منذ سنوات، لا شك في أنه سيشكّل ضغطاً على قيادة الجيش، الذي بات يعتبر حليف واشنطن الأقوى في لبنان بعد انهيار أو ضياع حلفاء أميركا التقليديين وقدرتهم المحدودة على التأثير.

ورغم استراتيجية الحزب الجمهوري الجديدة للأمن القومي التي قدّمها قبل أيام، والتي تقترح وقف المساعدات العسكرية التي تقدّمها واشنطن للجيش، فإن أوساط متابعة في واشنطن تقول إن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لن تأخذ قراراً بقطع المساعدات، لأن هكذا قرار بموازين القوى الحالية يعني ترك لبنان فريسة لطهران أو بوابة عودة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد.

من جهة أخرى، يقول مراقبون إنه لا شك في أن جانباً من التحركات في طرابلس يعكس حساسية سنيّة تجاه ضغوط حزب الله وحلفائه للتنسيق مع دمشق في مواجهة "قانون قيصر"، وما كشفته معلومات لـ "الجريدة" قبل أيام عن تكليف المدير العام للأمن العام، اللواء عباس ابراهيم، بالحوار مع السوريين في محاولة تجنيب لبنان ضرر "قانون قيصر"، أو على الاقل التخفيف منه.

الحريري

وكان رئيس الحكومة السابق سعد الحريري قد اعتبر ما حدث في طرابلس تكملة لما شهده وسط بيروت. وكتب على "تويتر": "ما تعانيه طرابلس الحبيبة من تخريب واستهداف لأرزاق أهلها لا يختلف عما تشهده بيروت. محاولة تشويه طرابلس وصورتها لإظهارها بمظهر الخارجة عن القانون ستفشل بإرادة الطرابلسيين الشرفاء. والدولة مُطالبة بتحمّل المسؤولية فيها كما في بيروت وكل لبنان".

وكان الحريري قال في وقت سابق إن "بيروت ليست مكسر عصا لأحد، ونحن لن نقف متفرجين على تخريب العاصمة من قبل رعاة الدراجات النارية".

وشن الحريري هجوماً جديداً على العهد والحكومة قائلاً: «خوفنا وخوفهم أن يأخذنا عباقرة العهد والحكومة إلى يوم ينتظر فيه اللبنانيون وصول شاحنات برنامج الأغذية العالمي».​​​​​​​

بوعاصي

واعتبر عضو تكتل «​الجمهورية القوية​« النائب ​بيار بوعاصي​ ضخ الدولار «سرقة موصوفة»، مضيفاً أن هناك فرقاً بين ضخ ​الدولار​ من احتياطي ​البنك المركزي​، غير المتوافر، وبين «شفطو» من شهادات الإيداع والاحتياطي الإلزامي.

ميقاتي

من جانبه، غرّد رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، قائلاً: "أناشد أهلنا في طرابلس حماية صرخة الحق من الانفعالية والفوضى والخارجين على القانون. طرابلس لُقّبت بعروس الثورة، فلتستمر في تقديم النموذج الراقي في الدفاع عن المطالب المشروعة".

جعجع

من ناحيته، سأل رئيس حزب «​القوّات اللبنانيّة​« ​سمير جعجع ​الحكومة​ عن سبب عدم إعطائها «التعليمات اللازمة للجيش و​قوى الأمن الداخلي،​ من أجل التدخل فوراً عند البدء بتكسير العاصمة والممتلكات العامة والخاصة، على مرأى ومسمع من كل وسائل الإعلام المحلية والعربية والأجنبية!».

عقيص

وقال النائب عن حزب القوات اللبنانية جورج عقيص، أمس، إن "حزب الله هو قائد الأوركسترا في السلطة اليوم، لأنه يملك مشروعًا سياسياً وتمويلا ماديا وترسانة من الأسلحة"، معتبرا أن "ما حصل في بيروت كان واضحا لجهة تصويب التحركات والاحتجاجات في اتجاه حاكم مصرف لبنان حصرا".

وإذ شدد على أن "هناك مجموعات تتحرك بإيعازات غير بريئة مرة لضرب المتظاهرين السلميين ومرة لدعمهم"، حذّر من أن "الثورة تحولت الى ثورات بعدما دخلت طوابير عدة في صفوفها". ورأى أن "المؤامرة الأساسية ضد البلد يحيكها من أتى برئيس الحكومة حسان دياب لرئاسة الحكومة"، مشيرا الى أن "ضخ الدولارات في السوق لن يحلّ أي مشكلة، بل سيفاقم الأزمة المالية".

الوضع الميداني

وفي التفاصيل الميدانية، ذكرت "الوكالة الوطنية للإعلام" أمس، أن عناصر من الجيش تمكّنت من استعادة السيطرة على الوضع الميداني في طرابلس وإلزام المحتجين التراجع إلى عمق الشوارع الداخلية، في حين عمدت العناصر بعد ذلك إلى فتح الطرق التي قطعها المحتجون، مشيرة الى سقوط 120 جريحاً.

وأوقف المحتجون شاحنات محمّلة بالمواد الغذائية متوجهة إلى سورية وأحرقوا إحداها.

وقالت المديرية العامة للجمارك، في بيان، إنّ "هذه الشاحنات تنقل مساعدات من مادة السكر وغيرها لمصلحة الأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولي من ضمن برنامج الامم المتحدة الغذائي". وأكد برنامج الأمم المتحدة الغذائي في بيان، أن 39 شاحنة كانت متجهة الى سورية لنقل مساعدات الى السكان الأكثر فقرا هناك.

وسط بيروت

وفي وسط بيروت، كان المشهد مختلفاً عن ليل الجمعة - السبت، إذ تظاهر عشرات الأشخاص سلمياً في ساحة الشهداء مركز الاحتجاجات.

وأطلقت المجوعات اليسارية من الحراك هتافات منددة بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، كما نددت بـ "نظام التحاصص الطائفي غير القابل لا للتصحيح ولا للإصلاح"، بينما كان "الانقسام الثوري" سيد الموقف.

«مناورة مدنية»

وتناقل ناشطون تسجيلات صوتية وصوراً عن انتشار عناصر لـ "حزب الله" يرتدون السترات السود ويحلمون أجهزة لاسلكية، في منطقتي سليم سلام ومستديرة الطيونية، وعلى مداخل الخندق الغميق. وسرت إشاعات وتبريرات عن أن هذا الانتشار الأمني لعناصر الحزب لمنع خروج الشبان من الضاحية أو من الخندق الغميق.

وتزامناً مع تظاهرة بيروت، نظمت مجموعات أخرى في صيدا والنبطية ومرجعيون، مروراً بمنطقة الزوق في كسروان، اعتصامات ووقفات احتجاجية، وسط حضور كثيف للجيش الذي منعهم من قطع الطريق.

back to top