في العنصرية وأحداث أميركا

نشر في 08-06-2020
آخر تحديث 08-06-2020 | 00:20
 أ.د. غانم النجار اشتعلت أميركا كما لم تشتعل من قبل، بمظاهرات صاخبة، في قرابة ١٥٠ مدينة. هي ليست المظاهرات الأولى المناهضة للعنصرية، لكنها الأوسع والأكثر تحديداً في المطالب، حيث تمكنت من تحويل المشهد من الأوضاع المأساوية لفيروس كورونا، الذي قارب عدد وفياته ١١٠ آلاف، متجاوزة بذلك ضحايا الحربين الفيتنامية والكورية. لم تكن هناك فرصة لانتقال الصورة إلى شيء آخر غير ضحايا "كورونا"، إلا بأمر أخطر وأكثر فداحة، وهو العنصرية.

تعاني الولايات المتحدة الأميركية تركتين ثقيلتين؛ الأولى هي العبودية وتاريخها المؤلم وتجذرها العنصري بالقوانين، والثانية ادعاء التفوق العرقي، الذي يعبِّر عن نفسه بالكتل السياسية أو اليمين المسيحي أو التنظيمات اليمينية المتطرفة.

ما يجري في أميركا من مظاهرات، يختلف عن المظاهرات السياسية التقليدية، فهي تعبِّر عن حراك أجيال، ومعاناة لم تتوقف، وإصلاحات في أجهزة الشرطة لم تتم، وتوجهات في النظام القضائي، مرَّت بمراحل انتكاسات هائلة دون الوصول إلى حلول قانونية جذرية، ربما تقودنا إلى وجود نظامين عدليين في أميركا.

بطبيعة الحال المسألة السياسية يحلها الصراع السياسي وموازين القوى، لكن المسائل الحقوقية ومحتواها الاجتماعي والاقتصادي تتجاوز ذلك، إلى مرحلة الخوف من المستقبل في مجالات عديدة.

وللتدليل سنأخذ موضوعاً غير متداول، وهو موضوع الزواج العرقي، فحتى فترة قريبة كان الزواج العرقي المختلط ممنوعاً قانوناً، وكان أشهرها قضية لوفينج، حتى أصدرت المحكمة العليا حكمها، بأن قوانين حظر الزواج لأسباب عرقية غير دستورية، ومازالت حتى ٢٠١٩ هناك ٨ ولايات تشترط لإتمام الزواج إفصاح الزوجين عن عرقيهما.

القضية العنصرية في أميركا أعمق مما تراه العين، وما يظهر على السطح الآن بقتل الشباب السود على أيدي رجال الشرطة البيض، وتبرئتهم عبر النظام القضائي، لكنها تحرك في النفوس تركة ثقيلة. عندما أصدر القاضي ليون بازيل حكمه على الزوجين ريتشارد وميلدريد لوفينج، بعدم السماح لهما بالإقامة بولاية فيرجينيا لمدة ٢٥ عاماً، بسبب زواجهما المختلط، قال، مع ملاحظة أنه قاضٍ وليس سياسياً متطرفاً: "الله جل جلاله خلق الأعراق أبيض وأسود وأصفر ومالاي وأحمر، وأوجدهم في قارات مختلفة، فكيف لنا أن نتدخل في إرادة الله، ونسمح بتلك الزيجات، فحقيقة انه فصل بين تلك الأعراق، فإنه لا يريد لها أن تتخالط". انتهى النص

هكذا هي الأمور دون رتوش، وما نراه اليوم ليس إلا ردود فعل لأجل الإصلاح، والطريق مستمر في سبيل ذلك.

ومع كل ما قلناه عن تجذر العنصرية في أميركا، إلا أن إمكانية التغيير واردة، وأدواتها معروفة، والمظاهرات السلمية هي إحداها، ويبدو أنها أكثر جدية هذه المرة. في المقابل، فإن الذين ينتقدون أميركا لأسباب سياسية وليس لأسباب حقوقية، لا يتكلمون عن الحالة البائسة من الانتهاكات في منطقتنا العربية والإسلامية، بل تجدهم يؤيدون القمع العنصري والديني والمذهبي، فكيف يستقيم ذلك التناقض؟

back to top