هل تفجر الجائحة أزمة مالية جديدة في إندونيسيا؟

نشر في 29-05-2020
آخر تحديث 29-05-2020 | 00:00
الجنرال سوهارتو
الجنرال سوهارتو
تتوقع الحكومة الإندونيسية أن يتراجع الناتج المحلي الإجمالي الى ما بين 2.3 في المئة و4 في المئة خلال العام الحالي، وحتى هذه الأرقام قد تنطوي على تفاؤل، لا سيما أن الروبية هبطت لتصل إلى أكثر من 16.600 ألف روبية مقابل الدولار.
بينما تكافح حكومة إندونيسيا من أجل احتواء تداعيات أزمة وباء كورونا على الصحة العامة بدأت مضاعفاته بإحداث تأثيرات اقتصادية حقيقية على المجتمع في ذلك البلد، وتتوقع الحكومة الآن أن يتراجع الناتج المحلي الإجمالي الى ما بين 2.3 في المئة و4 في المئة خلال العام الحالي، وحتى هذه الأرقام قد تنطوي على تفاؤل، ومع بروز مستوى الأزمة بشكل واضح في شهر مارس الماضي بدأ تدفق رأس المال يؤثر في الروبية ويدفعها الى الهبوط لتصل في نهاية المطاف الى أكثر من 16.600 ألف روبية مقابل الدولار، وهو مستوى لم تشهده إندونيسيا منذ الأزمة المالية الآسيوية، ومع تفاقم الأزمة يصبح من الطبيعي أن يطرح السؤال حول ما إذا كانت اضطرابات حقبة التسعينيات من القرن الماضي ستتكرر من جديد.

أنا أتصور أن ذلك لن يحدث لأن التحدي الذي يمثله انتشار وباء كورونا جديد ومختلف تماماً وليست له سابقة في التاريخ، كما أن مستوى هذه الأزمة أكثر حدة من أزمات الماضي، وبالتالي فهي تتطلب استجابة مختلفة على صعيد مواجهتها، وقد تبدو الأزمة في ظاهرها مشابهة للأزمة المالية الآسيوية، حيث تفضي الى تدفق رأس المال الى خارج البلاد وهبوط قيمة العملة المحلية وانكماش اقتصادي كبير، وربما الى عدم استقرار سياسي أو اجتماعي إذا استمرت تداعياتها وذيولها لفترة طويلة.

مجرد أعراض فقط

لكن تلك كانت مجرد أعراض فقط، وفي هذه المرة يتعين أن تكون الأسباب الأساسية وطرق المعالجة مختلفة الى حد كبير، وفي المقام الأول كانت الأزمة المالية الآسيوية عبارة عن سمة تتمحور حول مشكلة سيولة، وطوال معظم حقبة التسعينيات من القرن الماضي تدفقت رؤوس الأموال من الخارج على إندونيسيا مع توجه الرئيس سوهارتو نحو نموذج التنمية الليبرالية الجديدة اضافة الى فرص الاستئجار التي وفرها، وعندما خرج المستثمرون من الأسواق في عام 1997 تسببوا في إحداث ضغط كبير على العملة المحلية (التي كانت في ذلك الوقت مرتبطة بعدد من العملات الأجنبية) واضطرت الحكومة الى تعويم الروبية، مما أسفر عن تدهور سريع في قيمتها، كما عرض ذلك بدوره بيت الورق الذي كان يشكل النظام المصرفي في إندونيسيا الى الخطر وخصوصا بعد أن أصبح من المستحيل توفير خدمة الدين الخارجي.

وكان من الطبيعي أن تسفر مثل تلك الهزة عن شلل أي نظام مصرفي بشكل عملي، ولكنها كشفت في إندونيسيا عن ارتباط الأزمة بأعوان الرئيس سوهارتو وتكتلاته الاقتصادية من خلال تغطية ديونهم التي لن تدفع، وأعقب ذلك اندلاع أعمال شغب في العاصمة جاكرتا، لكن صندوق النقد الدولي قدم الى إندونيسيا حبل نجاة، وجاء بعد ذلك قرار الرئيس بالتنحي وهو ما دفع الى تيسير الأوضاع الاقتصادية لسنوات قليلة خرجت إندونيسا بعدها دولة أكثر ديمقراطية.

الاختلاف مع أزمة كورونا

ولكن لا شيء من ذلك كله يشابه ما تتعرض إندونيسيا له اليوم وسط تداعيات وباء كورونا، إذ لم تعد الروبية مرتبطة بسلة عملات كما كانت الحال في الماضي كما أن لدى بنك إندونيسيا أكثر من 100 مليار دولار على شكل احتياطي من العملات الأجنبية من أجل دعم الروبية في حال هروب رؤوس الأموال الى خارج البلاد، ولكن الفارق الأكبر بين الماضي والحاضر قد يتمثل في أن البنوك الإندونيسية أصبحت أكثر قوة وسلامة.

واذا نظرنا الى أكبر أربعة بنوك في إندونيسيا وهي: بنك آسيا المركزي، وبنك مانديري، وبنك راكيات إندونيسيا، وبنك نيغارا إندونيسيا، نجد أنها كانت تملك مجتمعة أصولاً بقيمة 4.500 تريليونات روبية إندونيسية (حوالي 300 مليار دولار) وهذا يعني أن أزمة وباء كورونا ليست مشكلة سيولة في المقام الأول، وأنها تنبع من هزة العرض والطلب التي طغت على الاقتصاد كما أنها أظهرت الشكوك في قدرة الحكومة على مواجهتها، ولا يوجد في إندونيسيا خطة شاملة لمواجهة البطالة، ولذلك فإن مكافحة البطالة تقع على كاهل أصحاب الشركات الخاصة التي تحتفظ في الوقت الراهن بموظفيها وعمالها على الرغم من الخسارة في هذه الخطوة.

ولكن ذلك لا يشكل حلاً طويل الأجل، وفي نهاية المطاف سيسفر هذا الأسلوب عن إفلاس الشركات وتحويل الملايين من العمال الى عاطلين عن العمل على أي حال، ويتعين على الحكومة عمل المزيد من أجل توفير المال الى المحتاجين بشدة اليه، ويعتبر هذا التحدي الأكبر الذي يواجه الحكومة في ضوء عدم كفاءة شبكة الأمان والبيروقراطية التي تسود إندونيسيا وهو أيضاً الهدف الذي تكافح حكومة جاكرتا لتحقيقه.

موعد تعافي الطلب

السؤال الذي يتردد في مختلف الأوساط في إندونيسا هو متى سيتعافى الطلب؟ ويتمحور الأمل هنا على إمكانية أن تفضي تشريعات جديدة وضعف الروبية الى زيادة التصدير وجذب المزيد من الاستثمارات من أجل تحقيق إنعاش سريع للاقتصاد، ولكن ذلك ليس مؤكداً في الوقت الراهن، وهو يعني بالتالي أن المستهلك المحلي يشكل الوسيلة الوحيدة للخروج من هذا المأزق.

وربما يكون من حسن الحظ أن مستويات الاستهلاك والانفاق في إندونيسيا خلال الفترة التي سبقت الأزمة الحالية كانت قوية وراسخة الى حد كبير، ويعتبر ميدان السفر مثالاً واضحاً في هذا الصدد، وفي عام 2018 قدم 15.8 مليون سائح الى إندونيسيا، وخلال تلك الفترة كان هناك أكثر من 300 مليون سائح محلي، وهذا أحد الأمثلة على الوضع السائد اليوم كما أنه يعكس صورة الأنشطة في معظم القطاعات في إندونيسيا، وهي أن الطلب لا يرجع الى العنصر الخارجي بقدر ما يتوقف على داخل البلاد، ومن هذا المنطلق يمكن القول إن مرونة ذلك البلد في وجه الأزمة الراهنة يكمن في قدرة المستهلكين المحليين والشركات على التكيف والاستمرار في جهود استعادة الأنشطة الاقتصادية المختلفة.

احتمالات التفجر

وتتمثل المنطقة الأخرى التي يمكن أن تفضي الى تفجر في سلسلة الإمداد التي تعرف بأنها شديدة التعقيد في إندونيسيا خصوصا عندما يتعلق الوضع بالسلع الأساسية التي ترتبط الى حد كبير باعتبارات سياسية مختلفة، والأغذية– على سبيل المثال– تشكل ذلك النوع من السلع التي توفرها شركة بولوغ، وتسعى الى ضمان سعر مستقر لبعض المواد، وخصوصا الأرز، عبر التدخل في الأسواق وضمان مستويات العرض والطلب.

وستكشف الأشهر القليلة المقبلة إمكانية تحقيق تلك الأهداف والطرق الواجب اتباعها من أجل بلوغ تلك الغاية، ولا سيما أن الحصيلة في هذا الميدان كانت متواضعة حتى الآن، وقد وعدت شركة بولوغ في وقت سابق بشراء الفائض من الأرز من المنتجين إذا هبط السعر الى أقل من عتبة معينة، ومن ثم ستقوم بتوزيعه على المناطق التي تعاني نقصا فيه، كما أن حكومة جاكرتا خففت من القيود على شروط استيراد البصل والثوم بعد الارتفاع الشديد في الأسعار خلال شهر مارس الماضي، وهو ما ساعد في خفض الأسعار بصورة دراماتيكية، وقمت أنا بشراء كمية من البصل في الأسبوع الماضي، وكان السعر أقل كثيراً من المستوى الذي وصل اليه قبل شهر واحد فقط، وهو يبرهن على أن الحكومة تستطيع التصرف بسرعة اذا دعت الحاجة.

الفارق الكبير

ويبرز ذلك الفارق الكبير أيضاً بين الوقت الراهن وعام 1998، والذي يتمثل بدور المشاريع المملوكة للدولة، وعندما طرح صندوق النقد الدولي عرضه للإنقاذ اشترط على إندونيسيا التقيد بعدد من الأنظمة مثل خصخصة الشركات المملوكة للحكومة ولكن هذه الخطوة تشكل العنصر الرئيس في تعافي الاقتصاد الوطني في المرحلة الحالية.

والجانب الآخر الذي يطرح طريقة الاقتراض يتمثل بالعمل على توفير سلع أساسية مثل الوقود والكهرباء والسعي الى خفض السعر عن طريق الحصول على خصم وتقليص الخسائر، وكانت الحكومة أعلنت في وقت سابق أنها ستوفر الطاقة الكهربائية الى الملايين من العائلات الفقيرة خلال الأشهر القليلة المقبلة.

وأخيراً، يمكن القول إن التاريخ قد لا يعيد نفسه، لكن انتشار وباء كورونا يحمل سمة الأزمة المالية الآسيوية، كما أن التعمق في هذا المسار يظهر الاختلاف في تحديد الأسباب والسياسة المتبعة في مواجهة هذه المحنة، واليوم يقف النظام المصرفي على أرضية صلبة والقيادة السياسية تتصرف بقوة لافتة، إضافة الى أن الأحجية المحيرة تتمثل بكيفية الحفاظ على النشاط الاقتصادي الى أن يتعافى بصورة تامة مع العمل على ابعاد الاضطرابات في سلسلة الامداد ما أمكن، والآن يتعين على الشركات المملوكة للدولة تأدية دور داعم، ومما لا شك فيه أن الطريق أمامنا ينطوي على تحديات، لكن الأمل يكمن في أن نحصد النتيجة التي حققناها في حقبة التسعينيات من القرن الماضي.

● جيمس غيلد

لا شك أن الطريق أمامنا ينطوي على تحديات لكن الأمل يكمن في أن نحصد النتيجة التي حققناها في حقبة التسعينيات من القرن الماضي
back to top