دردشة: «المناسب» في «المناسب»

نشر في 29-05-2020
آخر تحديث 29-05-2020 | 00:04
 يوسف سليمان شعيب تختلف النظرة للمسؤولية من شخص إلى آخر، فهناك من يراها وجاهة ونفوذا ومالا، وهناك من يراها هما وغما وعدم راحة، وكلتا النظرتين لا تعني لنا شيئاً طالما من توكل له هذه المسؤولية يجهل ألف باء مهام تلك المسؤولية.

إن المسؤولين في مؤسسات الدولة أغلبهم تائهون عما يجب عليهم فعله وعمله وهم في هذه المسؤولية، وهذا يدفعهم لارتكاب إحدى الجريمتين، "تعلم التحسونة في راس القرعان"، وهذا سيتسبب في جروح بالرأس، وقد تكون الجروح كبيرة وخطيرة، أو الاستعانة بـ"زوير" و"عوير" وهذا سيترتب عليه تسليم الرأس والذقن لمنشار.

إن مقولة "الرجل المناسب في المكان المناسب" ما هي إلا عبارة عن برواز بشكل معين وحسب المقاسات والزوايا المحددة فيه، وكذلك أبعاد الصورة التي ستكون داخل هذا البرواز، فلابد أن تكون أبعاد تلك الصورة مطابقة ومناسبة بالتمام والكمال للبرواز.

فالبرواز هو المنصب والمسؤولية ذات المهام والأعمال التي يجب أن يفقهها كل من يتصدى لها، وأبعاد الصورة هي مقومات وإمكانات وقدرات الشخص الذي ستوكل له تلك المسؤولية، وهنا يقع الغالبية في الخطأ الفادح، حيث توكل تلك المسؤوليات إلى أشخاص لمجرد أنهم أقارب، أصدقاء، الطائفة، القبيلة، الفئة... إلخ، دون النظر والتأكد من مقاسات وزوايا البرواز، وأبعاد الصورة ومطابقتها للبرواز.

فليس من المنطق والمعقول أن يوضع العالِمُ في وظيفة لا تليق بعلمه وحكمته ورجاحة عقله، وليس من المنطق والمعقول أن يوضع الجاهل في وظيفة ليتحكم في مصاير العبـاد بلا أدنى خبرة بكيفية تسييـر أمور العِباد.

والشرع الإسلامي لم يغفل هذا الجانب، بل وضع له أسسه وأركانه، فقد ذكر جل جلاله في محكم التنزيل على لسان بنت نبي الله شعيب عليه السلام "قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ". (القصص- 26)، وعن أبي ذر ٍرضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، ألا تستعملُني؟ فضرب بيده على منكبيَّ ثم قال: "يا أبا ذر، إنك لضعيف وإنها لأمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها". متفق عليه.

فأهم الأركان حتى تصدق مقولة الرجل المناسب في المكان المناسب، أن يكون ذلك الرجل قويا وأمينا، قويا بعلمه ومعرفته في كل أمور المسؤولية الملقاة على عاتقه، وأمينا على صيانتها وأخذها بحق لا تأخذه في ذلك لومة لائم.

ولقد أثبتت التجارب الكثيرة في الحكومات والمنظمات والمؤسسات أن العديد من الانتكاسات والخسارات والمشاكل في العمل كان سببها سوء إدارة العمل، وضعف القرار المتخذ وعدم الخبرة في التعامل مع المتغيرات مهما كانت صفاتهم، وهذا الأمر لا يرجع به إلى وجود مشكلةٍ أو خلل في الوظيفة أو العمل نفسه فحسب، بل لأن هناك خللا في عدم قدرة وكفاءة من يعمل بها، وتحمل مسؤوليتها بالشكل الصحيح، وبالتالي فإن تقدم المجتمعات وتطورها مرهون بالاختيار السليم لكوادرها وقياداتها، وهنا يمكننا أن نقول بكل فخر "الرجل المناسب في المكان المناسب". وما أنا لكم إلا ناصح أمين.

back to top