رياح وأوتاد: بين الحقيقة والإثارة في التركيبة السكانية

نشر في 27-05-2020
آخر تحديث 27-05-2020 | 00:10
 أحمد يعقوب باقر لاحظت أن معظم ما يُكتب ويُثار في موضوع التركيبة السكانية بعيد كل البعد عن الطرح العلمي، وأقرب إلى الدعاية الانتخابية والإثارة البعيدة عن المهنية في هذا الجو المحموم الذي خلقته بعض وسائل الاتصال.

فقد صور بعضهم أن الوافد مقدم على الكويتي في التعيين في الحكومة، وأن الجهات الحكومية مليئة بالوافدين، وأن رواتبهم تفوق رواتب الكويتيين، وأنهم يعملون في وظائف الكويتيين في حين الكويتي معطل رغم أنه هو الأولى، ولكن بالعودة إلى آخر إحصاء صدر في سبتمبر 2019 من الإدارة المركزية للإحصاء نجد عدم صحة معظم ما ينشر، وأنها مجرد أخطاء أو مبالغات، وقد تكون نتيجة بعض التجارب الشخصية غير الموفقة.

حيث إن عدد الكويتيين العاملين في الوزارات المختلفة (غير الهيئات الملحقة والمستقلة) يبلغ (233) ألف كويتي في حين عدد الوافدين هو (72) ألف وافد، أي أن نسبة الكويتيين في وزارات الحكومة هي 77% ونسبة الوافدين 23%، وربما يظن القارئ أن نسبة الوافدين هذه كبيرة جداً، ولكن هذا الظن يزول عندما يعلم أن الجزء الأكبر من عدد الوافدين المذكور أعلاه مركز في وزارتين اثنتين هما التربية (29) ألفا والصحة (35) ألفا ومجموعهم (64) ألفا، وهم يعملون في المهن التدريسية والصحية التي لا يوجد كويتيون لشغلها، ولا يتبقى لباقي الوزارات إلا (8) آلاف فقط.

وكذلك الحال في الإدارات الحكومية مثل الديوان الأميري وديوان المحاسبة وإدارة الفتوى والتشريع والطيران المدني وغيرها، ففيها (21) ألف كويتي و(3) آلاف غير كويتي، وفي الجهات الملحقة (33) ألف كويتي و(5) آلاف غير كويتي، وفي الجهات المستقلة (11500) كويتي و(8) آلاف غير كويتي، وجميع أعداد غير الكويتيين المذكورة تشمل الخليجيين واليمنيين.

ومن المخجل أن تأتي وزارة الأوقاف في مركز متقدم من حيث عدد الوافدين بسبب النقص الحاد في الكويتيين في مهنتي الأئمة والمؤذنين، حيث يبلغ عدد الوافدين (3300) وافد، في حين يبلغ عدد الوافدين في وزارة العدل (1200) وافد، علماً أن وزارة العدل هي التي تحظى بالقدر الأكبر من اللوم والضغط الإعلامي للإحلال.

وتدل هذه الأرقام على تفوق عدد الكويتيين بنسب عالية على غير الكويتيين في مختلف الجهات، كما تدل أيضاً على أن الحاجة ما زالت موجودة لتعيين الوافدين في بعض التخصصات والخبرات نظراً للنقص في العنصر الكويتي في هذه التخصصات رغم كثرة عدد الكويتيين الذين توظفوا في الجهات الحكومية خلال عام 2019 (أكثر من عشرين ألف كويتي).

وقد يقول قائل إن وظائف الوافدين المبينة أعلاه رغم قلة عددها فإن الكويتي أولى بها، وهذا صحيح، فالكويتي هو الأولى ولا خلاف في ذلك، إذا توافر التخصص المطلوب مثل المهن الطبية أو تدريس المواد العلمية أو غيرها، ولكن هناك أيضاً الحاجة إلى الوظائف الدنيا التي يندر فيها العنصر الكويتي مثل الحرفيين والفنيين والسواقين والمراسلين والطباعين والفراشين، التي يشغلها غير الحاصلين على الشهادات، حيث تشير الأعداد إلى أن عدد الوافدين في جميع هذه الجهات (الحكومة والهيئات المستقلة والملحقة) هو (96757) منهم (55) ألف جامعي و(40) ألف غير جامعي، أي أن نصف أعداد الوافدين تقريبا من غير المتعلمين ويعملون في الوظائف البسيطة، فمثلاً في مجلس الأمة (521) كويتيا و(198) وافدا، منهم (24) مستشارا فقط، والباقي هم من هذه الوظائف التي نتحدث عنها وقد يصعب الإحلال فيها.

والنتائج التي نتوصل إليها من هذا العرض هي:

1. أن الغالبية العظمى من الوظائف الحكومية مشغولة من الكويتيين.

2. أن لدينا مهناً كثيرة ووظائف مهمة لا يوجد العدد الكافي من الكويتيين لشغلها مثل الصحة والتعليم وبعض المهن الفنية، وعلى الحكومة والمجلس أن يعمدا إلى إصلاح التعليم والبعثات وربطها مع حاجة الوزارات من هذه المهن.

3. هناك وظائف يصعب حالياً وفي المستقبل القريب شغلها بالكويتيين وهي الوظائف الدنيا.

4. أن الوظائف التي يمكن الإحلال فيها بقرارات فورية هي وظائف قليلة العدد مثل الإداريين والمهندسين والقانونيين، ولن يؤدي إحلالها بقرارات إدارية فورية إلى تعديل ملموس في نسب التركيبة السكانية.

5. لا بد للكويت من الإحلال في الوظائف التي يتوافر لها الخريجون من المواطنين حالياً بعد تدريبهم وتأهيلهم.

6. الوظائف المهمة التي تعاني النقص من العنصر الكويتي فلابد من ربطها بالتعليم والتدريب والبعثات، كما يجب تشجيع الكويتيين على أعمال إمامة المساجد والمؤذنين وأعمال الصيانة والتشغيل الفنية والأعمال المهنية والسكرتارية التنفيذية، وتدريس المواد العلمية والمهن الطبية المساندة مع تزويدها بالحوافز المناسبة حتى يتحقق الإحلال الشامل.

والآن نأتي إلى موضوع الرواتب، فهل صحيح أن رواتب الوافدين تفوق رواتب الكويتيين؟

وللإجابة عن هذا السؤال نرجع إلى تقرير الشال المنشور في 19 أبريل الماضي، حيث جاء فيه أن معدل الأجر الشهري للذكور الكويتيين في القطاع الحكومي نحو 1823 ديناراً، وللإناث هو 1278 ديناراً، أما بالنسبة إلى غير الكويتيين في القطاع الحكومي فيبلغ المعدل الشهري للرجال نحو737 ديناراً وللإناث نحو 672 ديناراً... إذاً فرواتب الجنسين من الكويتيين في الحكومة تفوق كثيراً رواتب الجنسين من الوافدين.

والآن نأتي إلى الجزء الأكبر من المشكلة وهي نسبة الكويتيين في القطاع الخاص، إذ يعمل حالياً في هذا القطاع (73) ألف كويتي و(مليون و633) ألف وافد، (لا يشمل هذا العدد العمالة المنزلية).

وعلى هذه الأعداد في القطاع الخاص ترد الملاحظات التالية:

1. الملاحظة الأولى هي أن نسبة الكويتيين في هذا القطاع متدنية جداً، فهي أقل نسبة في العالم، حيث تبلغ (4%).

2. الملاحظة الثانية هي أن عدد الكويتيين في هذا القطاع رغم انخفاضه فإنه غير حقيقي، إذ تعمد بعض الجهات الخاصة إلى التعيين الصوري لرفع نسبة الكويتيين لتتوافق مع القرارات الحكومية وفقاً للقانون 19/ 2000.

3. الملاحظة الثالثة أن معظم العاملين في هذا القطاع من العمالة الفنية والحرفية المتوسطة والدنيا مثل الصناعة والصيد والزراعة وباعة المحلات والمعارض والكراجات والبسطات وأعمال البناء الصيانة والمراسلين والمندوبين، وكلها من المهن التي لا يقبلها الكويتي حاليا، وقليلة هي المهن الإدارية والفنية الموجودة التي يقبل بها الكويتي.

4. الملاحظة الرابعة هي أن رواتب هذا القطاع أقل من الرواتب الحكومية مما اضطرنا في مجلس 99 إلى إقرار القانون 19 السابق ذكره لدعم رواتب الكويتيين في هذا القطاع بصرف العلاوة الاجتماعية وعلاوة الأولاد من الحكومة، ثم أضيفت لها علاوة الغلاء، كما أضيفت علاوات خاصة أيضا بعد ذلك.

5. الملاحظة الخامسة هي أن العمل في القطاع الخاص أقل استقراراً وأطول دواماً وأكثر التزاماً بالعمل والنتائج من العمل الحكومي.

6. أخيراً فإن القطاع الخاص كثيراً ما يرفض تعيين الكويتيين نظراً لارتفاع رواتبهم مقارنة برواتب الوافدين.

7. لذلك فإن زيادة الكويتيين في هذا القطاع تعتبر من الصعوبات التي تحتاج إلى قرارات غير شعبية وتواجه بمعارضة كبيرة.

وكلنا تابعنا موضوع تكويت الصيدليات في الجمعيات التعاونية، حيث قوبل القانون الذي أصدره المجلس الماضي بمقاومة شديدة من بعض نواب المجلس الحالي والتجار ومن الجمعيات التعاونية نفسها، حتى وصل الأمر إلى إيقاف القانون والشكوى أمام القضاء.

ومن أجل مواجهة جميع هذه الصعوبات يجب تعديل طبيعة العمل في الحكومة بحيث يكون أكثر إنتاجاً وانضباطا، مع الأخذ بسياسة الثواب والعقاب، بالإضافة إلى ضرورة إقرار قانون البديل الاستراتيجي.

وفي المقابل من الضروري توسيع نطاق أعمال القطاع الخاص لتشمل كل أنواع الأعمال التجارية والمالية والترفيهية وتوفير الأراضي والموانئ وتسخير كل الإمكانات له، وإزالة العقبات من أمامة، بشرط تعيين المزيد من المواطنين، مع ربط كل الدعومات مثل دعم الأراضي والكهرباء والماء والوقود التي تقدم للقطاع الخاص بنسب تعيين الكويتيين كما جاء في القانون 19 نفسه، وتحميل جميع تكاليف الخدمات التي تقدمها الدولة للوافدين للكفيل، كما لابد من محاربة تجار الإقامات ومنع هذه التجارة المقيتة إلى الأبد.

ومع إقرارنا أن هذه الإجراءات قد تؤدي إلى غلاء بعض أسعار الخدمات والسلع التي يقدمها القطاع الخاص ولكن هذا أمر لابد منه على أن تؤخذ القرارات المناسبة بشكل تدريجي.

وأخيراً فإن الداعي إلى كتابة هذا المقال بكل ما جاء فيه من أرقام صريحة هو رغبتي الشديدة في ترشيد الحوار الدائر بين الكويتيين في هذا الموضوع المهم للتوصل إلى قرارات أفضل بالنسبة إلى سياسة الإحلال، وتحويل الحوار الذي يدور الآن إلى الأسلوب العلمي الذي يوصل إلى النتيجة المطلوبة لصالح البلد بدلاً من الأساليب التي تصطدم بنا في طريق مسدود.

back to top