جارية تناظر العلماء في بلاط هارون الرشيد (25- 30)

تودد تنقذ سيدها أبو الحسن وتعيد إليه ثروته

نشر في 22-05-2020
آخر تحديث 22-05-2020 | 00:02
جارية تناظر العلماء في بلاط هارون الرشيد
جارية تناظر العلماء في بلاط هارون الرشيد
توقفت شهرزاد في الحلقة السابقة عند حكاية الملك وردخان، وعودته إلى صواب الحكم على يد ابن الوزير شماس، وتنتقل في هذه الحلقة إلى حكاية أخرى من حكايات الليالي العربية، وهي حكاية الجارية «تودد»، مع أبي الحسن الفتى الذي أضاع ثروة والده على النساء والمحظيات، ولم يتبق له إلا تلك الجارية «تودد»، التي امتلكت العلم والمعرفة والحكمة، فأنقذته من محنته، وطلبت بيعها للخليفة هارون الرشيد ومناظرة العلماء في أمور الدين والدنيا.
ولما كانت الليلة الخامسة بعد الستمئة قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أنه كان ببغداد رجل ذو مقدار، وكان موسراً بالمال والعقار، وهو من التجار الكبار، وقد سهلت عليه دنياه ولم يبلغه من الذرية ما يتمناه، ومضت عليه مدة من الزمان ولم يرزق بأناث ولا ذكور، فكبر سنه ورقّ عظمه وانحنى ظهره وكثر وهنه وهمه.

فخاف ذهاب ماله ونسبه إذ لم يكن له ولد يرثه ويذكر به، فتضرع إلى الله تعالى وصام النهار، وقام الليل، وأكثر التضرع إلى الله تعالى فاستجاب الله له وقبل دعاءه ورحم تضرعه وشكواه فما كان إلا قليل من الأيام ورزق بذكر كأنه فلقة قمر، فشكر الله عز وجل وقام الرجل بتوزيع المال والملابس على الأرامل والأيتام، وليلة سابع الولادة سماه بأبي الحسن فرضعته المراضع وحضنته الحواضن وحملته المماليك والخدم حتى كبر ونشأ وترعرع وانتشى، وتعلم القرآن العظيم وفرائض الإسلام وأمور الدين القويم والخط والشعر والحساب والرمي بالنشاب.

لسان فصيح

فكان فريد دهره وأحسن أهل زمانه وعصره، ذا وجه مليح ولسان فصيح، يتهادى تمايلاً واعتدالاً ويترامى تدللاً واختيالاً بخد أحمر وجبين أزهر وعذار أخضر، كما قال فيه بعض واصفيه:

بدا الربيع العذار للـحـدق

والورد بعد الربيع كيف بقي

أما ترى النبت فوق عارضه

بنفسجاً طالعاً مـن الـورق

فأقام مع أبيه برهة من الزمن في أحسن حال، وأبوه به فرح وسرور إلى أن بلغ مبالغ الرجال فأجلسه أبوه بين يديه يوماً من الأيام وقال له: يا ولدي قد قرب الأجل، وحانت وفاتي ولم يبق غير لقاء الله عزوجل، وقد خلفت لك ما يكفيك إلى ولد الولد من المال المتين والضياع والأملاك والبساتين فاتق الله تعالى يا ولدي فيما خلفته لك ولا تمتع من رفدك.

فلم يكن إلا قليل حتى مرض الرجل ومات فجهزه ولده أحسن تجهيز ودفنه ورجع إلى منزله وقعد للعزاء أياماً وليالي وإذا بأصحابه قد دخلوا عليه وقالوا له: من خلف مثلك ما مات، وكل ما فات فقد فات وما يصلح العزاء إلا للبنات والنساء المخدرات ولم يزالوا به حتى دخل الحمام ودخلوا عليه وفكوا حزنه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وصية الأب

وفي الليلة السادسة بعد الستمئة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن أبا الحسن لما دخل عليه أصحابه الحمام وفكوا حزنه، نسي وصية أبيه وذهل لكثرة المال وظن أن الدهر يبقى معه على حال، وأن المال ليس له زوال فأكل وشرب ولذ وطرب وخلع ووهب وجاد بالذهب ولازم أكل الدجاج وفض ختم الزجاج وقهقهة القناني واستماع الأغاني، ولم يزل على هذا الحال إلى أن نفذ المال وقعد الحال وذهب ما كان لديه وسقط في يديه.

الجارية الجميلة

لم يبق لأبي الحسن بعد أن أتلف ما أتلف غير وصيفة خلفها له والده من جملة ما خلف وكانت الوصيفة هذه ليس لها نظير في الحسن والجمال والبهاء والكمال والقد والاعتدال وهي ذات فنون وآداب وفضائل تستطاب قد فاقت أهل عصرها وأوانها، وصارت أشهر من علم في افتتانها وزادت على الملاح بالعلم والعمل، ولها عيون الغزلان وأنف كخد الحسام، وخد كشقائق النعمان، وفم كخاتم سليمان وأسنان كأنها عقود الجمان، وسرة تسع أوقية دهن بان، وخصر أنحل من جسم من أضناه الهوى وأسقمه الكتمان، وبالجملة فهي في الحسن والجمال جديرة بقول من قال:

إن أقبلت بحسـن قـوامـهـا

أو أدبرت قتلت بصد فراقهـا

شمسية بـدرية غـصـنـية

ليس الجفا والبعد من أخلاقها

جنات عدن تحت جيب قميصها

والبدر في فلك على أطواقها

تسلب من يراها بحسن جمالها وبريق ابتسامتها وترميه بعيونا نبل سهامها وهي مع هذا كله فصيحة الكلام حسنة النظام فلما نفذ جميع ماله وتبين سوء حاله ولم يبق معه غير هذه الجارية أقام ثلاثة أيام، وهو لم يذق الطعام ولم يسترح في المنام، فقالت له الجارية: يا سيدي احملني إلى أمير المؤمنين هارون الرشيد.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة السابعة بعد الستمئة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية قالت لسيدها: يا سيدي إحملني إلى أمير المؤمنين هارون الرشيد واطلب ثمني منه عشرة آلاف دينار فإن استغلاني فقل له: يا أمير المؤمنين وصيفتي تساوي أكثر من ذلك فاختبرها يعظم قدرها في عينك لأن هذه الجارية ليس لها نظير ولا تصلح إلا لمثلك.

ثم قالت له: إياك أن تبيعني بدون ما قلت لك من الثمن فإنه قليل في مثلي وكان سيد الجارية لا يعلم قدرها ولا يعرف أنها ليس لها نظير في زمانها. ثم أنه حملها إلى أمير المؤمنين هارون الرشيد وقدمها له وذكر ما قالت، فقال لها الخليفة: ما اسمك؟

قالت: اسمي تودد قال: يا تودد ما تحسنين من العلوم؟

قالت: يا سيدي إني أعرف النحو والشعر والفقه والتفسير واللغة وأعرف فن الموسيقى وعلم الفرائض والحساب والقسمة والمساحة وأساطير الأولين، وأعرف القرآن العظيم وأعرف عدد سوره وآياته وأجزابه وأنصافه وأرباعه وأثمانه وأعشاره وسجداته وعدد أحرفه وأعرف ما فيه من الناسخ والمنسوخ والمدنية والمكية، كما أني أعرف أسباب التنزيل وأعرف الحديث الشريف دراية ورواية المسند منه والمرسل ونظرت في علوم الرياضة والهندسة والفلسفة وعلم الحكمة والمنطق والمعاني والبيان وحفظت كثيراً من العلم وتعلقت بالشعر وضربت العود، وعرفت مواضع النغم فيه ومواقع حركات أوتاره فإن غنيت ورقصت فتنت وإن تزينت وتطيبت قتلت وبالجملة فإني وصلت إلى شيء لم يعرفه إلا الراسخون في العلم.

إبراهيم النظام

فلما سمع الخليفة هارون الرشيد كلامها على صغر سنها تعجب من فصاحة لسانها والتفت إلى مولاها وقال: إني أحضر من يناظرها في جميع ما ادعته فإن أجابت دفعت لك ثمنها وزيادة وإن لم تجب فأنت أولى بها فقال مولاها: يا أمير المؤمنين حباً وكرامة، فكتب أمير المؤمنين إلى عامل البصرة بأن يرسل إليه إبراهيم بن سيار النظام وكان أعظم أهل زمانه في الحجة والبلاغة والشعر والمنطق وأمره أن يحضر القراء والعلماء والأطباء والمنجمين والحكماء والمهندسين والفلاسفة، وكان إبراهيم أعلم من الجميع فما كان إلا قليل حتى حضروا دار الخلافة وهم لا يعلمون الخبر فدعاهم أمير المؤمنين إلى مجلسه وأمرهم بالجلوس، فجلسوا ثم أمر أن تحضر الجارية تودد فحضرت وأظهرت نفسها وهي كأنها كوكب دري فوضع لها كرسياً من ذهب فسلمت، ونطقت بفصاحة لسان وقالت: يا أمير المؤمنين مر من حضر من العلماء والقراء والأطباء والمنجمين والحكماء والمهندسين والفلاسفة أن يناظروني.

فقال لهم أمير المؤمنين: أريد منكم أن تناظروا هذه الجارية في أمر دينها وأن تدحضوا حجتها في كل ما ادعته فقالوا: السمع والطاعة لله ولك يا أمير المؤمنين.

إعجاب الخليفة

فعند ذلك أطرقت الجارية برأسها إلى الأرض وقالت: أيكم الفقيه العالم المقري المحدث؟ فقال أحدهم: أنا ذلك الرجل الذي طلبت فقالت له: اسأل عما شئت قال لها: أنت قرأت كتاب الله العزيز وعرفت ناسخه ومنسوخه وتدبرت آياته وحروفه قالت: نعم فقال لها: أسألك عن الفرائض الواجبة والسنن القائمة فأخبريني أيتها الجارية عن ذلك ومن ربك ومن إمامك وما قبلتك وإخوانك وما طريقك وما منهاجك؟ قالت: الله ربي ومحمد صلى الله عليه وسلم نبيي والقرآن إمامي والكعبة قبلتي والمؤمنون أخواني والخير طريقي والسنة منهاجي. فتعجب الخليفة من قولها ومن فصاحة لسانها على صغر سنها، ثم قال لها: أيتها الجارية أخبريني بما عرفت الله تعالى؟ قالت: بالعقل، قال: وما العقل؟

قالت: العقل عقلان عقل موهوب وعقل مكسوب. فالعقل الموهوب هو الذي خلقه الله عز وجل يهدي به من يشاء من عباده، والعقل المكسوب هو الذي يكسبه المرء بتأدبه وحسن معروفه.

فقال لها: أحسنت ثم قال: أين يكون العقل؟

قالت: يقذفه الله في القلب فيصعد شعاعه في الدماغ حتى يستقر قال: أحسنت فأخبريني ما شعائر الإيمان؟

قالت: شعائر الإيمان الصلاة والزكاة والصوم والحج واجتناب الحرام.

وقال: أخبريني بأي شيء تقومين إلى الصلاة؟

قالت: بنية العبودية مقرة بالربوبية قال: فأخبريني كم فرض الله عليك قبل قيامك إلى الصلاة؟

قالت: الطهارة، وستر العورة، واجتناب الثياب المتنجسة، والوقوف على مكان طاهر، والتوجه للقبلة، والنية، وتكبيرة الإحرام.

قال: أخبريني بم تخرجين من بيتك إلى الصلاة؟

قالت: بنية العبادة.

قال: فبأي نية تدخلين المسجد؟

قالت: بنية الخدمة قال: فبماذا تستقبلين القبلة؟ قالت: بثلاث فرائض وسنة، قال: أحسنت فأخبريني ما مبدأ الصلاة وما تحليلها وما تحريمها؟ قالت: مبدأ الصلاة الطهور وتحريمها تحريمة تكبيرة الإحرام وتحليل السلام من الصلاة، قال: فماذا يجب على من تركها؟

قالت: روي في الصحيح من ترك الصلاة عامداً متعمداً من غير عذر فلا حظ له في الإسلام. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

الذهب والفضة

قال: أحسنت فأخبريني فبماذا تجب الزكاة؟ قالت: تجب في الذهب والفضة والإبل والبقر والغنم والحنطة والشعير والدخن والذرة والفول والحمص والأرز والزبيب والتمر، قال: أحسنت فأخبريني في كم تجب الزكاة في الذهب؟ قالت: لا زكاة فيما دون عشرين مثقالاً فإذا بلغت العشرين ففيها نصف مثقال وما زاد فبحسابه، قال: فأخبريني في كم يجب الزكاة في الإبل؟ قالت: في كل خمس شاة إلى خمس وعشرين فيها بنت مخاض، قال: أحسنت، فأخبريني في كم تجب الزكاة في الورق قال: ليس فيما دون مائتي درهم فإذا بلغت المائتين فيها خمسة دراهم وان زاد فبحسابه، قال: أحسنت فأخبريني في كم تجب الزكاة في الشاة؟ قالت: إذا بلغت أربعين فيها شاة قال: أحسنت.

صلاة العيد

قال فأخبريني عن الصوم وفرضه قالت: أما فروض الصوم فالنية والإمساك عن الأكل والشرب والجماع وتعم القيء وهو واجب على كل مكلف خال عن الحيض والنفاس ويجب رؤية الهلال أو بإخبار عدل يقع في قلب المخبر صدقه، ومن واجباته تثبيت النية، وأما سننه فتعجيل الفطور وتأخير السحور وترك الكلام إلا في الخير والذكر وتلاوة القرآن قال: أحسنت فأخبريني عن شيء لا يفسد الصوم قالت: الاكتحال وغبار الطريق والاحتلام هذا كله لا يفسد الصوم. قال: أحسنت فأخبريني عن صلاة العيدين قالت: ركعتان وهما سنة من غير آذان وإقامة. قال لها: أحسنت فأخبريني عن صلاة كسوف الشمس وخسوف القمر قالت: ركعتان بغير آذان ولا إقامة يأتي ركعة بقيامين وركوعين وسجودين ويجلس وينشد ويسلم ثم يخطب ويستغفر الله تعالى مكان التكبير في خطبتي العيدين ويحول رداءه بأن يجعل أعلاه أسفله ويدعو ويتضرع.

قال: أحسنت فأخبريني عن صلاة الوتر قالت: الوتر أقله ركعة واحدة وأكثره إحدى عشر ركعة قال: أحسنت فأخبريني عن صلاة الضحى قالت: أقلها ركعتان وأكثرها اثنتي عشر ركعة قال: أحسنت فأخبريني عن الاعتكاف قالت: هو سنة قال: فما شروطه؟ قالت: النية وأن لا تخرج من المسجد إلا لحاجة ولا يباشر النساء وأن يصوم ويترك الكلام.

حيلة الفقيه

فلما سمع الفقيه كلامها وعرف أنها ذكية فطنة حاذقة عالمة بالفقه والحديث والتفسير وغير ذلك قال في نفسه: لا بد أن أتحال عليها حتى أغلبها في مجلس أمير المؤمنين فقال لها: يا جارية ما معنى الوضوء في اللغة؟ قالت: الوضوء في اللغة النظافة والخلوص من الأدناس قال: فما معنى الصلاة في اللغة؟ قالت: الدعاء بخير قال: فما معنى الغسل في اللغة؟ قالت: التطهير قال: فما معنى الصوم في اللغة؟ قالت: الإمساك قال: فما معنى الزكاة في اللغة؟ قالت: الزيادة قال: فما معنى الحج في اللغة؟ قالت: القصد قال: فما معنى الجهاد في اللغة؟ قالت: الدفاع، فانقطعت حجة الفقيه.

وقام على قدميه وقال: أشهد الله يا أمير المؤمنين بأن الجارية أعلم مني في الفقه فقالت له الجارية: أسألك عن شي فآتني جوابه سريعاً إن كنت عارفاً قال: اسألي قالت: ما سهام الدين؟ قال: هي عشرة: الأولى الشهادة وهي الملة، الثاني الصلاة وهي الفطرة، الثالث الزكاة وهي الطهارة، الرابع الصوم وهي الجنة، الخامس الحج وهي الشريعة، السادس الجهاد وهي الكفاية، السابع والثامن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهما الغيرة، التاسع الجماعة وهي الألفة، العاشر طلب العلم وهي الطريق الجيدة.

صدق العقد

قالت: أحسنت وقد بقيت عليك مسألة فما أصول الإسلام؟ قال: هي أربعة: صحة العقد، وصدق العقد، وحفظ الحد، والوفاء بالعهد.

قالت: بقيت مسألة أخرى فإن أجبت وإلا أخذت ثيابك قال: قولي يا جارية قالت: فما فروع الإسلام؟ فسكت ولم يجب بشيء فقالت: انزع ثيابك وأنا أفسرها لك قال أمير المؤمنين: فسريها وأنا أنزع لك ما عليه من الثياب قالت: اثني وعشرون فرعاً التمسك بكتاب الله والاقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم وكف الأذى وأكل الحلال واجتناب الحرام ورد المظالم إلى أهلها والتوبة والفقه في الدين وحب الجليل واتباع التنزيل والتأهب للرحيل وقوة اليقين والعفو عند المقدرة والقوة عند الضعف والصبر عند المصيبة ومعرفة الله تعالى ومعرفة ما جاء به نبيه صلى الله عليه وسلم ومخالفة اللعين إبليس ومجاهدة النفس ومخالفتها والإخلاص لله.

فلما سمع أمير المؤمنين ذلك منها أمر أن تنزع ثياب الفقيه وطيلسانه فنزعهما ذلك الفقيه وخرج مقهوراً منها خجلاً من بين يدي أمير المؤمنين. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

فروض وآداب

وفي الليلة الثامنة بعد الستمئة قالت: قام الفقيه الثاني وقال: يا جارية اسمعي مني مسائل قليلة قالت له: قل، قال: فما شرط صحة المسلم؟ قالت: القدر المعلوم والجنس المعلوم والأجل المعلوم، قال: أحسنت فما فروض الأكل وسننه؟ قالت: فروض الأكل الاعتراف بان الله تعالى رزقه وأطعمه وسقاه والشكر لله تعالى على ذلك، قال: فما الشكر؟ قالت: صرف العبد لجميع ما أنعم الله به عليه فيما خلق لأجله قال: فما سنن الأكل؟ قالت: التسمية وغسل اليدين والجلوس على الورك الأيسر والأكل بثلاث أصابع والكل مما لك قال: أحسنت فأخبريني ما آداب الأكل؟ قالت: أن تصغر اللقمة وتقل النظر إلى جليسك قال: أحسنت. فأخبريني عن عقائد القلب وأضدادها قالت: هن ثلاث وأضدادها ثلاث: الأولى اعتقاد الإيمان وضدها مجانية الكفر، والثانية اعتقاد السنة وضدها مجانية البدعة، والثالثة اعتقاد الطاعة وضدها مجانية المعصية، قال: أحسنت فأخبريني عن شروط الوضوء قالت: الإسلام والتميز وطهور الماء وعدم المانع الحسن وعدم المانع الشرعي.

قلب مشروح بالنور والإيمان

استمر الفقيه في توجيه الأسئلة للجارية، وقال: أخبريني عن الإيمان قالت: الإيمان هو أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وتؤمن بالقضاء والقدر خيره وشره وحلوه ومره. قال: أحسنت فأخبريني عن ثلاث تمنع ثلاثاً، قالت: نعم. روي عن سفيان الثوري أنه قال: ثلاث تذهب ثلاثاً: الاستخفاف بالصالحين يذهب الآخرة، والاستخفاف بالملوك يذهب الروح، والاستخفاف بالنفقة يذهب المال، قال: أحسنت فأخبريني عن مفاتيح السموات وكم لها من باب؟ قالت: قال الله تعالى: وفتحت السماء فكانت أبواباً. وقال عليه الصلاة والسلام: وليس يعلم عدة أبواب السماء إلا الذي خلق السماء وما من أحد من بني آدم إلا وله بابان في السماء باب ينزل منه رزقه وباب يصعد منه عمله ولا يغلق باب رزقه حتى ينقطع أجله ولا يغلق باب عمله حتى تصعد روحه.

قال: أحسنت فأخبريني عن شيء وعن نصف شيء وعن لا شيء؟ قالت: الشيء هو المؤمن ونصف الشيء هو المنافق وأن لا شيء هو الكافر قال: أحسنت فأخبريني عن القلوب قالت: قلب سليم وقلب سقيم وقلب منيب وقلب نذير وقلب منير، فالقلب السليم هو قلب الخليل والقلب السقيم هو قلب الكافر والقلب المنيب هو قلب المتقين الخائفين والقلب النذير هو قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والقلب المنير هو قلب من يتبعه وقلوب العلماء ثلاثة: قلب متعلق بالدنيا وقلب متعلق بالآخرة وقلب متعلق بمولاه وقيل: إن القلوب ثلاثة: قلب معلق وهو قلب الكافر، وقلب معدوم وهو قلب المنافق، وقلب ثابت وهو قلب المؤمن، وقيل هي ثلاثة: قلب مشروح بالنور والإيمان وقلب مجروح من خوف الهجران، وقلب خائف من الخذلان، قال: أحسنت. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وإلى اللقاء في حلقة الغد

الأمير يطلب إبراهيم بن سيار النظام وبعض المفكرين والفلاسفة إلى مجلسه

الجارية تطلب من الخليفة مناظرة العلماء فى علوم الأديان والأبدان

«تودد» الجميلة تتفوق على الفقيه وتجبره على خلع ثيابه

الرشيد استحسن حديث الجارية الجميل وأعجب بفصاحتها ودقتها

الفقيه خرج مقهوراً مخجلاً من مجلس هارون الرشيد
back to top