الطبيعة هي أفضل مضاد للفيروسات

نشر في 18-05-2020
آخر تحديث 18-05-2020 | 00:00
أثبتت العديد من البلدان بالفعل كيف يمكننا بناء روابط أقوى بين الطبيعة واقتصادنا وصحتنا، وتعطي مبادرة سيشيل الأخيرة لحماية المناطق البحرية، الأمل في أنه إذا قامت كل دولة، مهما كانت صغيرة، بدورها، فإن الكوكب يمكن أن يكون أكثر أمانا وازدهارا لنا جميعا.
 بروجيكت سنديكيت أعلنت سيشيل، وهي سلسلة مكونة من 115 جزيرة صخرية خضراء في المحيط الهندي، مؤخرا– في خضم تفشي وباء فيروس كورونا- أنها ستحمي 30 في المئة من مياهها الفيروزية المتلألئة من الاستخدام التجاري.

إن حماية حوالي 410000 كيلومتر مربع (158000 ميل مربع) من البحر سيُفيد الحياة البرية في البر والبحر، بما في ذلك 100000 سلحفاة عملاقة، وبعض آخر الشعاب المرجانية الحديثة العهد في العالم، ولكن إلى جانب مساعدة مثل هذه الأنواع، سيعزز إنشاء المناطق البحرية المحمية الجديدة- التي أصبحت ممكنة من خلال صفقة مبتكرة لتبادل الديون- صحة سكان جزر سيشيل، ورفاهيتهم، وازدهارهم أيضا، ويبلغ عدد سكان سيشيل 100000 نسمة، ولكنهم يقدمون خدمات لأكثر من 350.000 زائر كل عام.

ونظرا لكون البلاد تستضيف حاليا عددا قليلا من سياح تقطعت بهم السبل بسبب الوباء، فإنها تعيش على وقع إجراءات إغلاق تهدف إلى منع المزيد من انتشار الفيروس، وإن قرار الرئيس، داني فوري، بالمضي قدما في جهود الحماية هذه، حتى في الوقت الذي تتعامل فيه بلاده مع حالة الطوارئ في مجال الصحة العامة، تذكير قوي بأهمية الطبيعة للرفاهية الجسدي والاقتصادية للناس لا في سيشيل فقط.

وستستمر العواقب البشرية، والاقتصادية، والاجتماعية لانتشار فيروس كورونا العالمي السريع، والمدمّر لسنوات قادمة، ومع استمرار تفشي الوباء، فإن الأولوية الأكثر إلحاحا هي دعم المتضررين مباشرة من الفيروس ومن المصاعب المرتبطة به.

ولكن هذا الوباء قدم لنا أيضا دليلاً غير مسبوق ومقنع على مدى ارتباط مصيرنا بصحة العالم الطبيعي، والآن، علاقتنا مع الطبيعة مقطوعة، لقد أزلنا الغابات، وأرهقنا المراعي، وشيدنا الموانئ والطرق، ووسعنا مدننا بوتيرة سريعة، ودمرنا عددا لا يحصى من الموائل الطبيعية، وفي الوقت نفسه نتاجر بالحياة البرية على مستوى العالم، وننقل الأنواع الشائعة والمهددة بالانقراض على حد سواء، في جميع أنحاء العالم كما لو كانت سلعا جامدة.

إن كل هذا يجعلنا على اتصال أوثق وأكثر تكرارا بالفيروسات، التي يمكن أن تنتقل من الحيوانات إلى البشر، بما في ذلك «كوفيد- 19»، وعشرات الأمراض الأخرى الفتاكة والموهنة، بما فيها فيروس نقص المناعة البشرية وإيبولا، وكذلك، فإن تدهور النظم البيئية البحرية لدينا، يسبب ازدهار مسببات الأمراض التي يمكن أن تسبب أمراضا مميتة مثل الكوليرا.

والخبر السار هو أن القادة السياسيين البعيدي النظر، والأمم المتحدة، يصوغون بالفعل خطط عمل تركز على الطبيعة، ويمكن أن تساعد في وقف الوباء المقبل قبل أن يبدأ، وتشمل هذه الاستراتيجيات الحفاظ على النظم البيئية والبرية التي لم تتأثر بالنشاط البشري، والتضييق على تجارة الحياة البرية (بطرق تشمل تثقيف الناس حول مخاطر استهلاك الحياة البرية)، واستعادة مناطق كبيرة من الأرض والمحيطات، وحمايتها.

ويحمي العالم بالفعل 15 في المئة من أراضيه، و7 في المئة من المحيطات، ولكن، من أجل صحتنا وازدهارنا، يجب أن نفعل المزيد، ففي الواقع تتفق الدول على نحو متزايد على أننا بحاجة إلى إعادة نصف كوكب الأرض إلى الطبيعة، واستخدام النصف الآخر بمسؤولية، وأنه يجب أن نبدأ بحماية 30 في المئة منه على الأقل، بحلول عام 2030.

وسيستفيد من ذلك الطبيعة والناس معا، إذ تظهر الأبحاث أن الحيوانات، والنباتات، والحشرات، والميكروبات الوفيرة التي تعيش في النظم البيئية المعقدة والناضجة يمكن أن تحد من انتقال الأمراض من الحيوانات إلى البشر.

ولكن فوائد الأماكن الطبيعية تتجاوز مجرد توفير شبكة أمان ضد المرض، فهي تحمينا من القوة التدميرية للطقس المتطرف، وتحمينا من التلوث الذي نسببه بأنفسنا، وتزودنا بالغذاء، والدواء، وفرص الترفيه.

إن سكان سيشيل يعتمدون على البر والبحر في دخولهم وطعامهم، إذ يُشغل قطاع صيد الأسماك 17 في المئة من القوى العاملة في البلد، ويوفر للسكان مصدرا مستداما ومنخفض التكلفة للبروتين، وتشغل السياحة، التي ترتكز على السواحل في سيشيل، والتي تتغذى على الجمال الطبيعي الذي تتمتع به البلاد برا وبحرا، حوالي 25 في المئة.

إن حماية 30 في المئة من مياه البلاد ستنهي الأنشطة الضارة داخل المناطق المحمية بالكامل، مع تعزيز الصيد المستدام حولها، ويمكن أن يساعد الحفاظ على نقاوة الأماكن الطبيعية في البلاد- بما في ذلك البحار، وغابات المنغروف، وأحواض الأعشاب البحرية، والمستنقعات المالحة- في ضمان بقاء سيشيل الجنة الطبيعية التي تجذب الزوار الذين لديهم إحساس بالمسؤولية.

وعندما يتجاوز الوباء مرحلته الأسوأ، ويشرع العالم في العمل بجد، عن طريق رعاية شعبه ومجتمعاته واقتصاداته حتى يتعافوا، يجب ألا نتجاهل الحاجة إلى رعاية الطبيعة، والسماح لها برعايتنا. إن البيئة الصحية هي أفضل مضاد للفيروسات لدينا، وستساعدنا حماية المزيد منها في الشفاء من هذا الوباء، ومنع الوباء القادم من التفشي.

لقد أثبتت العديد من البلدان بالفعل كيف يمكننا بناء روابط أقوى بين الطبيعة واقتصادنا وصحتنا، وتعطي مبادرة سيشيل الأخيرة لحماية المناطق البحرية، الأمل في أنه إذا قامت كل دولة، مهما كانت صغيرة، بدورها، فإن الكوكب يمكن أن يكون أكثر أمانا وازدهارا لنا جميعا، تماما كما تعد بذلك الطبيعة.

* إنريك سالا

* مستكشف مقيم في الجمعية الجغرافية الوطنية.

«بروجيكت سنديكيت، 2020» بالاتفاق مع «الجريدة»

القادة السياسيون البعيدو النظر والأمم المتحدة يصوغون بالفعل خطط عمل تركز على الطبيعة
back to top