نجاة الصغيرة... صوت الحب (6-15)

مكالمة هاتفية من بليغ حمدي تنهي أزمة «العيون السود»

نشر في 18-05-2020
آخر تحديث 18-05-2020 | 00:01
اشتعلت المنافسة بين المطربة نجاة ومغنيات جيلها، وتباعدت أصداء سنوات الطفولة، وتجربة زواجها الأول، وكرَّست حياتها الخاصة لطفلها وليد، حتى خفق قلبها في «شاطئ المرح» وتزوجت المخرج حسام الدين مصطفى، واكتنف الغموض أسباب انفصالهما بعد فترة قصيرة، وتلقت أول إنذار على يد محضر من منتج سينمائي، وتوالت المفاجآت في رحلة «صوت الحب» إلى القمة.
منذ احترافها الغناء، كوّنت نجاة «دويتوهات فنية» مع شعراء وملحنين، وأشهر ما شدت به كان من كلمات نزار قباني، وكامل الشناوي، وبيرم التونسي، وحسين السيد ومأمون الشناوي، ومرسي جميل عزيز، وعبدالرحيم منصور، وسيد حجاب، وعبدالرحمن الأبنودي، وألحان مكتشفها الموسيقار محمد عبدالوهاب، ومحمد الموجي، وكمال الطويل، والأخوين رحباني، ومحمود الشريف، وهاني شنودة، وصلاح الشرنوبي وغيرهم.

وكان الموسيقار بليغ حمدي أحد أهم الملحنين المصريين في مشوار نجاة، وساهم بشكل خاص في تخليد أسطورتها الغنائية، وبدأ تعاونهما بأغنية «مش هاين أودعك» كلمات مأمون الشناوي، وغنّتها للمرة الأولى في حفل أضواء المدينة عام 1962، وكان بليغ، آنذاك، شاباً يحمل موهبة كبيرة، وطموحات فنية هائلة، ويبحث عن صوت يحمل ألحانه، ووجد ضالته في المطربة الصاعدة «نجاة»، وذلك قبل أن يبدأ تعاونه مع كوكب الشرق أم كلثوم وعبدالحليم حافظ ووردة الجزائرية وغيرهم من المطربين والمطربات.

وحقق «الدويتو» نجاحاً كبيراً في الساحة الغنائية، واعتمدت نجاة على ألحان بليغ في فترة الستينيات، وأثمر تعاونهما نحو 60 أغنية، ومن أشهرها «حبك حياتي» و«الطير المسافر» و«سكة العاشقين» و«حبك الجبار» و«أنا بستناك» و«في وسط الطريق» و«ليلة من الليالي» وغيرها، حتى تباعد اللقاء بينهما في أوائل السبعينيات، لاسيما بعد زواج «بليغ ووردة» عام 1972.

اقرأ أيضا

العيون السود

في لقاء نادر لبليغ حمدي قبل إحدى حفلات نجاة، تحدث عن ظهور موهبة الكتابة لديه على يد نجاة، وقال: «كانت عندي الموهبة، لكن عمر كلماتي ما كانت بتكمل، النهاردة مثلاً في أغنيتين هتغنيهم نجاة من تأليفي، وهما كانوا مجرد فكرة، واشتغلت عليها وسمعتها السيدة نجاة، وأُعجبت بها، وإن شاء الله الأغنيتين يعجبوا الناس”.

وافترق «الدويتو» بعد أزمة أغنية «العيون السود» في عام 1972، وكانت نجاة اتفقت مع الشاعر محمد حمزة على كتابة أغنية جديدة لها، فقدّم لها مذهب أغنية «العيون السود»، وطلبت منه أن يكملها على أن يتولى بليغ حمدي تلحينها، وفي ذلك العام توجه بليغ إلى الجزائر لتقديم لحن «من بعيد أدعوك يا أملي»، الذي ستغنيه وردة في عيد استقلال بلادها، وبعدها طلب منها العودة إلى مصر بعد انقطاع عشرة أعوام، وطغت عليه مشاعره، فأمسك بورقة وقلم وكتب: «وعملت إيه فينا السنين.. فرقتنا لا، غربتنا لا، ولا دوبت فينا الحنين، لا الزمان.. ولا المكان.. قدروا يخلوا حبنا.. ده يبقى كان”.

وقام بليغ بدندنة المقطع على العود في بيت وردة، فاغرورقت عيناها بالدموع، وقالت له: «حلوة أوي يا بليغ كمل»، فقال: «أنا كنت كاتب دول بس»، فردت: «لو كملتها هسمع كلامك وأرجع مصر أغنيها»، فأدمعت عيناه من الفرحة.

وأكمل الشاعر محمد حمزة كتابة الأغنية لتتناسب مع وردة، وكان يعلم مدى حب بليغ لها، فكتبها بلسان حاله، وعادت المطربة الجزائرية لتغنيها في أول حفل لها في القاهرة بعد العودة في نهاية عام 1972 وحققت الأغنية نجاحاً كبيراً، كما استغل المخرج حلمي رفلة نجاحها فطلب من وردة أن تغنيها في فيلم «صوت الحب».

واشتعل الخلاف بين نجاة وبليغ، وأقامت دعوى قضائية لإثبات حقها في الأغنية، وبالفعل ربحت القضية، ومنعت وردة من غنائها في مصر، وتكررت الواقعة نفسها في أغنية «حكايتي مع الزمان»، وحدثت قطيعة فنية كبيرة بين ألحان بليغ وصوت نجاة، وتدخل وسطاء لفض الاشتباك بينهما، وبادر بليغ بالتصالح من خلال مكالمة تليفونية بينهما، وعادت مرة أخرى إلى ألحانه، ومن ثم الإفراج عن «العيون السود» لتعود وردة لغنائها في حفلاتها.

واتفق النقاد على أن ألحان بليغ المفعمة بالعواطف ازدادت وهجاً وتألقاً بصوت نجاة الدافئ، وأظهرت إشراقة العاطفة التي تُجيد «صوت الحب» التعبير الرقيق عنها، وجعلها بليغ تغني باسترخاء وتُظهر رصانة وطراوة وعذوبة الأداء، فتهدج صوتها وشدا معتمداً في نجاحه على ألحان بليغ الذي فهم عناصر قوته وضعفه ورقته.

عيش معايا

كانت نجاة على موعد مع المتاعب، واقترنت أغنياتها بأزمات تثير الدهشة، وبدأت منذ أن لحن الموسيقار كمال الطويل أغنية «ليه خلتني أحبك»، من كلمات الشاعر مأمون الشناوي، وشدت بها المطربة ليلى مراد في فيلمها «الحبيب المجهول» عام 1955، وبعدها سجلها للإذاعة بصوت نجاة، وتقدمت مراد بدعوى قضائية ضد الملحن والمغنية، وفي ذروة تألق المطربة الرقيقة، تفجرت أزمة أخرى مع أغنية «عيش معايا» في عام 1975.

والقصة رواها الشاعر الراحل أحمد شفيق كامل: «قبل أن تشدو نجاة بهذه الأغنية من ألحان كمال الطويل بسنوات طويلة، كان (النص) مع الموسيقار عبدالوهاب ولحنه ليؤديه بصوته، وبالفعل كان يواصل البروفات في ماسبيرو (مبنى الإذاعة والتلفزيون المصري) مع أقرب مهندسي الصوت إليه زكريا عامر، وفي ذلك الصباح الذي أراد فيه تسجيل الأغنية بصوته، فتح باب بيته للذهاب إلى الإذاعة، فهاجمه شخص مجنون مسبباً له الكثير من الجروح والكدمات بآلة حادة، وذلك الحادث الشهير في حياة موسيقارنا الكبير، تسبب في عدم تسجيله الأغنية، ونسي ونسينا، إلى أن جاء يوم لتغنيها المطربة نجاة مسجلة الكثير من النجاح الجماهيري، وذلك من دون الكوبليه الأول فيها «فـ الربى الخضراء.. على شط الغدير تحت الخميله.. عايز أعيش وياك سنين فـ الحب.. يا حبيبي عيش معايا.. إلخ.. بينما كان الموسيقار عبدالوهاب قد لحّن النص كاملاً”.

وفي مقابلة تلفزيونية، قال الطويل إن أداء نجاة على المسرح كان دائماً موفقاً، وأنه لحَّن لها العديد من الأغنيات، منها «استناني» للشاعر مأمون الشناوي، و«لو يطول البعد» للشاعر مرسي جميل عزيز، و«قلبك راح فين» للشاعر عبدالمنعم السباعي، وكان آخر لقاء بينهما عام 2001 في قصيدة «لا تنتقد خجلي» للشاعرة سعاد الصباح، وتضمنت أبياتها دعوة للتواضع، وقيل إنها كانت مبارزة شعرية بين الصباح ونزار قباني، وتقول فيها: «لا تنتقد خجلي الشديد، فإنني بسيطة جداً.. وأنت خبيرُ، يا سيد الكلماتِ.. هَبْ لي فرصة، حتى يذاكر درسه العصفورُ».

وأُسدل الستار على تجربة نجاة والطويل برحيله عام 2003، كواحدٍ من أبرز الملحنين المجددين، والأكثر ارتباطاً بصوتها خلال نصف قرن، واستطاع أن يقنعها عام 1964 بتسجيل أغنية «الشوق والحب» للشاعر حسين السيد، بتقنية تركيب الصوت على موسيقى مسجلة، وكانت مغامرة فنية في ذلك الوقت، وقُوبلت بهجوم البعض لاعتمادها بشكل كبير على الهندسية الصوتية، ولكن الأغنية حققت نجاحاً جماهيرياً، وفتحت الباب للكثير من المطربين والمطربات للتسجيل بتلك التقنية.

رباعيات الخيام

قادت المصادفة الموسيقار رياض السنباطي إلى حنجرة المطربة نجاة الصغيرة، نهاية الخمسينيات، وقتها تألقت ألحانه وذاعت مع صوت أم كلثوم، لكن سيدة الغناء أصابتها الغدة الدرقية، وأصبح صوتها مهدداً واضطرت للسفر إلى أميركا لتلقي العلاج، وفي تلك الفترة استمع السنباطي بالمصادفة إلى «خليفة أم كلثوم» تغني رائعته «نهج البُردة» قصيدة شوقي، التي لحنها وشدت بها كوكب الشرق.

وكانت المطربة الصغيرة تؤدي الأغنية الصعبة بإتقان وإحساس وروعة جعلت ملحنها ينتظر بشغف إلى جوار جهاز الراديو إلى أن انتهت الأغنية وعرف اسم المطربة الجديدة «نجاة الصغيرة» تمييزاً لها عن نجاة علي المطربة الأكبر عمراً والأسبق تجربةً.

يقول الناقد عزيز المجدوب: «في ذلك الوقت قرر السنباطي أن يلحن لنجاة استغلالاً لوقته الطويل في غياب أم كلثوم، وكانت باكورة ألحانه لها أغنية «يا سلام عليك» من كلمات عبدالمنعم السباعي مؤلف أغنية أم كلثوم الشهيرة «أروح لمين»، ولحّن لنجاة عشر أغنيات على امتداد سنوات، منها خمس أغنيات من كلمات حسين السيد: «إلهي ما أعظمك»، و«أنا أملك»، و«يا اللي قلبك»، و«يا حبيب الله» و«يا رب»، وأغنيتين من كلمات مأمون الشناوي هما «حبيبي سامعني» و»سامحني» ومن كلمات عبدالوهاب محمد «حد قالك».

واختار السنباطي من رباعيات الخيَّام التي ترجمها أحمد رامي أبياتاً مختلفة عن تلك التي لحنها وغنتها أم كلثوم، لكن الرباعيات الجديدة لنجاة لم تحظ بنصيب رباعيات أم كلثوم من الاهتمام والإنصات، رغم أن السنباطي لم يبخل في رباعياته لنجاة، ووضع فيها كل جهده وموهبته وعبقريته.

وكان اللحن الوحيد الذي حظي بالشهرة هو «إلهي ما أعظمك» الذي غنته عام 1963، والقصة بدأت عندما انتهى حسين السيد من كتابة الأغنية، واستدعى صديقه المخرج محمد سالم وتحمس للأغنية وحصل المخرج على كل الموافقات اللازمة ليقوم التلفزيون بإنتاجها وتصويرها، وحمل حسين السيد كلماته وذهب إلى السنباطي ليتولى تلحينها، وكان يعتقد أنه سيغنيها بصوته مثلما فعل في أغنيتهما السابقة «إله الكون»، لكن السنباطي بعد أن قرأ كلمات الأغنية وداعبه اللحن، رشح نجاة الصغيرة لتغنيها، فقد رأى أن صوتها بما يحمله من إحساس وقدرة على التعبير يليق بهذه الأغنية.

وغنت نجاة الأغنية بأروع ما يكون الإحساس والأداء: «إلهي ما أعظمك في قدرتك وعلاك/ إلهي ما أرحمك في غضبتك ورضاك/ إلهي ما أكرمك للعبد لو ناداك/ جلت صفاتك يا من لا إله سواك».

أغنية حائرة بين نجاة وعبدالغني السيد

في ذروة تألقها الفني، شاركت نجاة في فيلم «بنت البلد» 1954، وقدمت بعض الأغنيات في السياق الدرامي للفيلم، ومنها «ع الحلوة والمرة» تأليف الشاعر سيد مرسي وتلحين الموسيقار محمود الشريف، لكنها ظلت حبيسة الشريط السينمائي، وأعاد الشريف تقديمها من خلال الإذاعة بصوت المطرب اللامع، آنذاك، عبدالغني السيد، الذي كانت تجمعه جلسات لتدريب نجاة على الغناء في طفولتها، وحققت الأغنية نجاحاً كبيراً من دون أن يعلم قطاعٌ كبير من الجمهور أن نجاة صاحبة السبق في غنائها.

وتعرضت «عصفورة الغناء» لموقف مماثل مع الموسيقار محمد عبدالوهاب، عندما طلب من مأمون الشناوي أن يكتب أغنية لنجاة، وانتهى الشاعر من كتابة كلمات «كل ده كان ليه» في جلسة واحدة، وشرع عبدالوهاب في تلحينها، وسجلتها نجاة بصوتها عام 1954، كأول لحن من موسيقار الأجيال إلى تلميذته الصغيرة.

وفي نفس العام شعر عبدالوهاب برغبة كبيرة في تقديم الأغنية، وسجلها بصوته للإذاعة لتجد شهرة كبيرة لدى الجمهور، وأعاد غناءها في حفل أعياد ثورة يوليو، وسجّل ظهوره الأخير على المسرح في نادي الفرسان يوم 2 ديسمبر 1954، بحضور الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وأعضاء مجلس قيادة الثورة، وصار من التسجيلات النادرة لموسيقار الأجيال، ولم تشدُ نجاة بتلك الأغنية في حفلاتها اللاحقة.

«ع الحلوة والمرة»

ع الحلوة والمرة.. مش كنا متعاهدين

ليه تنسى بالمرة.. عشرة بقالها سنين

ع الحلوة والمرة

نسيت خلاص حبنا.. ونسيت ليالينا

ونسيت كمان ودنا.. ونسيت أمانينا

يا ناسي عهد الهوى ليه تنسى ماضينا

حرام عليك كل ده.. شمتهّم فينا

راح أنسى كام مرة.. وتسيبني كام مرة

ح تفوتني كام مرة.. وتسيبني كام مرة

وتفرح اللايمين

إزاي يهون حبنا.. وتروح ماتسألشي

والعشرة عندي أنا.. غالية ولا تهونشي

وإن طال عليا الأمل شاري ولا ابعشي

ومهما طال الأجل.. حبك مابيضيعشي

راح أنسى كام مرة.. وتسيبني كام مرة

ح تفوتني كام مرة.. وتسيبني كام مرة

وتفرح اللايمين

السنباطي يرشح «خليفة أم كلثوم» لغناء «إلهي ما أعظمك»

لغز حادثة المجنون بين عبدالوهاب والطويل والصغيرة

موسيقار الأجيال يخطف «كل ده كان ليه» من عصفورة الغناء

«الشوق» أول أغنية بتقنية الصوت على موسيقى مسجلة
back to top