تصعيد جديد في معركة بكين الإعلامية ضد الاتحاد الأوروبي

نشر في 08-05-2020
آخر تحديث 08-05-2020 | 00:00
إيمانويل ماكرون  - شي جين بينغ
إيمانويل ماكرون - شي جين بينغ
عمدت الصين أخيراً إلى تصعيد معركتها الإعلامية ضد الديمقراطيات الغربية، منتقدة طريقة تلك الديمقراطيات في معالجة أزمة وباء كورونا المستجد، على الرغم من الاحتجاجات التي صدرت عن باريس والنزاع الدبلوماسي الحاد بين بكين والاتحاد الأوروبي حول ما وصفه بالتضليل الإعلامي الصيني.

وبعد أسبوعين على قيام وزير الخارجية الفرنسي جان- إيف لو دريان باستدعاء السفير الصيني في فرنسا لو شايه، للاحتجاج على نشر السفارة أنباء موقع يسخر من طريقة رعاية فرنسا لمواطنيها المسنين خلال فترة وباء كورونا؛ نشر موقع آخر في الأسبوع الماضي انتقادات للحكومة الفرنسية على الموقع التابع للسفارة.

ونشرت مقالة بعنوان "لماذا تم تسييس وباء كوفيد– 19؟"، بقلم دبلوماسي صيني لم يذكر اسمه، وتمحورت حول معرفة الدافع وراء توجيه الأسئلة الى الصين وتحميلها مسؤولية انتشار الوباء، وقد أشارت الى أن "البعض من الغربيين بدأوا يفقدون الثقة في الديمقراطية الليبرالية"، وأن البعض "من الدول الغربية أصبحت تعاني ضعفاً نفسانياً".

وقد ظهرت المقالة في اليوم ذاته الذي أعلن فيه مسؤولون ألمان أن الدبلوماسيين الصينيين حاولوا دفع ألمانيا إلى التحدث بصورة ايجابية حول طريقة معالجة بكين لوباء كورونا.

القضيتان كانتا ضمن أحدث سلسلة من الجهود التي اعتبرت على نطاق واسع محاولة لصرف الانتباه عن أسلوب معالجة حكومة بكين لأزمة انتشار الوباء في مدينة ووهان الصينية، إضافة الى تحسين صورة الصين من حيث توفير المساعدات الى دول اخرى تكافح الوباء وتثير الأسئلة حول الديمقراطية الغربية.

محنة قادة الغرب

وعلى أي حال، فقد أبرز التوتر حول جهود الدعاية الصينية أيضاً المحنة التي تواجه قادة أوروبا، فيما قد يشعرون بانزعاج من محاولات بكين التأثير على مواطنيهم، لكنهم يعتمدون بشدة على حكومة بكين من أجل تزويدهم بكمامات ومواد طبية أخرى في مكافحة الوباء، وسوف يكونون في حاجة أيضاً الى قوة الصين الاقتصادية لمساعدة أوروبا على الخروج من خندق الركود العميق، الذي انتشر بشكل جلي الآن.

وقال أنطوان بونداز وهو باحث في مؤسسة البحوث الاستراتيجية في باريس، التي تركز على بكين، إن "الصين تعتبر أوروبا الخاصرة الرخوة للغرب". وبحسب منطق قادة بكين، هناك الغرب -وضمنه الولايات المتحدة التي سوف تعارض الصين لأسباب هيكلية وعقائدية- ثم هناك الدول الأوروبية الحليفة التي تريد البقاء على الحياد، في حال اندلاع نزاع بين الصين والولايات المتحدة.

ولاحظ ميكو هوتاري، وهو المدير التنفيذي لمعهد ميركاتور للدراسات الصينية، وهو مركز تفكير يتخذ من برلين مركزاً له- لاحظ أن من المتوقع أن يشهد الاقتصاد الصيني ارتدادة قوية من وباء كورونا.

وقال هوتاري: "الشيء الواضح هو أن الصين، على الرغم من كل التعقيدات والمضاعفات، سوف لن تتعرض لنمو سلبي في عام 2020 –بعكس الولايات المتحدة– وربما تحقق نمواً بنسبة 9 الى 10 في المئة في العام المقبل.

وأضاف: "كل الشركات تتطلع الآن الى حدوث أي شيء ايجابي. وبالطبع أنت سوف تنظر الى حيث توجد أسواق النمو".

من جهته، قال هوسوك لي – ماكياما، وهو مدير مركز التفكير الأوروبي للاقتصاد السياسي الدولي، الذي يتخذ من بروكسل مقراً له، إن الصين سوف تكون أول دولة تخرج من "النفق" الاقتصادي، مضيفاً أن "ذلك يعني أن الدول المصدرة مثل ألمانيا وفرنسا ستكون أكثر اعتماداً من الماضي على الأسواق الصينية".

ولعلمها بمدى سيطرة اقتصادها، حرصت الصين على عدم طرح إشارات على الإذعان للحساسيات الأوروبية إزاء حملة العلاقات العامة، التي كانت عدوانية وجامحة بشكل خاص في فرنسا.

هدف بكين من التشدد

وقال أنطوان بونداز، الذي قابل السفير لو شايه، إن الأخير يعرف تماماً ما يقوم به، وإذا استمر في الضغط فإن ذلك يعني وجود استراتيجية معينة لدى الصين التي لا يمكن أن تعمد إلى الارتجال في مثل تلك الأمور.

وأضاف بونداز: "إن الهدف هو اظهار أن استدعاء السفير الصيني سوف يغير أي شيء، وأن بكين ليست على خطأ ولم تكن كذلك قط".

وقد عرف عن السفير لو شايه موقفه المتشدد أيضاً، والذي ظهر في الصحافة الكندية عندما كان سفيراً للصين في أوتاوا، خلال الخلاف الدبلوماسي بين كندا والصين في عام 2019. ولم ترد السفارة الصينية في باريس على طلب من أجل اجراء مقابلة مع السفير.

وحتى بعد أن تم استدعاء السفير لو شايه من قِبل وزير الخارجية الفرنسي لم تعمد السفارة الى تغيير أو تعديل المقالة الأصلية، التي فجرت الخلاف بين البلدين.

وقد حاول الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون تحقيق توازن معقد بين الإعلان عن الحاجة الى استقلال ذاتي استراتيجي أوروبي –وهو ما يعني، ضمن أشياء اخرى، تقليص الاعتماد الفرنسي والأوروبي عموماً على الصين– مع الحفاظ على سلسلة الإمداد الحالية من الصين أيضاً خلال فترة مكافحة وباء كورونا المستجد.

وكان ماكرون طالب بإشراك بكين في المبادرات الدبلوماسية، التي قادها من أجل تخفيف الديون الإفريقية والحصول على لقاح لوباء كورونا، وعقد قمة بين قادة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن.

ثبات المواقف الفرنسية

وينفي المسؤولون الفرنسيون أي تساهل في مواقفهم إزاء التعامل مع حملة الدعاية الصينية، كما يشيرون الى الاستدعاء غير المعتاد للسفير الصيني في باريس.

وقال مسؤول رفيع في قصر الإليزيه شارك في المحادثات، التي جرت مع المسؤولين الصينيين: "نحن نعبر عن مواقفنا بوضوح تام، ولا توجد تحفظات عندما يتعلق الأمر بسيادتنا، ولا نخشى أي ردة فعل انتقامية".

وعلى الرغم من ذلك، دعا قادة دول مثل أستراليا والولايات المتحدة وألمانيا إلى اجراء تحقيق في كيفية انطلاق وباء كورونا، ولم يقرر الرئيس ماكرون الانضمام الى تلك الحملة علانية، وفضل ترك تلك المسألة الى ما بعد احتواء الوباء في المقام الأول.

ولكن مسؤول الإليزيه أصر على أن فرنسا تريد رؤية تحقيق ملائم حول أصل وباء كورونا. وقال: "من الواضح أننا سوف نكون في حاجة الى كل الشفافية الضرورية حول أصل ذلك الوباء وكيفية انتشاره في شتى أنحاء العالم".

استعراض العضلات

من جهة أخرى، استعرضت الصين أيضاً عضلاتها في بروكسل وبرلين، وبعد أن نشرت مجلة بوليتيكو تقريرها حول خدمة العمل الخارجي الأوروبي، في الأسبوع الماضي، الذي اتهمت فيه الصين بالاستمرار في "حملة تضليل إعلامي عالمية تهدف الى صرف الانتباه عن أصل وباء كورونا وتحسين صورتها الدولية"؛ عمدت بكين الى استخدام الضغط الدبلوماسي "من أجل تغيير الحصيلة التي تم التوصل إليها".

وفي أعقاب تلك الخطوة، برزت لغة أقل حدة حول دور الصين في الأزمة، كما تم حذف عناصر أخرى في النسخة النهائية من التقرير المذكور.

وجادل المتحدث باسم خدمة العمل الخارجي الأوروبي بيتر ستانو حول قضية وجود نسختين مختلفتين من التقرير؛ "واحدة مخصصة للاستهلاك الداخلي والثانية للاستهلاك العام".

وعلى أي حال، فقد أعرب المشرعون في البرلمان الأوروبي عن عدم رضاهم عن ذلك التفسير، وقالت ساندرا كالنيت، وهي نائب قائد مجموعة يمين الوسط في حزب الشعب الأوروبي إنها أصيبت "بصدمة"، بسبب التغيير الواضح في التقرير، وحثت رئيس السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل على "توضيح ما حدث بصورة تامة، ومن دون أي تأخير"

وفي غضون ذلك، أكدت وزارة الداخلية الألمانية، في ردها على عضو برلمان الخضر مرغريت بوس، أن الحكومة كانت على علم "بالاتصالات الشخصية التي قام بها دبلوماسيون من الصين من أجل التأثير على البيانات المتعلقة بإدارة مكافحة وباء كورونا في الصين".

وشددت الوزارة على أن برلين "لم تستجب لتلك المطالبات"، وذلك بحسب تقرير نشرته صحيفة فيلت أم سونتاغ الألمانية.

من جهته، أعرب هوتاري -من مركز ميريكس للتفكير- عن دهشته من قوة الجهد الدبلوماسي الصيني، الذي قال انه نتيجة لـ"ضعف" الولايات المتحدة على المسرح الدولي.

• ريم ممتاز وهانس فون در بورتشارد

back to top