توريد الأرباح المحتجزة خطوة مستحقة... ذات عائد ضئيل

• هل سننفق مليارات الدنانير لتغطية عجز عام واحد فقط؟!
• ندفع ثمن فيروس كورونا مضاعفاً لغياب الإصلاح الاقتصادي

نشر في 07-05-2020
آخر تحديث 07-05-2020 | 03:05
محمد البغلي
محمد البغلي
مهما جمعت الدولة من مليارات الدنانير من مؤسساتها أو من الاستدانة فلن يعني ذلك شيئاً على المدى المتوسط، في ظل تراجع حاد لأسعار النفط، وقرب بلوغ السيولة لصندوق الاحتياطي العام الصفر خلال أشهر قليلة مقبلة.
انشغل المجتمع الاقتصادي خلال الأسبوع الماضي بقضية طلب وزير المالية من وزير النفط توريد الأرباح المحتجزة في مؤسسة البترول الكويتية، والبالغة قيمتها نحو 7 مليارات دينار، ورد وزير النفط، بصفته رئيساً لمجلس إدارة المؤسسة، على رئيس مجلس الوزراء، بصعوبة توريد هذه الأرباح.

ومع تأكيد أحقية وزارة المالية في طلب توريد الأرباح المحتجزة، وفقاً للقانون من مؤسسة البترول، باعتبارها خطوة مستحقة لاسترداد المالية العامة للدولة ما يُسْتحَق لها لدى الجهات الأخرى المستقلة، وخصوصاً أن المؤسسة أعلنت في نهاية مارس الماضي مع تصاعد تداعيات فيروس كورونا في الأسواق العالمية، خفض مصروفاتها الرأسمالية والتشغيلية، فإن الإجراء، بحد ذاته، مهما كان صحيحاً فإنه لا يخرج عن كونه واحداً من الإجراءات الدفاعية قصيرة الأمد التي تقلل من فاتورة ومخاطر الدين العام، إلى جانب خيارات أخرى مثل وقف تحويل نسبة 10 في المئة من إيرادات النفط إلى صندوق احتياطي الأجيال القادمة، أو استدانة الدولة من جهاتها المستقلة، ومنها مؤسسة البترول، أو الصندوق الكويتي للتنمية، أو التأمينات الاجتماعية وغيرها.

وفي كل الأحوال تظل هذه الإجراءات الدفاعية مؤقتة في طبيعتها وزمنها، ولا تغطي إلا حالات وأوضاعاً معينة، وهي بكل تأكيد، رغم ضرورتها، لا تعبر عن إصلاح اقتصادي حقيقي ودائم، وبالتالي مهما جمعت الدولة من مليارات الدنانير من مؤسساتها أو من الاستدانة فلن يعني ذلك شيئاً على المدى المتوسط، في ظل تراجع حاد لأسعار النفط، وقرب بلوغ السيولة لصندوق الاحتياطي العام الصفر خلال أشهر قليلة مقبلة.

وفي قراءة لواقع السنة المالية 2020- 2021، نجد أن تداعيات «كورونا» قد تفضي، وفقاً لمستويات الأسعار الحالية من النفط وضبابية أوضاع السوق والمنتجين، إلى عجز في الميزانية متوقع بأكثر من 14 مليار دينار، أي ما يعادل 62 في المئة من إجمالي مصروفات الميزانية، وأعلى بـ 52% من العجز المتوقع عند إعداد الميزانية في نهاية العام الماضي، وسط توقعات أن تنفد سيولة صندوق الاحتياطي العام قبل نهاية منتصف السنة المالية، نتيجة عمليات السحب المتكررة لتمويل العجز، ومصروفات أخرى من خارج الميزانية، خلال السنوات الأخيرة بما لا يقل عن 40 مليار دينار.

مع العلم أن حالة عدم اليقين في أسواق النفط كبيرة، وقد يستمر التراجع في الطلب أكثر من سنة، مع مخاوف من أن عودة الحياة بصورة طبيعية أو بشكل قريب من الحياة قبل «كورونا» ستحتاج إلى وقت غير معروف، فضلاً عن أن المصاعب التي تعرض لها التوصل لاتفاق خفض الإنتاج بشكل كبير ربما تجعله غير قابل للاستمرار، أو تعرقله خلافات سهلة الوقوع بين الأعضاء، بل إن «كورونا» أعطانا، خصوصاً في دول الخليج النفطية، درساً جديداً من المخاطر، فلم يعد التخوف على سلعة النفط الرئيسية في تمويل موازنات هذه الدول مرتبطاً بنضوب النفط، أو اكتشاف مصدر طاقة بديل، أو حتى تراجع النمو الاقتصادي العالمي، بل يمكن لفيروس أو حدث غير متوقع أن يقلب الموازين، التي بالفعل انقلبت بعد انخفاض أسعار النفط 60 في المئة خلال الثلث الأول من هذا العام.

وبالتالي فإن خيارات التعامل مع الميزانية العامة للدولة، حتى على المدى المتوسط، محدودة، وهو ما يدفع إلى السؤال: هل ستكون الأموال المتأتية من ترحيل الأرباح أو حتى الاستدانة السيادية والمقدرة في الحالتين بمليارات الدنانير لتغطية عجز عام واحد؟! خصوصاً أن السنوات الماضية شهدت سداداً للعجوزات الفعلية التي بدأت سنة 2014- 2015، بـ 2.7 مليار دينار، وفي 2015- 2016 بـ 5.9 مليارات، وفي 2016- 2017 بـ 5.9 مليارات (تضمنت سداد نصفها من الدين العام)، وفي 2017- 2018 بـ 4.8 مليارات، وفي 2018- 2019 بـ 3.3 مليارات، ولم يتم احتساب عجز عام 2019- 2020، لحين صدور بيانات الحساب الختامي... وبالتالي فإن استخدام المليارات «أرباحاً أم استدانة» لتغطية العجز، كما حدث في السنوات الماضية، على سنوات قادمة بعجوزات ضخمة سيجعلنا تحت ضغوط حتى التعثر عن السداد أو شح السيولة في المؤسسات.

لا شك أن الكويت- ومعها دول الخليج- تدفع اليوم في زمن «كورونا» ضريبة مزدوجة وهي ضريبة انتشار الفيروس، وضريبة عدم القيام بالإصلاح الاقتصادي، الذي تبينت الثغرات فيه على أكثر من مستوى كالتركيبة السكانية، وهشاشة القطاع الخاص، وتركز المصروفات على قطاعات غير إنتاجية، وصعوبة توفير إيرادات غير نفطية، وسوق عمل منحرف عن أهداف الاقتصاد والسوق، وإذا كانت المواجهة على المدى القصير بإجراءات دفاعية مقبولة فإن التباطؤ عن اتخاذ إجراءات اقتصادية تعالج ما انكشف في هذه الأزمة سيكون أثره مؤلماً خلال سنوات أو ربما أشهر قليلة.

back to top