الإرهاب بعد فيروس كورونا لن يكون كما كان قبله

نشر في 01-05-2020
آخر تحديث 01-05-2020 | 00:04
قوات مكافحة الإرهاب تساعد في احتواء فيروس كورونا
قوات مكافحة الإرهاب تساعد في احتواء فيروس كورونا
شهد العالم فشلاً في التعاون الدولي عندما دعت الحاجة إلى التصدي لوباء فيروس كورونا، وعلى الرغم من أعمال الخير التي انتشرت بين المواطنين فإن مشاعر الغضب والاستياء التي ستعقب الأزمة ستخلق صوراً جديدة للعنف السياسي.
مع توسع مبادرات الحكومات الكبيرة، وسعي القادة إلى تفادي اللوم، قد تلجأ المجموعات المناوئة للمؤسسة والكارهة للصين إلى العنف.

وبعد انتشار وباء "كورونا" برزت ردود أفعال المجموعات الإرهابية بطرق مختلفة.

الملاحظ أن المجموعات الإرهابية التقليدية مثل تنظيمي "داعش"، و"القاعدة"، والفرق الكثيرة المرتبطة بها تصرفت بصورة مشوشة ومربكة في موقفها من "كوفيد– 19"، ويرى البعض فرصة في الفوضى التي يستطيعون نشرها واستغلالها في أماكن مثل غرب إفريقيا، في حين يرى البعض الآخر فرصة في إظهار القدرة على الحوكمة مثل حركة "طالبان"، و"حزب الله". وكانت حكومات نشرت البعض من قوات مكافحة الإرهاب بهدف المساعدة في احتواء "كورونا"، بينما سعت إلى محاكمة من يتصرفون بصورة مسيئة للمجتمع مثل العطس على الآخرين.

عدد الأعمال التي يمكن أن تطلق عليها سمة الإرهاب ظلت محدودة حتى الآن إلى حد كبير، وكانت مدفوعة في معظمها بنظرية المؤامرة، كما أن الخوف من تقنية "جي 5" وارتباطها بانتشار الوباء دفع إلى إحراق أبراج هواتف جوالة في شتى أنحاء أوروبا.

وفي الولايات المتحدة، أفضى الخوف من الحكومة الكبيرة إلى خطة تفجير استهدفت كنساس سيتي في ولاية كنساس، ومحاولة إخراج قطار عن الخط في ميناء لوس أنجلس، كما سعت بعض الأطراف الجهادية إلى تسليح الفيروس، بينما اكتفى جناح اليمين المتطرف إلى حد كبير بالكلام عن النية للقيام بذلك العمل.

نظرية موحدة

لهذه الأفعال نظرية موحدة، ومثل معظم العمليات الإرهابية هي أعمال مبنية بشكل أساسي على الثورة ضد النظام المؤسسي في البلاد، ويوجد في الولايات المتحدة تقليد حافل بالنشاط المعادي للحكومة يستند إلى تحررية أوسع، مما يوجد في السياسة الأميركية الحالية.

وقد احتفلت أوكلاهوما سيتي أخيراً بالذكرى الخامسة والعشرين لهجوم تيموثي ماك فيه على مبنى ألفرد بي موراه في عام 1995، والذي أسفر عن مقتل 168 شخصاً، وانطلق ماك فيه من حركة أميركية أوسع تدعى "الوطنيون" التي عبرت عن نفسها في الآونة الأخيرة من خلال مجموعات سيادية ترفض الأنظمة الاتحادية، وتستهدف رجال الشرطة.

وبالنسبة إلى أولئك الذين انحصر تفكيرهم في هذا التاريخ من الأنشطة المناوئة للحكومة فإنهم سيشعرون بقلق إزاء التوسع الضخم للدولة الذي يعقب أزمة وطنية مثل انتشار الوباء، والخوف بالنسبة إلى أولئك الأشخاص يكمن في توسع دور الدولة، كما يكمن بالقدر ذاته في عدم الثقة بنشاط الحكومة بصورة عامة، وتبدو مظاهر هذا الغضب جلية في أماكن مثل ميتشيغان، وكنتاكي، وكارولينا الشمالية.

وقد تعزز هذا الشعور نتيجة عدم الثقة المتزايد الواضح في الحكومات على صعيد عالمي، وفي ضوء رغبة القادة إلى إعلان نصف الحقائق فقط تبددت ثقة العامة بالحكومات إلى حد كبير وبشكل جلي، وقد لمست منظمات إجرامية متعددة هذا التطور، وسعت إلى عرض نفسها على شكل بدائل.

استخدام الفوضى

استخدمت المجموعات الإرهابية مثل "طالبان"، وهيئة تحرير الشام، و"حزب الله" الفوضى من أجل عرض قدراتها الصحية على الرغم من ضآلتها، كما أن المجموعات الإجرامية في البرازيل، والسلفادور، والمكسيك تسعى إلى عرض قوتها ومواردها.

المجموعات الأخرى تتخذ انعدام الثقة هذه من أجل نقل الشك إلى حدوده الأقصى، ومن المرجح أن يزداد عددها مع مرور الوقت، ومن المتوقع أن تسفر الاستجابة الراهنة لـ"كوفيد– 19" عن توسع حضور الدولة، وجذب الانتباه إلى حالات عدم المساواة التي ستتسارع في اقتصاد ما بعد وباء "كورونا"، وتبرز في نهاية المطاف تشديد الميزانية المؤكد.

وربما يخشى البعض من الحكومة الكبيرة، فيما يتملك الغضب البعض الآخر إذا لم تعمل تلك الحكومة على حل مشاكله ومشاغله، وهذه العوامل عرضة للاستغلال من قبل الفئات المناوئة للحكومة والمجموعات العنصرية والمتطرفين السياسيين من كل نوع.

وسيشكل الجيش المتنامي من المحرومين مجتمعاً يتقبل إلقاء اللوم على الآخرين، وفي الغرب، كانت هناك اندفاعة نحو إلقاء اللوم على الصين، وثمة شيء يحدث بين كبار المسؤولين (من أمثال نائب مستشار الأمن القومي الأميركي ماثيو بوتنغر، والسيناتور تيد كروز أو رؤساء اللجان البرلمانية في الخارجية والدفاع في المملكة المتحدة) وبصورة متزايدة بالسكان في البلدان التي تتصاعد فيها النبرة المعادية للصين. وقد دفع هذا الغضب إلى تعقيد التوترات الاجتماعية الحالية المحيطة بالمهاجرين، وهو جانب ملحوظ في مظاهر التعبير عن الاستياء من انتشار "كوفيد– 19".

التداعيات المؤكدة

ومن سوء الحظ أنه بمجرد أن تنتشر المشاعر المعادية للصين في أوساط العامة، فإنها تصبح أقل حكمة وتبصراً، وتفضي إلى إساءة تصرف وعنف نحو كل أولئك الذين ينتمون إلى شرق آسيا، وفيما لا تتساوى جرائم الكراهية دائماً مع الإرهاب فهي في أغلب الأحيان السبيل اليه. وتطرح التوترات المجتمعية وجرائم الكراهية المادة اللازمة لتغذية مشاعر العنف لدى من يرغب في العمل للقيام به نتيجة دوافعه البغيضة، إضافة إلى توفير بيئة غنية للمجموعات الساعية إلى تعميق العقائد المتصارعة.

وهذه المشكلة ليست مقتصرة على الدول الغربية، فقد حذر باحثون في إندونيسيا من ازدياد التوتر الذي يستهدف الرعايا الصينيين في ذلك البلد، ويستند ذلك التوتر إلى موجة غنية من الغضب نحو الصين بصورة عامة، وهو ينبع من توترات عرقية تاريخية، ولكنه تزايد في الآونة الأخيرة نتيجة معاملة بكين للأقلية المسلمة من الايغور، وصدرت أيضاً تحذيرات من أن تلك المشاعر ستفضي إلى عمليات إرهاب ضد السكان الصينيين في إندونيسيا، خصوصا بعد أن قالت خلية محلية انها ناقشت مسألة استهداف عمال صينيين. وقد يضع ذلك حجر الأساس لمزيد من التعابير عن العنف ضد الإرهاب الصيني في جنوب شرق آسيا.

وتشهد علاقات الصين مع جنوب شرق آسيا حالة من التوتر في أغلب الأحيان، ويوجد مزيد من ذلك التوتر في الوقت الراهن، وقد انجرفت تايلند إلى حملة هجمات "أونلاين" ضد بكين، عندما أعرب شبان من تايلند عن استيائهم من محاربين "اونلاين" من الصين يهاجمون مجموعة من الممثلين البارزين التايلنديين، لإعرابهم عن التضامن مع تايوان وهونغ كونغ. وقد أغضب ذلك حكومة بكين التي تعتبر المنطقتين جزءاً من الصين.

الموقف في كازاخستان

وفي كازاخستان، أشار موقع على شبكة الإنترنت الصينية إلى أن كازاخستان أرادت أن تصبح جزءاً من الصين، وقد أسفر ذلك عن درجة من الغضب دفعت وزارة الخارجية في كازاخستان إلى استدعاء السفير الصيني، وطلب اعتذار عن ذلك الموقف، وفي قرغيزستان المجاورة انتشرت فكرة مناوئة للصين تتهمها بنشر وباء "كورونا"، ووصلت إلى حد مطالبة أحد النواب في ذلك البلد بوسيلة لتفادي الاحتكاك برعايا صينيين.

ذلك كله ليس إرهاباً طبعاً، ولكن يوجد تركيز واضح على مشاعر الغضب الشعبي إزاء الصين، ومع تحول بكين إلى لاعب رئيس في الشؤون الدولية ستصبح بازدياد هدفاً يرجع الى طريقة تعاملها مع الأقليات. وربما يسفر ذلك عن هجمات ضد الرعايا أو الشركات الصينيين.

وفي الجانب الأكثر سوءاً قد يكون إحراق أبراج الهواتف من قبل "جي 5" مجرد مقدمة للقيام بعمل آخر.

وكانت "اللودية" مجموعة عمال النسيج في المملكة المتحدة ظهرت في القرن التاسع عشر، وأعربت بطريقة عنيفة عن اعتراضها على التقنية الحديثة التي تستبدل ببطء أعمالها.

واليوم، سيعمل التحول السريع في العمل "اونلاين" من جانب شريحة متنامية من العمال على تسريع تلك الموجة بصورة دراماتيكية في أعقاب انتشار وباء كورونا، وتقوم الشركات في الوقت الحالي بتقليص عدد عمالها، وهي تحاول العمل عن بعد بقدر أكبر.

وفي حين سيرجع الكثير من الناس الى أعمالهم السابقة قبل الأزمة قد يجد عدد كبير أن وظائفهم تغيرت بصورة دائمة، وربما يفضي ذلك إلى خلق حركة غاضبة تستخدم العمال السابقين الناقمين عبر الوسيلة التي استخدمت في الاستغناء عن خدماتهم.

مساوئ الأدوات «أونلاين»

وبعد أن أصبحوا ضمن شريحة العمال الفائضين عن الحاجة نتيجة توسع الأدوات "أونلاين" سيصبح بالإمكان إعادة استخدامهم لتوجيه ضربة مناوئة.

يذكر أن الإرهاب يظهر في أغلب الأحيان عندما يسود الاعتقاد أن الحكومة قد فشلت أو عندما يشعر الناس أنهم استبعدوا من النظام، ومن المرجح أن يقلص انتشار الوباء شعور الثقة بالسلطة إلى درجة أكبر، وستكون النتيجة زيادة في المشاكل من قبل أولئك الذين يشعرون بما يكفي من الغضب من أجل استخدام العنف للتعبير عن مظالمهم.

لقد شهد العالم فشلاً في التعاون الدولي عندما دعت الحاجة إلى التصدي لوباء "كورونا"، وعلى الرغم من أعمال الخير التي انتشرت بين المواطنين فإن مشاعر الغضب والاستياء التي ستعقب الأزمة ستخلق صوراً جديدة للعنف السياسي، وقد يعول البعض على أيديولوجيات ومجموعات قديمة فيما تظهر مجموعات اخرى بطرق مختلفة مفاجئة، ولن ينتهي الإرهاب في أعقاب الوباء، ومن المرجح أن يتطور بطرق أكثر تطرفاً.

*رافائيلو بانتوشي

من المتوقع أن تسفر الاستجابة الراهنة لـ«كوفيد- 19» عن توسع حضور الدولة وجذب الانتباه إلى حالات عدم المساواة

علاقات الصين مع جنوب شرق آسيا تشهد حالة من التوتر في أغلب الأحيان

الإرهاب لن ينتهي في أعقاب الوباء ومن المرجح أن يتطور بطرق أكثر تطرفاً
back to top