المغامرة بالصحة ليست في مصلحة الاقتصاد

• تخفيف قيود «كورونا» يجب ارتباطه بتطويق الفيروس وتفكيك بؤر انتشاره لدى العمالة الهامشية
• الضغوط صعبة على القطاع التجاري لكن تأجيل القروض وتقليص الإيجارات يعطيان متسعاً

نشر في 30-04-2020
آخر تحديث 30-04-2020 | 00:05
محمد البغلي
محمد البغلي
المسألة ليست متعارضة، فالصحة في النهاية مع تأكيد أولويتها، ليست مناقضة للاقتصاد، لكن عودة الأنشطة التجارية تتطلب شروطاً صارمة وتوقيتاً مناسباً لتحاشي أي موجة ثانية من الوباء قد تكون نتائجها أقسى على الصحة والاقتصاد معاً.
يدور نقاش في الفترة الاخيرة في عدد من الاوساط حول مدى استعداد الدولة لإعادة فتح بعض الانشطة لا سيما التجارية والاقتصادية في ظل انتشار فيروس كورونا وتداعياته على مختلف اوجه الحياة.

ولا يخلو هذا النقاش من جدلية المفاضلة بين صحة الانسان ومصالحه خصوصا المالية والتجارية والاقتصادية، مع تأكيد ان هذا النقاش بكل ما فيه من جدل يكون اكثر واقعية في الدول التي تعتمد على الاسواق في تمويل اقتصاداتها وخلق فرص العمل لمواطنيها أكثر من دول الخليج التي ترتبط اقتصاداتها ببيع النفط، وبالتالي فإن أثر الإغلاق التجاري لمختلف اوجه الحياة الاقتصادية لن يكون مضرا بقدر إضراره بالدول الرأسمالية.

تخفيف وتشديد

فخلال الايام الماضية وربما مع طول فترة حظر التجول الجزئي ومختلف الاجراءات الاحترازية الخاصة بقيود فرضتها ازمة كورونا للحد من انتشار الفيروس زادت مطالب تخفيف القيود بالتزامن مع تخفيفها عالميا وحتى خليجيا في السعودية والامارات مثلا، لتقليل خسائر مجتمع الاعمال كبارا وصغاراً، إذ إن طول فترة الاغلاق ربما تسبب لاحقا ازمة نظامية تتعلق بتعثر اصحاب الاعمال عن سداد التزاماتهم للبنوك، حتى وإن اجلت اقساطهم 6 اشهر او اعفي بعضهم من الايجارات في المجمعات والمولات الكبرى.

في المقابل اعتبر معارضو هذا التوجه ان لتخفيف الاجراءات مخاطر عالية ابرزها ان الكويت لا تزال في موجة صاعدة متزايدة في مواجهة الوباء، واي اختلال في اعادة الفتح سيترتب عليه ضغط كبير على الخدمات الطبية لا سيما ان الازمة كشفت اختلالات عميقة في الظروف الصحية والحياتية للعمالة الوافدة خصوصا الهامشية، ومن المحتمل جدا ان تفضي عودة الاعمال او جزء منها الى موجة ثانية من الوباء اشد من الاولى.

لا تناقض

ومع ذلك فإن المسألة ليست متعارضة تماما، فالصحة في النهاية مع تأكيد اولويتها، ليست مناقضة للاقتصاد، لكن عودة الانشطة التجارية تتطلب شروطا صارمة وتوقيتا مناسبا لتحاشي اي موجة ثانية من الوباء قد تكون نتائجها اقسى على الصحة والاقتصاد معا، وربما كان اتخاذ قرار عودة الاعمال اصعب حتى من قرار ايقافها في مطلع الأزمة... وأهم الشروط قبل عودة الاعمال او جزء منها ان يكون هناك تطويق للأزمة وتفكيك لبؤر الانتشار، لا سيما في مناطق العمالة الهامشية لضمان تراجع منحى الاصابات مواطنين ووافدين لأقل معدلاته، وأن يكون استعداد المنظومة الصحية عاليا لأي تصاعد محتمل في اعداد الاصابات يمكن ان ينتج عن تراخ او انفلات في التعامل مع الوضع الجديد بعد عودة العمل، مع ضرورة اعادة توزيع العمالة الهامشية التي شكلت أكبر عامل ضغط على أجهزة الدولة المختلفة خلال الفترة الماضية على مراكز ايواء يتحمل تكلفتها الشركات المسؤولة عن اقاماتهم، فضلاً عن فرض قواعد التباعد الجسدي في أي منشأة يعاد فتحها من خلال وضع انظمة تسوق عبر الحجوزات الالكترونية لدخول المجمعات التجارية مثلا، ولمدة محددة ولعدد محدد من المتسوقين مع توفير الكمامات، وهو منتج غير متوفر بسهولة في السوق المحلي، مع التعقيم المتواصل للمرافق طوال اليوم.

سنغافورة والجليب!

ولأن عودة الأعمال عملية محفوفة بالمخاطر في زمن كورونا فإنه من المفيد في ظل استطلاع السيناريوهات الاسوأ كنوع في التحوط الاطلاع على نموذج سنغافورة عند مناقشة مخاطر حدوث الموجة الثانية من الوباء وهي الدولة التي سيطرت على المرض منذ بداية انتشاره مطلع العام الجاري وحصلت على اشادات دولية في احتوائه، الى ان ادت عودة الاعمال منتصف مارس الماضي مع وجود كانتونات سكانية مكتظة للعمالة الوافدة من الهند وبنغلادش الى انتشار المرض مجددا، وبأرقام تتجاوز يوميا الف حالة لدولة عدد سكانها نحو 6 ملايين نسمة، فهذه الحالة تقدم نموذجا لمخاطر الاكتظاظ السكاني للعمالة الوافدة مثلها مثل مناطق الكويت المكتظة بالعمالة كجليب الشيوخ والعاصمة والمهبولة وغيرها، والتي جعلت الكويت، الى جانب دول خليجية أخرى تعاني نفس اختلال التركيبة السكانية، في صدارة الدول التي تبلغ نسبة إصابة احدى الجنسيات الوافدة فيها 3 اضعاف مواطني الدولة، مما يعني ان فتح الاسواق لعمالة ذات ظروف معيشية وصحية صعبة دون معالجة سريعة - على الاقل - سيؤدي الى انتشار سريع ذي اثار مدمرة.

ومع ذلك يمكن تفهم اتخاذ قرار المخاطرة لدولة مثل سنغافورة التي لا تمتلك تقريبا اي موارد طبيعية واقتصادها قائم على الاعمال والانشطة التجارية لتشغيل مواطنيها وتمويل ميزانيتها، لكن لا يمكن تفهم قيام دولة مثل الكويت بالمغامرة في اعادة فتح الاقتصاد في ظل اعتمادها على صادرات النفط بنسبة تتجاوز 90 في المئة من ايراداتها... صحيح انه من المحتمل أن تتأثر محليا قطاعات تجارية وتجزئة عديدة بالاغلاق، لكن ايضا لا يزال في الوقت متسع، مع تأجيل البنوك لأقساط الشركات وتأخير دفع الايجارات خلال الازمة.

حصافة التعامل

نال «كورونا» من اكثر دول العالم تقدما وقدرة على التعامل مع اكبر الازمات واصعبها ولم تستطع لا الولايات المتحدة ولا اوروبا بما فيها المانيا وبريطانيا ودول شرق اسيا كاليابان وكورويا الجنوبية والصين التصدي للوباء وتداعياته الا بتكاليف ضخمة على مستويات الصحة والاقتصاد والتعليم وحتى المعيشة، وما عودتها إلى فتح الاقتصاد الا بناء على حاجة اقتصادية ملحة لا تحتمل التأخير، أما نحن في الكويت فلا نمتلك قدرات ادارة الازمة التي تتمتع بها هذه الدول ولا يماثل اقتصادنا اقتصادهم... بل اننا لا نعرف معطيات وتدابير وحصافة قرارات الفتح الجزئي للاقتصاد الذي قامت به بعض الدول الخليجية، وبالتالي فإن اي جهد لاستعجال عودة الانشطة التجارية ربما يكون مستحقا لو وجه نحو ابتكار آليات لعودة العام الدراسي وفق انظمة التعليم عن بعد لو استمرت ازمة كورونا مدة اطول.

فتح الاقتصاد واقعي للدول المعتمدة على الأسواق في تمويل ميزانياتها وخلق فرص العمل لمواطنيها أكثر من دول الخليج النفطية

سنغافورة احتوت الفيروس وأعادت العمل فواجهت موجة ثانية أشد بسبب كانتونات مكتظة للعمالة الوافدة
back to top