«عطلة كورونا» تلقي بتداعياتها على أحكام القضاء

• التشريع الأخير اعترف بوقف المحاكم بسبب الوباء فكيف تعقد الجلسات في عطلة؟
• المادة 17 لم تسمح بسريان المواعيد خلال العطل الرسمية فمن باب أولى الجلسات

نشر في 07-04-2020
آخر تحديث 07-04-2020 | 00:04
قصر العدل
قصر العدل
على خلفية إعلان مجلس الوزراء في 11 مارس الماضي اعتبار المدة من 12 إلى 26 مارس 2020 إجازة رسمية في البلاد، قبل أن يصدر قراره بتمديدها إلى يوم 12 أبريل الجاري، نظراً لتداعيات انتشار فيروس كورونا المستجد، تثور جملة من التساؤلات حول سلامة إصدار المحاكم الجزائية للأحكام القضائية في قضايا الجنح والجنايات، وكذلك للأحكام القضائية التي تصدر عن دوائر محكمة التمييز، التي ستنعقد بغرفة المشورة، برفض الطعون القضائية، والتي تصدرها المحاكم خلال الإجازة الرسمية التي أعلن عنها مجلس الوزراء.
ولبحث سلامة إصدار الأحكام القضائية خلال هذه الإجازة الرسمية، يجب الوقوف على صيغة قرار مجلس الوزراء الصادر بتاريخ 11/3/2020 بتعطيل العمل في المرافق العامة في الدولة ومدى سلامته، ومن ثم بيان الآثار التي يرتبها قرار التعطيل على المحاكم، على نحو عام.
صدر قرار مجلس الوزراء باعتبار الفترة من 12 الى 26 مارس 2020 نص على أن «تعتبر الفترة من يوم الخميس 12/3/2020 الى يوم الخميس 26/3/2020 إجازة رسمية، على أن يستانف الدوام الرسمي يوم الأحد 29/3/2020.

ويكلف نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء بالتنسيق مع وزارة الصحة والجهات المعنية بإصدار قرار بالقواعد والاجراءات اللازمة لانتظام الفئات، التي تكون أعمالها ضرورية لسير وانتظام المرافق العامة التابعة لكل منهم».

وبتاريخ 12/3/2020 أصدر وزير العدل وزير الأوقاف قراراً بتحديد الوظائف المستثناة من قرار تعطيل العمل الصادر من قبل مجلس الوزراء، بناء على ما ورد في الفقرة الثانية من قرار مجلس الوزراء، التي سمحت لبعض الجهات تحديد الوظائف والأعمال، التي تسمح بتسيير العمل، وقد ورد في ديباجة القرار الصادر من وزير العدل أنه «بناء على قرار مجلس الوزراء رقم 391 الصادر في الاجتماع الاستثنائي رقم 14/2020 المنعقد في تاريخ 11/3/2020 باعتبار الفترة من يوم الخميس 12/3/2020 الى يوم الخميس 26/3/2020 اجازة رسمية، وعلى تعميم ديوان الخدمة المدنية، وعلى ما أبداه المجلس الاعلى للقضاء؛ تقرر في المادة الاولى استثناء من قرار مجلس الوزراء رقم 391/2020 أن تكلف الوحدات التنظيمية التالية بالعمل خلال الفترة من الخميس 12/3/2020 حتى الخميس 26/3/2020، وفقا للضوابط المبينة:

مكتب النائب العام وجميع النيابات العامة والأجهزة الادارية المعاونة لها لتلقي البلاغات التي ترد اليها من الجهات الامنية وغيرها والتصرف فيها.

- قطاع شؤون المحاكم:

- إدارة خدمات المحاكم لمتابعة تقديم كل الخدمات الضرورية المطلوبة في دور العدالة.

- أمناء السر وموظفو المحاكم في حدود جلسات الدوائر الجزائية وجلسات تجديد حبس الموقوفين فقط- صندوق ادارة الرسوم القضائية بمبنى النيابة العامة لتسلم الكفالات والمبالغ المسددة بأمر النيابة العامة.

صلاحيات ممنوحة

وبالنظر الى قرار مجلس الوزراء بتعطيل العمل في الدوائر الحكومية واعتبار الفترة من 12-26/3/2020 إجازة رسمية، ثم صدور قرار آخر من مجلس الوزراء بتاريخ 22/3/2020 بتمديد الإجازة الرسمية الى يوم 12/4/2020 فإنه يستند الى الصلاحيات الممنوحة له، باعتباره المهيمن على المصالح العامة وترتيبها وفقا لأحكام المادة 73 من الدستور، والتي تنص على «يضع الامير، بمراسيم، لوائح الضبط واللوائح اللازمة لترتيب المصالح والادارات العامة بما لا يتعارض مع القوانين».

ورغم تعطيل العمل في الدوائر والمرافق الحكومية في الدولة كافة، عهد مجلس الوزراء لنائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية ومجلس الوزراء بالتنسيق مع الجهات الرسمية في الدولة، والتي بإمكانها أن تعمل خلال تلك الفترة، وهو الأمر الذي أدى الى إصدار وزير العدل بتاريخ 12/3/2020 قرارات بتحديد القطاعات المستثناة من التعطيل، وقد حددها وزير العدل بقطاعين، وهما النيابات العامة وقطاع تسيير جلسات المحاكم للدوائر الجزائية وتجديد الحبس، ولم يشمل الاستثناء من التعطيل عمل الدوائر القضائية في المحاكم، وهو الامر الذي بات يثير جملة من التساؤلات أهمها سلامة الأحكام القضائية التي تصدر خلال هذ الإجازة الرسمية.

وللإجابة عن ذلك التساؤل يتعين الرجوع إلى أحكام قانوني المرافعات المدنية والتجارية والإجراءات والمحاكمات الجزائية، لبيان ذلك، في ظل عدم استثناء مجلس الوزراء لمرافق القضاء ودور العدالة من ذلك التعطيل، بسبب الإجازة الرسمية، وذلك على النحو التالي:

أولاً: تواجه الأحكام القضائية خطر البطلان على اعتبار أنه، وعلى الرغم من قرار مجلس الوزراء باعتبار المدة من 12- 26/3/2020 والتي تم تمديدها الى 12/4/2020 إجازة رسمية تتعطل بها المرافق العامة للدولة ومنها مرفق القضاء، فإن أحكام المادة 17 مكرراً التي أقرها مجلس الامة في التعديل رقم 5/2020، والذي نشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 29/3/2020 أكدت صراحة أن مرفق المحاكم مشمول بقرار مجلس الوزراء بالتعطيل بسبب أزمة فيروس كورونا، وأن المواعيد الإجرائية الواردة في قوانين المرافعات والإجراءات وإجراءات الطعن بالتمييز غير محسوبة بسبب التعطيل ووقف العمل الصادر بقرار من مجلس الوزراء.

ومن ثم فإن حكم المادة 17 مكررا سالف البيان قرر صراحة وقف كل المواعيد الإجرائية الواردة في قوانين المرافعات المدنية والاجراءات الجزائية وإجراءات الطعن بالتمييز، والتي من بينها مواعيد جلسات القضايا، والتي كانت مؤجلة لسماع المرافعة او التي كان مقررا النطق بها، ويسري هذا الوقف للمواعيد الإجرائية اعتبارا من اول يوم إجازة رسمية وحتى اعلان مجلس الوزراء زوال تلك العطلة واستئناف العمل رسميا.

ثانياً: ما يشير الى قبول فكرة خطر بطلان الاحكام القضائية الصادرة خلال هذه الفترة، التي اعتبرها مجلس الوزراء اجازة رسمية، هو ما قررته الفقرة الاخيرة من المادة 17 من قانون المرافعات بنصها: «وإذا صادف آخر الميعاد عطلة رسمية امتد الى أول يوم عمل بعدها»، وهو ما يعني ان المشرع لم يورد أحكاما تسمح بإمكانية سريان المواعيد الإجرائية خلال فترة العطلة الرسمية، سواء المتصلة بمواعيد عقد الجلسات القضائية للمرافعة او النطق بالأحكام، بما يسمح تبعا لذلك بانعقاد الجلسات وتقديم الدفاع أو حتى اصدار الاحكام القضائية بهذه الفترة لأنها فترة عطلة رسمية.

بل ونظم المشرع في حكم المادة 114 من قانون المرافعات ميعاد استمرار تلك المواعيد، بأن تقوم الدوائر القضائية التي كانت محددا لها جلسات للمرافعة او تقديم الدفاع او النطق بالحكم، وبعد زوال الوقف الذي وقع، ان تقوم بإخطار الخصوم لحضور الجلسات مجددا، عن طريق إدارة كتاب المحكمة، وذلك بعد أن حالت العطلة الرسمية دون عقد تلك الجلسات.

وتنص المادة 114 من قانون المرافعات على ذلك «متى تمت المرافعة في الدعوى، قضت المحكمة فيها، أو أجلت إصدار الحكم إلى جلسة أخرى قريبة تحددها، ولا يجوز لها تأجيل إصدار الحكم بعدئذ أكثر من مرتين. وكلما حددت المحكمة جلسة للنطق بالحكم فلا يجوز لها تأجيل إصدار الحكم أو إعادة القضية للمرافعة إلا بقرار تصرح به المحكمة في الجلسة، ويثبت في محضرها ويعتبر النطق بهذا القرار إعلانا للخصوم بالموعد الجديد، وذلك ما لم يمتنع سير الجلسات المذكورة سيرا متسلسلا لأي سبب من الأسباب، فعندئذ يجب على إدارة الكتاب إخبار الخصوم بالموعد الجديد بكتاب مسجل».

ثالثاً: إزاء اعتبار مجلس الوزراء المدة من 12-26 /3/2020 والتي تم تمديدها إلى 12/4/2020 إجازة رسمية، فإن انعقاد الجلسات وإصدار الاحكام خلالها يخالف ما نصت عليه المادة 165 من الدستور، والتي تنص على «أن جلسات المحاكم علنية إلا في الأحوال الاستثنائية التي يبينها القانون»، والمادة 13 من قانون تنظيم القضاء والتي تنص على ان «جلسات المحاكم علنية، ويجوز ان تقرر المحكمة جعل الجلسة سرية اذا اقتضى ذلك النظام العام او المحافظة على الاداب، ويكون النطق بالحكم في جميع الاحوال في جلسة علنية ويتولى رئيس الجلسة ضبط نظامها»، كما تنص الفقرة الاولى من المادة 115 من قانون المرافعات بالنسبة إلى الاحكام المدنية والتجارية على ان «ينطق بالحكم بتلاوة منطوقة في جلسة علنية، ويجب أن تشتمل الأحكام على الأسباب التي بنيت عليها وإلا كانت باطلة».

وبشأن الأحكام الجزائية نصت المادة 136 على ان «جلسات المحاكم علنية، ويجوز للمحكمة استثناء ان تنظر قضية في جلسة سرية إذا كان ذلك ضروريا لظهور الحقيقة أو مراعاة للنظام العام والآداب العامة، ويكون النطق بالحكم في جلسة علنية دائما»، والمادة 176 على أن «ينطق رئيس المحكمة بالحكم في جلسة علنية، ويكون ذلك بتلاوة منطوقة».

علنية الجلسات

وبصدور قرار من مجلس الوزراء بتعطيل العمل في مرفق القضاء وقطاع المحاكم، واعتبار الفترة من 12-26 /3/2020، والتي تم تمديدها الى 12/4/2020 واعتبارها اجازة رسمية، فإن ذلك يعني عدم إمكانية عقد الجلسات لافتقادها شرطا مفترضا لسلامتها، وهو علانيتها التي فقدتها بمجرد تعطيل المرفق، والتي منع منها الجمهور بدخول القاعة للاطلاع على سير المحاكمات، تأكيدا لمبدأ الشفافية، والذي يتعين أن تحققه منصة القضاء، بينما إذا ما عطل المرفق وانعقدت الجلسات وصدرت الأحكام في غياب الجمهور الذين لم يمكّنوا من ذلك فإننا امام إهدار لمبدأ دستوري يكمن في تحقيق علنية الجلسات، اذ لا يمكن لهيئة قضائية أن تصدر أحكاما بحضورها فقط، او امام رجال الشرطة الذي يكون وجودهم في هذه الاثناء تحت سلطة الهيئة القضائية.

رابعا: اشترط قانون المرافعات المدنية في المادة 116 منه شكلا محددا للحكم القضائي، حيث بينت الفقرة الاولى منها أنه «يجب أن يبين في الحكم المحكمة التي أصدرته وتاريخ إصداره ومكانه»، كما نصت المادة 175 من قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية على حكم مماثل بنصها «يجب أن يكون الحكم مشتملا على الاسباب التي بني عليها، وإلا كان باطلا، ويتضمن الحكم بيانا عن المحكمة التي أصدرته، وتاريخ إصداره ومكانه».

وبعد تطبيق أحكام المادتين 116 مرافعات و175 إجراءات يتضح جليا أنهما اشترطتا شكلا محددا لسلامة الاحكام القضائية، ورتبت على فقدانه جزاء البطلان، حيث شددت المادتان على ضرورة أن يشتمل الحكم التاريخ والمكان لصحته، والسؤال الذي يثور هنا إذا كان مكان انعقاد الجلسات ليس مصرحا بعقده قانونا لأنه وبحكم القرار الصادر من مجلس الوزراء بحكم المتوقف والمعطل عن أداء أعماله ومهامه، فكيف يكون ما أداه من اعمال صحيحاً؟ والأمر الآخر أن تاريخ اصدار الحكم ليس صالحا لعقد الجلسات، لنظر الدفاع او اصدار الأحكام، لكونه من ايام الاجازة الرسمية، والتي اعتبرتها المادة 17 من قانون المرافعات بفترة عدم احتسابها كأيام عمل للتقاضي، ومن ثم يترتب تبعا لذلك عدم جواز عقد جلسات او اصدار احكام خلالها، فضلا عن نص المادة 17 مكرراً، والتي أقرت بالقانون رقم 5/2020 والصادر يوم 29/3/2020 والتي اعتبرت الفترة من 12 /3/2020 عطلة رسمية تقف عندها كل المواعيد الاجرائية التي وردت بالقانون، ومنها مواعيد الجلسات وإصدار الاحكام، وعلى أن تمتد مدة الوقف للمواعيد الى حين اعلان مجلس الوزراء زوالها من خلال اليوم الذي يعينه للعودة الى العمل.

خطاب وزير الصحة

خامساً: لا يضفي الخطاب الذي أرسله وزير الصحة لمجلس القضاء بشأن الاشتراطات الصحية لعقد الجلسات، التي يراها ضرورية والمتصلة بالحريات ونفقات الاسرة، أي مشروعية لعقد الجلسات في ظل فترة العطلة الرسمية، إذ لا يعدو ان يكون خطابا متضمنا للإرشادات والتعليمات الطبية، التي يتعين على الدوائر القضائية ومنها الجزائية، الالتزام بها حال عقد الجلسات بشأن تجديد حبس المتهمين او عند نظر قضاياهم عند تجديد الهيئة، كما لا يقوم ذلك الخطاب مقام الاستثناء الذي يتيح للمحاكم العمل مجددا في فترة التعطيل الرسمي، وذلك كشأن قطاعات الصحة والداخلية والحرس الوطني، التي تعمل حاليا.

وحتى لا تتعرض الاحكام القضائية للإبطال ولا تتأخر القضايا المحجوزة للحكم، يتعين على مجلس القضاء مخاطبة مجلس الوزراء من باب التحوط باستثناء مرفق القضاء من عقد الجلسات وإصدار الاحكام التي يراها مجلس القضاء ضرورية، وفق تنظيم يقيد به عمل الدوائر القضائية في كل المحاكم خلال هذا الفترة، نتيجة الاوضاع الصحية التي تعيشها البلاد، حفاظا على حقوق المتقاضين وكفالة لمبادئ الدستور.

في دراسة قانونية توضح المخاطر التي قد تواجه اصدار الأحكام

على مجلس القضاء مخاطبة «الوزراء» لاستثناء المحاكم من قرار تعطيل العمل

كيف تتحقق علانية الجلسات والنطق بالأحكام والجمهور ممنوع من دخول القاعات؟

قانونا المرافعات والإجراءات اشترطا ذكر مكان إصدار الحكم وتاريخه وكلاهما معطل
back to top