خواطر حظر التجول أيام الغزو

نشر في 06-04-2020
آخر تحديث 06-04-2020 | 00:20
 أ.د. غانم النجار عندما غزا العراق الكويت، برّر ذلك بمسرحية عبثية أو بعثية، لا فرق، بأنه كان مساندة لثورة قام بها كويتيون. في تمام الساعة الثالثة والنصف من عصر الثاني من أغسطس 1990 ، أصدر ما سُمي بالحكومة الحرة المؤقتة، بيانه الركيك الثاني، ونصه:

"من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار في البلاد، ومنع احتمالات أي أعمال ضارة بمصالح البلاد، نعلن منع التجول، اعتباراً من هذه الساعة، وحتى إشعار آخر، كما نعلن إغلاق كافة الحدود، والمنافذ البرية والبحرية والجوية، ومنع السفر للمواطنين والمقيمين والأجانب، حتى إشعار آخر، كما يمنع الإبحار والتقرب من المياه الإقليمية للبلاد".

بالطبع، لا حاجة لتبيان أنه لم يكن هناك حكومة، لا حرة ولا مؤقتة ولا غير ذلك، بل كانت نكتة سمجة في سيناريو الغزو.

وبعد "وحدة اندماجية" مزعومة، بين الكويت والعراق، تم تعديل حظر التجول في 17 أغسطس، ليصبح من 11 مساء إلى 6 صباحاً.

لم نكن نعرف حينها معنى حظر التجول، ولا ما هو المطلوب منا بمواجهة نظام قمعي بطبيعته. لم يَطُل بنا الوقت، لنرى نقاط تفتيش (أسموها نقاط سيطرة)، على كل مداخل ومخارج المناطق السكنية، استمرت طوال فترة الغزو لـ 7 أشهر. وعندما كنا نتجول نهاراً، كان لابد من المرور على نقاط السيطرة، مستخدمين هويات أغلبها مزور. لم تكن سلطة الاحتلال حينها مسؤولة معيشياً عن أي شيء تجاهنا، لا غذاء ولا صحة ولا حتى نظافة عامة، بل قمنا بالخدمات العامة بأنفسنا. عند نقاط السيطرة تلك، كان احتمال العبور مثل احتمال التوقيف، كانت أخطر نسبة 50 ٪ عرفناها. أما خلال فترة الحظر، فالعقاب شديد، وقد يكون اختفاء لا ظهور بعده، أو الحبس والتنقل من مكان إلى مكان، مصحوباً بأنواع من التعذيب.

وبعد أشهر من تجربة الإغلاق، والسيطرات والأذى المستحكم، كان لنا أن ننظم رحلات لزيارة أسرانا، في معتقلات بعقوبة والموصل وتكريت والرمادي، حيث كان الآلاف من الأسرى، بين كويتيين وبدون (يسمونهم بنُكرانٍ مقيمين بصورة غير قانونية). محطتنا الأولى كانت الأعظمية ببغداد، للحصول على ترخيص زيارة الأسرى. كانت المفارقة هي خلو بغداد من نقاط السيطرة. كان علينا أن نتكيف على عدم وجود نقاط سيطرة، ونتمكن من الاتصال بأهلنا في الخارج، وهكذا جعل صدام بغداد تبدو أكثر حرية من بلد آمن كالكويت بسيطراته المثقوبة.

بين حظر التجول أثناء الاحتلال، الذي كان يستهدف الحفاظ على أمن الغزاة والاعتداء علينا وترويعنا، وحظر التجول الحالي الذي يستهدف الحفاظ على صحتنا وحياتنا، على الرغم من خطر كورونا، وملاحظة هنا وملاحظة هناك، فإن الفرق اليوم هو الشعور بالأمان، لا الخوف. الفرق واضح.

back to top