ما قل ودل: الدستور معجزة المكان والزمان

نشر في 08-03-2020
آخر تحديث 08-03-2020 | 00:09
 المستشار شفيق إمام على هامش ما تداولته قنوات التواصل الاجتماعي من تغريدة صوتية للشيخة لطيفة دعيج الصباح، أشادت فيه بدستور الكويت، في سياق تعليقها على تشكيل لجان لإعادة النظر في الدستور واللائحة الداخلية لمجلس الأمة، وهو ما استهلت به الشيخة لطيفة الدعيج الصباح تغريداتها على قنوات التواصل الاجتماعي، في سياق إشادتها بالدستور الكويتي، وربما جاءت هذه التغريدة من غير قصد، مرتبطة بتحذير نيابي من المساس بالدستور.

ومع اختلافي في الرأي مع الشيخة لطيفة، حول رأيها في تشكيل هذه اللجان، فقد حفل هذا التشكيل بقامات رفيعة، أعرف قدر أعضائها وعطائهم الغزير لوطنهم، وإيمانهم العميق الذي لا يتزعزع بالحكم الديمقراطي الذي أقام الدستور الكويتي نظام الحكم على أساسه، ولا أتوجس خيفة من ذلك.

البحر والصحراء والنفط

والواقع أن دستور الكويت هو نبت هذه الأرض الطيبة ببحرها وصحرائها ونفطها، فمن هذه الجذور، التي ربطت بين الناس برباط وثيق، وضع الرعيل الأول نصوص هذا الدستور ودعائمه وركائزه.

وموقع الكويت على الساحل الغربي من الخليج العربي، ومنفذها البري إلى أوروبا عبر العراق وسورية وتركيا، ومرور القوافل بالبضائع والطريق إلى الهند والشرق الأقصى والصين وإفريقيا، واشتغال الشعب الكويتي بالملاحة وصناعة السفن الشراعية الضخمة العابرة للمحيطات، والغوص للبحث عن اللؤلؤ، والتجارة، غرس كل ذلك في الكويتيين الروح الجماعية والتكافل والتضامن بين الأفراد، والثقة المتبادلة والاعتماد على كلمة الشرف في المعاملات، حتى شعروا بأنهم أسرة واحدة.

فجاء دستور الكويت ليجسد هذه الحقيقة ويؤكدها في استهلال مذكرته التفسيرية، بأن "العمود الفقري لهذا الدستور، هو الحفاظ على وحدة الوطن واستقراره، فلقد امتاز الناس في هذا البلد عبر القرون، بروح الأسرة تربط بينهم كافة، حكاماً ومحكومين. ولم ينل من هذه الحقيقة ذات الأصالة العربية ما خلفته القرون المتعاقبة في معظم الدول الأخرى من أوضاع مبتدعة ومراسم شكلية باعدت بين حاكم ومحكوم".

والصحراء أيضا هي عبقرية المكان، فهي مصدر الحريات التي يتمتع بها الناس في الكويت، قبل أن يصونها الدستور الكويتي ويكفل ضماناتها، لأنها حرية واقعية، لا تصدر عن أيديولوجية سياسية أو عن مبادئ الحكم الديمقراطي، وقد شبهها الأديب الكبير الراحل عباس العقاد بأنها الحرية التي تتمتع بها الأوابد في الخلاء، وتتمتع بها الطير في الهواء في كتابة الديمقراطية في الإسلام.

الإنسان الكويتي عبقرية الزمان

هو الذي غاص في البحار بحثاً عن ثرواتها وقد أحرقت الشمس محياه وحفر الجد معالمه في أساريره، عندما لم تكن قد ظهرت قطرة نفط في هذه البلاد، والنفط وإن كان عبقرية المكان، ولكن يبقى الإنسان القادر على التفكير والخلق والإبداع، ليعوض بقدراته ما نفد من مخزون النفط، ولينمي بها ما بقي من هذا المخزون، ليصبح النفط داعماً لنشاطه وإبداعه، بدلاً من أن يكون عامل نحر يأكل الجد والصبر والمثابرة التي كان عليها الرعيل الأول.

والكويت بمينائها التجاري وبرسو السفن التجارية عليه وباعتبارها مركز ترانزيت للعراق وإيران والهند وشرق إفريقيا جعل منها موطنا للكرم والضيافة، فكانت مسيرة عطائها التي لا تنقطع منذ أن ظهر النفط، فاستحقت الكويت بعطائها الإنساني من كمبوديا إلى القرن الإفريقي، وفي كل النوائب والمحن التي تصيب كل الدول، أن تكون إمارة الإنسانية وأن يكون أميرها أمير الإنسانية.

أيقونة الدساتير العربية

واستحقت الكويت دستورها الذي يعتبر أيقونة الدساتير العربية، ومفخرة الكويت، وأساس عزتها وكرامة الإنسان فيها، سطره أبناء الرعيل الأول الذين أقاموا من وعيهم الحجر المكين، ومن وحي ضمائرهم السياج المتين لحكم ديمقراطي، جوهره مبدأ الفصل بين السلطات، والعدل والحرية والمساواة دعامات المجتمع الكويتي تصونها الدولة وتكفل الأمن والطمأنينة للمواطنين وتكافؤ الفرص بينهم.

فالكويت كانت ولاتزال واحة الديمقراطية في الوطن العربي كله، وعليها أن تتمسك بدستورها وتعض عليه بالنواجذ.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

back to top