دولة لا تعتني بالإنسان وبلا مسؤولية

نشر في 26-02-2020
آخر تحديث 26-02-2020 | 00:17
 محمد المقاطع بناء الإنسان هو المقياس الحقيقي لتطور الدولة وتقدمها ومكانتها الحضارية بين الدول والأمم، ولم توجد الدولة ولا السُّلطات ولا المؤسسات إلا من أجل بناء الإنسان وتنميته، باعتباره الثروة الحقيقية والدائمة للدولة، فإن صلح الإنسان في بنائه كان له عطاء ومساهمة حقيقية في نهضة الدولة وتنميتها، وإن فسد بناؤه كان عطاؤه هزيلاً ومشكوكاً فيه، ومن ثم تتدهور أحوال الدولة.

قد يقول قائل إن تلك من بديهيات الأمور ومسلَّماتها، وما الجديد الذي يحاول أن يضيفه كاتب المقال في هذا الخصوص؟ ولا لوم إطلاقاً على مَنْ يطرح هذا التساؤل، لكن عليه التريث قليلاً، ليدرك الحقيقة المُرَّة في هذا الشأن.

يبدو أن بناء الإنسان الكويتي ليس له وجود إطلاقاً في قاموس حكومتنا ومجلس الأمة معاً، وليس له أي وجود، لا ضمن أهدافهما ولا حتى في أولوياتهما، ويظهر أن تغييب فكرة بناء الإنسان منهج متعمَّد وسلوك مقصود، ودلائل ذلك وشواهده كثيرة ومتعددة، فتلك الشواهد حاضرة، ابتداء بالفكر السياسي للدولة، بسُلطاتها ومؤسساتها وشخصياتها السياسية المهيمنة على المشهد السياسي، إذ إن بناء المواطنة الصالحة والمسؤولة التي تمتلك حسَّ الولاء والانتماء للبلد قيمة مهدرة ومهمَّشة، فالعديد من القوانين والقرارات والسياسات تعمد إلى تفتيت البناء المجتمعي، من خلال تغذية عصبيات واستقطابات فئوية مخيفة، سواء كانت قبلية أو طائفية أو اجتماعية أو عرقية، خلافاً لتوجهات الدستور وغاياته، فنظام الانتخابات يكرِّس الولاء الفئوي، ويقنن الاستقطابات العصبية، ويفتت النسيج المجتمعي، ويشجع أنماطاً من السلوك الجانح للولاءات الفئوية على حساب الوطن، وهو التوجه المؤسف الذي يُنشأ عليه الإنسان الكويتي سياسياً. ونهج التشكيل الوزاري والتوزير تفوح منه رائحة قيمة بالية، بل كريهة على الوطن عنوانها القبيح "المحاصصة"، حتى صار يقينا لدى الكويتي أن اختيار الوزراء مرجعيته هو المرور من معبر الفئة أو القبيلة أو الطائفة، أو تمثيل الأقلية الفلانية أو العرق أو الفئة الفلانية. ولا غرابة في النتيجة أن تكون سياسة الحكومة ووزرائها متشرِّبة لهذا النهج، بدلاً من الكفاءة والمواطنة الصالحة. أما سياسة الإسكان وتقسيم المناطق، فهي الأخرى مبنية على أساس فئوي يمزق بناء المجتمع، ويتكرر هذا النهج الفئوي المفتت للمجتمع في التوظيف والتعليم وشغل المناصب القيادية، وفي الحصول على الخدمات، حتى تم إفساد الإنسان والمجتمع بدلاً من بنائه.

ولعل تعقب بعض الأحداث والممارسات الراهنة يؤكد هذه الحقيقة، فها هو نقل القيود الانتخابية وتعامل الجهات الرسمية معه يعزز من تغذية العصبيات، ويستمر تنظيم الانتخابات الفرعية بأشكال وأنماط متعددة تحت مسمى تشاوريات وغيرها، والجهات الرسمية تغض الطرف عنها، بل تبررها وتدعمها، وإليك ما حصل من تعامل غير مسؤول بشأن إدخال حالات من وباء كورونا للكويت من إيران، والتفريط المؤذي الذي تم بشأنها على نحو غير مسؤول، استجابة لضغوط فئوية، لتحقيق مكاسب تافهة على حساب صحة الناس وأرواحهم.

إن الكويت منذ منتصف الثمانينيات لم تعد تسير وفقاً للمنهج الوطني الذي بناه الأولون وغرسوه نظاماً وممارسات حياتية راسخة في بناء المواطنة الصالحة، حيث انحرفت الكثير من التشريعات والقرارات والسياسات، وبتوجه من السُّلطات والمؤسسات الهزيلة، التي أوصلتنا إلى وضع نتيجته المؤلمة هدم الإنسان الكويتي، وهدر كل قيم المواطنة الحقة.

واليوم في خضم فرحتنا واحتفالاتنا الوطنية بعيدي الاستقلال والتحرير، فإن الأمل يحدونا أن تعود الكويت لتكتسي بثوب الماضي، بإنسانه وقيمه وحسه الوطني الغيور، ولا يكون ذلك صدفة ولا أُمنية تذهب أدراج الرياح، بل ببرنامج للدولة؛ حكومة ومجلس أمة، وتعليم وصحة وتنمية وإسكان وخدمات راقية، لتعود الكويت من جديد لؤلؤة الخليج.

back to top