ثقافة العيد والفرح

نشر في 26-02-2020
آخر تحديث 26-02-2020 | 00:04
 طالب الرفاعي يكاد يتشابه المسلك البشري بين مختلف الأمم، وهذا ما يجعل مناسبات بعينها تحظى بمسلك بعينه. ومن أكثر المظاهر التي تتشابه طقوس الأحزان واحتفالات الأفراح. وهذا ما يجعلنا نتابع احتفالات مختلف دول العالم بأعيادها الوطنية، كأن يجري العرض في مكان محدد، ويتضمَّن عروضا شعبية وعسكرية وفنية. والهدف الأهم في إحياء ذكرى الأيام الوطنية، هو بث روح الوحدة الوطنية في نفوس الشعب، وكذا التذكير بالتضحيات الجليلة التي أقدم عليها أبناء الشعب دفاعاً عنه وعشقاً لترابه.

كتبتُ أكثر من مرَّة منوهاً إلى ما آلت إليه الاحتفالات الوطنية في بلدنا الغالي الكويت، وأنها مالت عن جادة الاحتفال القويم إلى ما يشبه الفوضى، والتسبب في إيذاء الآخرين، وملء شوارع الكويت الأساسية، كشارع الخليج العربي، بمخلفات القمامة والرغوة والزيوت، وكل هذا لا يمت بصلة إلى روح الاحتفال.

لقد تجرأ نفر من شباب مستهتر في السنوات الأخيرة على ما يشبه قطع الشوارع واعتراض المارَّة برشاشات المياه المعبأة بمواد حارقة، وكذا بمواد غير نظيفة، والترصد لأي عابر، ناهيك عن سنه وجنسيته وحتى صحته. ولا أدري ما علاقة التسبب في إيذاء الناس والتمتع بإلحاق الأذى بهم بحب الوطن، والاحتفال بأعياده الوطنية؟! لقد عاشت الكويت احتفالات كانت في قمة اللطف والتحضر، وأذكر تماماً المسيرات الوطنية التي كانت تمر في شارع الخليج العربي، وبمشاركة كريمة من جميع الجاليات العربية، إضافة إلى عروض بهلوانية بالطائرات. كل ذلك كان يحدث والجميع مصطف على جانبي الطريق يشارك الفرح ويعبِّر عن احتفاله بإحياء العيد الوطني. شيء ما دخل هذه الاحتفالات، وانعطف بها عن محبة الوطن وعن الاحتفال المتحضر، وأخذها إلى جادة الفوضى وطريق الأذى. وإذا كان لنا من تمنٍ، فهو أن تبادر وزارة الداخلية بوضع حدٍّ لهذه الممارسات السيئة التي صارت تسيء لسُمعة الغالية الكويت أكثر مما تسيء لأي جهة أخرى. وزارة الداخلية قادرة على التصدي لبعض الشباب المتهور وإيقافه عند حد الأدب، وإلزامه باحترام القانون، وتالياً، وكما في كل دول العالم، تنبري هيئة خاصة للتخطيط للاحتفال بالأعياد الوطنية. وكما يتفضَّل كل عام سمو أمير البلاد برفع العلم، إيذاناً ببدء الاحتفالات، فإنه يصاحب ذلك التخطيط لاحتفالات مدروسة ومنظمة، وبالتعاون بين جميع الجهات الرسمية والشعبية، وأيضاً الجاليات العربية والأجنبية في الكويت.

ليس صعباً أبداً تنظيم مثل هذا الاحتفال، ولن يكون مستحيلاً حفظ النظام وإلزام كل إنسان بالخضوع للقانون، كي يأتي هذا الاحتفال كأجمل ما يكون، مثلما يأتي معبِّراً عن وجه الكويت الحضاري وسُمعتها بين الأمم.

وزارة الإعلام، وزارة التربية، وزارة الشؤون، وزارة الداخلية، وزارة الدفاع، وربما وزارات أخرى، وجمعيات النفع العام، وهيئات المجتمع المدني، والسفارات العربية والأجنبية في الكويت، جميعها وغيرها يتم التنسيق والتخطيط بينها، بحيث تقدم عرضاً كويتياً عربياً عالمياً، وبشكل فني وحضاري باهر يؤكد أهمية الاحتفال بالعيد الوطني وعيد الاستقلال من جهة، ويقدم فرحاً يليق بهذه المناسبة الجليلة.

حدثني صديق قائلاً إنه صار يتلافى الخروج إلى شارع الخليج أو منطقة المباركية خلال أيام احتفالات العيد الوطني، وقال لي بأسى، إن ابنته كانت تقود سيارتها في شارع قريب من شارع الخليج، وإن مجموعة من الشباب المتهورين تعرضوا لها، وكادوا يدفعونها لحادث قاتل. ولا أظن أن هذه الشكوى وحيدة أو كاذبة، بل إن نفراً كثيراً من أهل الكويت صاروا يسافرون في عطلة الأعياد الوطنية، لا لشيء إلا لتلافي وقوع المحظور، لا قدَّر الله، بأن يتعرض لهم أي شخص وهم في طريقهم إلى أي مكان.

الأعياد الوطنية مناسبة مهمة وعزيزة على الجميع، لذا تستحق العناية بها والتخطيط لها، بما يليق بحب الكويت وسُمعتها.

back to top