إصلاح التعليم... تغيير بنية النظام التعليمي من الداخل

نشر في 14-02-2020
آخر تحديث 14-02-2020 | 00:09
 أ. د. محمد يوسف المسيليم قد تكون محاولات إصلاح التعليم ذات جدوى إذا ما بدأنا بتغيير استراتيجياتنا في البحث عن حلول جذرية لمشكلات آنية ومؤثرة، كتلك المتصلة مباشرة بأداء المعلمين أو بفاعلية بيئة التعلم أو بمحتوى المناهج أو بترشيد الإنفاق والبحث عن مصادر تمويل جديدة، وهكذا، لكن السؤال دائما يبقى مطروحا وهو: من أين نبدأ؟ هل نكرر دوما ما اعتدنا القيام به من آليات عتيقة، كتشكيل لجان التطوير التي عادة ما تنتهي لنتائج مكرورة أو محسومة سلفا؟

دعونا نفترض أننا قمنا بجرد سريع لتوصيات عشرات من هذه اللجان خلال عقد أو عقدين من الزمن، سنصاب حتما بالدهشة أو بالصدمة حين نكتشف التقارب الممجوج في اختيار المفردات الحماسية، فهذه اللجان نظريا حسمت كل عيب ونقيصة يواجهها نظام التعليم، ولم تبق أمرٌ أو شاردة أو واردة إلا ووضعت لها الحلول الناجعة! ثم ماذا لا شيء يتغير، فما زالت أجراس المدارس تقرع والتلاميذ يتثاءبون.

لم تتمكن لجان التطوير من تغيير واقع يفرض نفسه بإرادة حديدية، والسبب أن هذه اللجان لم تتجرأ بعد على ملامسة الحقيقة! إنها أزمة النظام التعليمي من الداخل، أزمة مكونات هذا النظام بنيته الداخلية، وإن النظرة الفاحصة للبنية الداخلية لنظام التعليم حتما سترشدنا لمكامن الخلل، وأقصد بشكل مباشر الهيكلية الإدارية للوزارة والمنطقة التعليمية والمدرسة، الثالوث المكون للإدارة التعليمية كما اُتفق.

المعروف أن الهياكل التنظيمية لهذا الثالوث وضعت بصورتها الحالية منذ ثمانينيات القرن المنصرم وعدلت بعد ذلك بعد عام 1992 في عهد الوزير الدكتور أحمد الربعي، رحمه الله، وكنت شاهدا على ذلك في حينه، ومنذ ذلك الحين لم يطرأ عليها أي تطوير جاد يتوافق والطموحات المعلنة والكبيرة لوزارة التربية.

دعونا نأخذ زاوية محددة ندير حولها نقاشنا لبنية النظام، ولتكن التوجه نحو اللامركزية بإنشاء المستوى التنظيمي الوسط بين الوزارة والمدرسة، ألا وهو المنطقة التعليمية، لقد كان ذلك في البدء توجها صحيحا واختيارا مناسبا، لكن كيف تطور الأمر وفي أي اتجاه؟

هل كرسنا مبادئ وأسسا حقيقية ساهمت في فصل حقيقي بين ما هو مركزي وما يجب أن يكون لا مركزيا، واقع الحال يقول إننا كرسنا مركزية الوزارة بتضخيم جهازها الإداري بإضافة قطاعات واستحداث وحدات تنظيمية لم تكن موجودة، لقد أوجدنا كيانات إدارية غير واضحة المعالم، أي الدور والوظيفة وهي المناطق التعليمية، ولم نلتفت صوب المدرسة ككيان إداري مهم، بل حجمنا مسؤوليتها في عملية اتخاذ القرار إلى الحد الذي جعلها كياناً إدارياً هشاً تابعاً ومعتمداً على غيره، وأي اعتماد.

هكذا أديرت الأمور في اتجاه التطوير نحو اللامركزية، وخلال العقدين الماضيين تضخم الجهاز الإداري في وزارة التربية وكان ذلك استجابة للتضخم الوظيفي في أجهزة الدولة ككل، إلا أن ذلك شكل عبئاً كبيراً على أداء هذا الجهاز المهم، وأثر بلا شك في مشاريع التطوير في جميع جوانبه.

إن النظر إلى البنية الإدارية الداخلية للنظام التعليمي من منظور نقدي هو ما ترمي إليه هذه المقالة، فقبل أن نفكر في تطوير المناهج وأداء المعلمين وبيئة التعلم وغيرها، علينا أن نبني أجهزة إدارية عالية الكفاءة تتمكن من استيعاب المتغيرات الحديثة في تطوير نظم التعليم، فعلى سبيل المثال هل القطاعات الحالية في الوزارة مناسبة هل يمكن تقليصها؟ هل يمكن بناء هيكل تنظيمي للوزارة يتصف بالفاعلية والمرونة، كأن يقتصر دوره على السياسات والخطط العامة والتمويل والمناهج؟ وهل يمكن تطوير المناطق التعليمية لتكون أجهزة تُعنى بالتطوير المدرسي والتقويم إضافة إلى المهام الإدارية الأساسية كالتوظيف والتعيين والترقيات؟ وهل يمكن إعادة التفكير بوضع المدرسة بحيث تتحول إلى كيان إداري تربوي يعتمد على قوته البشرية وإمكاناته، يتخذ قرارات حقيقية كالمشاركة ببناء المناهج واختيار أساليب تنفيذها، ووسائل الإشراف على تقويم التلاميذ والمعلمين والبيئة المدرسية، ووضع التوقيتات المدرسية، وتنمية الموارد المالية، وغير ذلك؟

في تقديري نحن الآن في الوقت المناسب، وإن تأخرنا، لنفكر بجرأة أكبر، قد يتطلب ذلك بعض التضحيات لكن لا بأس فهل نبادر؟

back to top