رياح وأوتاد: قواعد للقضاء على الفساد ولكن من يجرؤ؟

نشر في 10-02-2020
آخر تحديث 10-02-2020 | 00:10
على الرغم من وجود بعض التشريعات الجيدة فإنها تشكو من عدم التطبيق الجاد والشفاف لها، فمن المعروف أن الشفافية تقتضي علانية كل الإجراءات التمهيدية التي تسبق التعاقد لا مجرد التعاقد فقط، وذلك لضمان خلوها من العيوب، ولإبداء رأي المتخصصين بها.
 أحمد يعقوب باقر وقائع وبلاغات الفساد في الشهور الماضية كانت هي الأكثر في تاريخ الكويت، وجاء ترتيب الكويت في مؤشرات الفساد فاضحاً بعض مؤسسات الدولة، وكاشفاً عوراتها رغم كل ما تحمله من أجهزة يفترض بها اكتشاف ومنع جميع أنواع النصب والتربح وانتهاك المال العام.

ولا شك أن هذا الواقع المؤلم يدل على عدم تطبيق قواعد مهمة وبدهية بشأن التعامل مع الفساد والتي أهمها:

أولاً- المسؤولية:

حيث تنص القاعدة الشرعية الإسلامية التي أخذتها أمم الأرض كلها أنه حيثما تكون السلطة تكون المسؤولية "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، وقد نص الدستور الكويتي أن الحكومة هي السلطة المهيمنة على مصالح الدولة (م123)، فعلية تكون الحكومة هي المسؤول الأول عن تفشي الفساد، وعليها المسؤولية الأولى في اكتشافه ومكافحته، ولكن وللأسف تدل مؤشرات الفساد على تقصير كبير في دور الحكومة، كما لم تصدر الأحكام القضائية بالإدانة إلا على عدد قليل من كبار المسؤولين رغم أنهم يملكون السلطة الأكبر، فكلما كانت السلطة داخل الحكومة أكبر كانت المسؤولية أكبر، فوكيل الوزارة يتحمل من المسؤولية عن أي فساد فيها أكثر مما يتحمله مدير الإدارة، ويتحمل الوزير أكثر مما يتحمله الوكيل وهكذا.

وبناء على ذلك فالحكومة مطالبة بالعمل الجاد والمراقبة الدقيقة لكل أعمالها لكي تضمن منع أي مدخل للفساد، وهي مطالبة بموقف أكثر حزماً ومتابعة دقيقة لكبار الموظفين وصغارهم، ويكفي أن نورد هنا ما نصت عليه المذكرة التفسيرية للدستور: "تحقيق رقابة ذاتية يمارسها رئيس مجلس الوزراء على الوزارات المختلفة مما يضاعف أسباب الحرص على المصلحة العامة والتزام الوزارات للحدود الدستورية والقانونية المقررة". إذًا فالدستور يلزم رئيس الوزراء بالرقابة الصارمة على الوزراء.

ثانياً- القوي الأمين:

قال تعالى: "إن خير من استأجرت القوي الأمين"، ويدخل في مفهوم القوة الكفاءة والخبرة والقدرة على الإنجاز والرقابة على الأعمال والموظفين، ويبدأ الاختيار من أعلى المناصب كالوزراء والقياديين إلى أدناها، وعليه فإن ظهور هذا العدد الهائل من قضايا الفساد في الكويت يدل على خلل خطير في التعيينات خاصة القياديين، الذين ظهر في بعضهم الفساد أو الضعف الذي أدى إلى عدم اكتشاف الخلل والقبض على مرتكبيه في مختلف الجهات، وقد رأينا كيف أدى تعييناً ناجحاً أجراه الوزير السابق بدر الحميضي للدكتور فهد الراشد إلى اكتشاف د. فهد ما كان يجري في التأمينات من مخالفات استمرت سنوات.

ثالثاً- السلطة التشريعية:

إن فساد السلطة التشريعية من أعظم الفساد، لأنها هي المسؤولة عن التشريع وعن تفعيل ما تملكه من أدوات الرقابة والتحقيق والتقصي، وللأسف تخلى الكثير من أعضاء هذه السلطة عن دورهم هذا بعد أن شلت أدواتهم بالمعاملات والهدايا والإيداعات وتبادل المصالح، وانهمك كثير منهم بالترويج للقضايا الشعبوية لإلهاء الناس، وسكتوا عن إصدار التشريعات المطلوبة التي سأبينها بعد قليل، وتراخوا في إعمال الرقابة الصارمة، وشاركوا السلطة التنفيذية في الواسطات وفي التعيينات الباراشوتية فكانت النتيجة كما رأينا.

رابعاً- المواطن:

تنص الشريعة الإسلامية على وجوب إنكار المنكر على كل مسلم باليد أو باللسان إذا استطاع، وتنص المادة 14 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية على: "كل شخص شهد ارتكاب جريمة أو علم بوقوعها عليه أن يبلغ ذلك فوراً الى جهات التحقيق"، كما تنص المادتان 20 و37 من قانون الهيئة العامة لمكافحة الفساد على واجب كل شخص علم بوقوع جريمة من جرائم الفساد إبلاغ الهيئة عنها، كما تنص المادة 39 من القانون ذاته على سرية هوية المبلغ، وقد نجح بعض الوطنيين في الإبلاغ عن بعض جرائم الفساد، ولكن ومع ذلك فقد تبين أن جرائم أخرى في أوساط حكومية تعج بالموظفين، ولكن لا يتم الإبلاغ عنها إلا بعد فوات الأوان مما يعد إخلالاً بدور المواطن الصالح الحريص على وطنه ومستقبل أبنائه، وللأسف فإن كثيراً من المواطنين يكتفي بالتحلطم في الدواوين دون أن يمارس حقه في الإبلاغ، رغم ضمان سرية هوية المبلغ، وقد جاء في الحديث: "من قال هلك الناس فهو أهلكهم".

خامساً- الأجهزة الرقابية:

في الكويت أجهزة رقابية أكثر من أي دولة أخرى في العالم وأهمها ديوان المحاسبة الذي لا تؤخذ غالباً قراراته وملاحظاته على محمل الجد، كما ينص قانونه على حق مجلس الوزراء في الحكم بينه وبين الوزارة أو الجهة الحكومية عند وقوع الخلاف بينهما، ويلاحظ ان بعض الصفقات التي رفضها الديوان وأقرها مجلس الوزراء، بعد ذلك ظهرت فيها مشكلات أدت الى تحويلها الى النيابة فيما بعد، أما لجنة المناقصات فقد كُشفت فيها حالات فساد تمت إحالة أعضاء منها إلى القضاء بسبب سوء التعيين كما ذكرنا.

سادساً- التشريعات:

على الرغم من وجود بعض التشريعات الجيدة فإنها تشكو من عدم التطبيق الجاد والشفاف لها، فمن المعروف أن الشفافية تقتضي علانية كل الإجراءات التمهيدية التي تسبق التعاقد لا مجرد التعاقد فقط، وذلك لضمان خلوها من العيوب، ولإبداء رأي المتخصصين بها، وقد فوجئت الكويت بتعاقدات ثبت ضررها وفسادها في السابق، وبالإضافة الى ذلك فإن الكويت تخلو من بعض التشريعات الضرورية مثل قانون تعارض المصالح، وقانون القيم البرلمانية الذي يمنع هدايا وعطايا النواب وتدخلاتهم في الشؤون التنفيذية والقضائية، وكذلك قانون واضح وصريح وخال من الاستثناءات لتنصيب القياديين، وأيضاً قانون دقيق جامع ومانع للتوصيف والترقيات الوظيفية خاصة في الوظائف الخطيرة مثل القضاء والفتوى والتشريع والإدارة القانونية في البلدية والخبراء، وكان الأجدر بالسلطة التنفيذية أن تبادر إلى تقديم هذه التشريعات في مجلس الأمة، وتتحمس لها بدلا من انتظار اقتراحها من بعض الأعضاء وعدم إعطائها الأولوية.

هذه هي أهم قواعد مكافحة الفساد، ولكن هل يجرؤ كبار المسؤولين على القيام بدورهم المذكور؟ وهل يجرؤ المواطن على الإبلاغ ؟ فلننتظر التقرير القادم لمدركات الفساد، وإن غداً لناظرة قريب.

ترتيب الكويت في مؤشرات الفساد جاء فاضحاً بعض مؤسسات الدولة وكاشفاً عوراتها
back to top