ما قل ودل: «لم يبق من فلسطين بأيدينا ... إلا بقية دمع في مآقينا»

نشر في 09-02-2020
آخر تحديث 09-02-2020 | 00:10
 المستشار شفيق إمام والبيت لشاعر النيل حافظ إبراهيم معدلاً على مقتضى الحال، بعد صفقة القرن.

ولست من دعاة اليأس والاستسلام لهذه الصفقة، لكنني أدعو إلى أن نعيد تقييم ما بأيدينا الآن، ولو كان دمعة يذرفها كل عربي وكل مسلم وكل إنسان في مشارق الأرض ومغاربها، على شعب فلسطين الذي لا يزال يقاوم على أرضه وفي الشتات مدة فاقت السبعين عاماً، يتساقط فيه الشهداء كل يوم، في صمت عالمي رهيب، ولم ييأس هذا الشعب لأن اليأس شعور يصيب الإنسان بفقدان الأمل، ولكن الشعب الفلسطيني لم ولن يصل، بإذن الله، إلى القنوط الذي هو أشد من اليأس، والذي يعني انعدام الأمل والرجاء.

التفاوض حول الصفقة استسلام

فصفقة القرن لا تعدو أن تكون وثيقة استسلام للشعب الفلسطيني، برعاية أميركية للقبول بشروط مسبقة مذلة، تفرض بعد الحروب عادة على الدول المهزومة فيها، بل هي أشد إذلالاً من هذه الشروط، فهي تفرض على الشعب الفلسطيني الاعتراف بثوابت أساسية لا تقبل التفاوض أو الخروج عليها في صفقة القرن، وهي:

أولاً- الاعتراف بما يلي:

1- يهودية دولة إسرائيل، لتصفية أوضاع الفلسطينيين عام 1948 الحاصلين على الجنسية الإسرائيلية والذين لهم 12 مقعداً في الكنيست لطردهم وبمباركة أميركية أيضاً من الدولة اليهودية إلى ما تبقى من أرض الضفة.

2- بالقدس عاصمة لإسرائيل غير مقسمة شرقية وغربية.

ثانياً: الاعتراف بسيادة إسرائيل:

1- على الأراضي التي أقيمت عليها المستوطنات الإسرائيلية كاملة.

2- على غور الأردن: وهي الأراضي الفلسطينية المتاخمة للمملكة الأردنية الهاشمية، لأسباب أمنية، تخفي حصار الشعب الفلسطيني داخل هذه الكانتونات.

3- على غزة وعلى الطرق التي تربط الضفة الغربية بغزة والتي يجب أن تمر فوق أو تحت الأراضي الخاضعة للسيادة الإسرائيلية.

فما الذي تعطيه صفقة القرن للفلسطينيين للتفاوض عليها؟

1- ما تبقى من الضفة الغربية من أراض صحراوية.

2- كانتونات يقيم فيها الفلسطينيون الآن في الضفة الغربية منعزلة عن بعضها، يربط بينها طرق تحرسها نقاط تفتيش إسرائيلية.

3- إنشاء طريق سريع يربط بين ما بقي من الضفة الغربية في هذه الكانتونات وبين غزة.

4- إدارة محلية للفلسطينيين في الضفة الغربية وفي غزة منزوعتي السلاح.

5- تعهد إسرائيل بعدم بناء مستوطنات جديدة لمدة أربع سنوات.

6- النظر بعد أربع سنوات في إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح على هذه الأرض.

وجدير بالذكر أن إسرائيل لم تف بأي تعهد لها في أي اتفاقية تحت إشراف دولي منذ بدء المفاوضات الدبلوماسية بعد قرار مجلس الأمن سالف الذكر.

وهل سيقف القمع الإسرائيلي للشعب الفلسطيني بعد الصفقة؟ لا أعتقد بل سيزداد الاحتلال الإسرائيلي قسوة وعنفاً وصلفاً وقد أضفت الصفقة عليه شرعية لم تكن له من قبل.

ومصداقاً لذلك ما أصدره وزير الدفاع الإسرائيلي بعد أقل من أسبوع من إعلان صفقة القرن من قرار بمنع تصدير حاصلات الضفة الغربية الفلسطينية إلى الخارج، حيث يصدر الفلسطينيون سنويا ما قيمته 3 مليارات دولار من هذه الحاصلات، في حين تصدر إسرائيل حاصلاتها الزراعية سنوياً بقيمة 120 مليار دولار، وكنت قد نبهت في مقالي على هذه الصفحة يوم الأحد الماضي صبيحة صدور هذا القرار تحت عنوان "مذبحة القرن والعقوبات الاقتصادية القادمة..." إلى أن الخطوة التالية هي العقوبات الاقتصادية القادمة لتجويع الشعب الفلسطيني وتركيعه.

مخالفة قرار مجلس الأمن

وقد خالفت صفقة القرن قرار مجلس الأمن رقم (242) الصادر في 22 نوفمبر 1967 فيما قرره من:

1- التأكيد على عدم جواز الاستيلاء على الأراضي عن طريق الحرب.

2- الحاجة إلى العمل لأجل سلام عادل ودائم تستطيع فيه كل دولة في المنطقة أن تعيش في أمان.

3- انسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية من أراض احتلتها في النزاع الأخير.

4- التوصل إلى تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين.

الدبلوماسية والقوة المسلحة

في قول مأثور لكسينجر "هناك زواج بين الدبلوماسية والقوة المسلحة، وليس بينهما طلاق"، وهي حقيقة لا تخفى على المفاوضين في أي نزاع يشجر بين الدول في السلم والحرب، وكانت هذه الحقيقة خلف تقدم القوات الإسرائيلية إلى الكيلو 21 على طريق السويس بعد قرار وقف إطلاق النار في 22 أكتوبر 1973، لتكسب مركزاً تفاوضياً أفضل، وهي تعلم علم اليقين، أنها لن تستطيع أن تتقدم خطوة أخرى إلى القاهرة.

وكانت هذه الحقيقة هي سبب نجاح المفاوضات بين مصر وإسرائيل في اتفاقية كامب ديفيد برعاية أميركية، التي استردت بموجبها مصر كل الأراضي المصرية التي احتلتها إسرائيل بعد الخامس من يونيو 1967، وفي بسط سيادة مصر على كل هذه الأراضي بما فيها مستوطنة إيمات الإسرائيلية التي رفض الزعيم الراحل أنور السادات بقاءها حتى لو كانت تحت السيادة المصرية، حتى لا تصبح مسمار جحا لإسرائيل على الأرض المصرية، وقد استطاعت مصر بعد ذلك أن تقيم منتجعاتها السياحية في الغردقة وشرم الشيخ ودهب ورأس علم ونويبع وطابا بعد تحكيم دولي قرر أحقية مصر في الأخيرة.

كانت مصر في هذا التفاوض مسلحة بقواتها المسلحة التي استطاعت أن تقهر أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، من خلال الدور العظيم للجيش المصري الذي عبر أخطر وأكبر مانع مائي زرعت إسرائيل فيه أنابيب النابالم لتحيل قناة السويس إلى بحيرة من نار تلتهم كل من يعبرها من قوات، وهو العبور الذي أدهش العالم كله.

كما أدهش العالم كذلك، أن القوات المسلحة المصرية استطاعت في الساعة الأولى من اقتحام هذا المانع المائي هدم حائط بارليف، بخراطيم المياه، وكان يقال قبل ذلك إن هدمه يحتاج إلى قنبلة نووية، وأصبح هذا العبور الأسطوري يدرس في الأكاديميات العسكرية في العالم كله.

فالتفاوض مع إسرائيل حول صفقة القرن في هذا الزمن الرديء زمن ترامب وقواعده العسكرية في الشرق الأوسط معدوم الجدوى والفائدة.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

back to top