«اعترافات متجمدة» رواية سياسية تتأرجح بين رذاذ الذكريات وصقيع الواقع الحزين

تتبع رحلة هارب من الجفاف والهجير إلى بلد الثلج والغيوم الرمادية

نشر في 04-02-2020
آخر تحديث 04-02-2020 | 00:02
غلاف «اعترافات متجمدة»
غلاف «اعترافات متجمدة»
ينسج الكاتب سعود هلال الحربي رواية «اعترافات متجمدة» بخيوط الهم الاجتماعي، مضمراً بالبعد السياسي، ضمن خطاب سردي متقن ومفردات سلسة.
أصدر الكاتب سعود هلال الحربي رواية "اعترافات متجمدة"، متتبعاً رحلة للبحث عن حياة أفضل ضمن عالم يتسع لتحقيق الأحلام، راصداً الهموم التي يعانيها الفرد أينما حل، ضمن سرد يتأرجح بين البعد السياسي والاجتماعي.

تبدأ الحكاية بـ"اعترافات متجمدة" في السماء وبين الغيوم، حيث يروي السارد حكاية خالد الذي لم يعتد أن يرى جنيف في هذا المنظر رغم قسوة الشتاء في أوروبا، عندما اخترقت الطائرة السحب الرمادية المتراكمة اقترابا للهبوط هاله البياض الذي يغطي الأرض. وعقب هبوط الطائرة كان عبدالسلام المغترب المصري في استقبال صديقه خالد، عبدالسلام السويسري حالياً، إذ إنه اعتاد على استقبال خالد في المطار، ويودعه كما أنه يذهب معه في جولاته رغم محدوديتها، كما أنه يحب أن يكون معه عبدالسلام الرجل الستيني الذي قدم إلى جنيف قبل أكثر من عقدين ونصف، معتقدا أنه سيمكث بضعة أعوام ويعود إلى الفيوم، ولكن أيام مكوثه في جنيف كانت أطول مما تصور إلى أن تزوج فتاة فرنسية وطاب له المقام.

حكاية مكررة

اتصف لقاء الصديقين بحرارة المشاعر، فكان حميميا، وكانت الأسئلة بينهما تنطلق سريعا عن الصحة والعمل والحياة الخاصة والعامة، وكان كل منهما يقدم تقريرا عن حياته وفي النهاية يدركان أنهما يكرران الموضوعات ذاتها، وان اختلفت طريقة التعبير، وكأن الزمن متوقف، ويعيدان حكاية مكررة، فتركز الرواية على أن الزمن يمضي بينما الهموم ذاتها لاسيما في الوطن الأم. يعقد عبدالسلام مقارنة بين بلده الأصلي وبلد المهجر، وعندما جاء الحديث عن الطقس توسع عبدالسلام في وصف خوفه من استمرار الثلوج، وأثر ذلك في الحياة التي تتوقف، وكيف كان يعاني قسوتها وبطء إيقاعها، ثم يبتسم عندما يستذكر تجمع المياه (الترع)، ثم يضفي إلى الحديث مواقف طريفة بخفة روحه.

الدوق الألماني

يرصد خالد البياض الذي يسيطر على المكان، وكان يردد في نفسه وأحس بذلك أكثر عندما خرج مع عبدالسلام من المطار متجها إلى فندقه الأنيق الهادئ الذي ينزل فيه في كل مرة الجاثم على زاوية من زوايا جنيف بين بحيرة ليمان وأحد الشوارع الفرعية وأمامه المقهى الذي يتربع في حديقة بسيطة تحتضن ضريح الدوق الألماني تشارلز الثاني دوق برونزويك، الذي توفي في جنيف عام 1873، وأوصى بثروته إلى مدينة جنيف مقابل أن يعمل له ضريح أمام البحيرة، وتم ذلك عام 1879.

كان الثلج يتمدد على صدر الأرض الأخضر منها واليابس، وكانت الحركة بطيئة بسبب الثلج وكثرة إشارات المرور المتناثرة في شوارع جنيف بين التقاطعات المزدحمة، فما أن تترك اشارة حتى تظهر أخرى. كان المنظر يسلب لبه ويشعره بأجواء أخرى لأنه، لا يأتي إلى جنيف الا في شهر أبريل أو مايو لأنهما الأجمل من وجهة نظره، والأكثر ملاءمة لمزاجه وطبيعته النفسية والذهنية، وذلك عندما ينحسر الشتاء ويتنفس الربيع ويطول النهار والدفء يتسلل الى الوجود، لذلك كانت معظم رحلاته اما ان تبدأ في جنيف أو تنتهي بها.

ابتسامة فرح

في اليوم الثاني، يبدأ الخيال لدى خالد، فيرى المدينة في شكل آخر وكأنها عروس من بياض الثلج، عروس تسير بخطى بطيئة وابتسامة فرح مكتومة أو كما قال الشاعر (والمدينة غادة حسناء لعوب) حتى عندما نظر إلى شاطئ البحيرة رأى المياة التي تتقاذف بفعل الأمواج وتتجمد فوق الرصيف فأعطاها منظرا جذابا وأنيقا، وقال في نفسه "شتان بين تجمد المياه هنا وبين التراب الناعم والنائم صيفا في بلدنا على طرفي الطرق أو منتصفها".

هتلر العربي

تمضي الرواية، في محطات متنوعة في كل محطة يتعرف خالد على المحيطين به ونسيجه الاجتماعي الجديد، ومنهم العامل في الفندق ميلر ودابو السنغالي، ورواد مقهى النيل المحافظ على شكله العربي وثقافته الأصلية، وهتلر أو الشخص العربي الملقب بهتلر الذي يتحدث عن الإنسانية، وانتهاك حقوق الإنسان واستلابه وتدميره ومصادرة الأوطان.

رحلة سفر

من أجواء الرواية: "بدأ القراءة كأنه في رحلة سفر جديدة عاد للتاريخ عندما صعد الى غرفته المطلة على الشارع المقابل للفندق، رأى الثلوج تتوالى سقوطها بشكل بديع تمنى ان يكون رساما ليعبر عن احساسه بهذا المنظر، وشعر لحظتها بأنه غير قادر على عمل اي شيء سواء قراءة أو كتابة أو حتى تفكير، فهو لم يسترح من سفره بعد، فكان يومه حافلا بحركته وحواراته، فما كان منه الا تمدد على سريره بانتظار قطار الراحة أو النوم، ومع ذلك تعسر عليه ذلك رغم الاغماض والمحاولات المتكررة، الى ان قرر ان يضع كرسيا بجانب النافذة، ويشاهد الثلوج والشارع والحركة.

مازال الثلج يتساقط والغيوم الرمادية الداكنة تغطي الكون الصامت تشعرك بأنها قريبة منك، وشيئا فشيئا كان الليل يرخي سدوله على الوجود من خلف الغيوم ويسد منافذ كل ضوء آت من الشمس، حتى ان كان بسيطا بفعل السحب والثلوج، وعندما اشتد الظلام كان منظر المصابيح المراقص يداعب خياله ويمده بطاقة نفسية ومزاج جميل، فهو القادم من الصحراء والجفاف والهجير يشجيه هذا المنظر، ويحب المطر لرمزية ارتباطه بالربيع والجمال الذي لم يره في بلده منذ سنوات سميت العجاف، وأجمل من ذلك كله الصمت والهدوء، لأنه بحاجة اليهما يريد ان يستريح، وأن يتصالح مع نفسه المتعبة. من صخب الحياة وضجيجها ومشكلاتها والمشاعر المتضاربة في جوفه، وهذا سبب قدومه لا شيء محدد في ذهنه، عندما هم بالسفر فقط الراحة ثم الراحة لا أكثر، وهناك شيء آخر بالنسبة له، فهو يحب ليل الشتاء في أوروبا تحديدا، فطول الليل والهدوء يجعلانه ينام نوما عميقا ويمدانه براحة وتجدد ذهني، لدرجة انه كان ينظر في وجهه بعد الاستيقاظ، ويرى عينيه وبقايا النوم عليهما وفي أجمل وضع يراهما تكون تلك اللحظة. وعندما شعر بتوقف كل شيء عن التأثير فيه لاعتياده منظر الثلوج والمصابيح والليل ترك النافذة، وأخذ كتابا وتمدد للقراءة كان عنوانه "اعترافات جان جاك روسو" صديقه والمحبب إلى نفسه والمتماهي معه في لحظات شبابه وعنفوانه، وهذه مسألة نفسية لديه، فعندما يقرأ لكاتب أو فيلسوف ويستمر في البحث عن إنتاجه يصبح جزءاً من تكوينه النفسي والذهني وهذا بالضبط ما حصل مع جان جاك روسو، لأنه أول فيلسوف قرأ له، وأعجبته فكرة العقد الاجتماعي والحرية والطبيعة الإنسانية التي نادى بها كثيرا، ومن هنا كان حبه لقراءة تلك الاعترافات ليفهم شخصية روسو، ومدى وضوحه وشفافيته وقدرته على الحديث عن نفسه، رغم أنه قرأها قبل اكثر من 30 عاما، ومع ذلك شعر برغبة جديدة في العودة الى الاعترافات.

صخب الحياة وضجيجها

يدون الكاتب على غلاف الرواية الخلفي ما يلي: «مازال الثلج يتساقط، والغيوم الرمادية الداكنة تغطي الكون الصامت وتشعرك بأنها قريبة منك، وشيئا فشيئا كان الليل يرخي سدوله على الوجود من خلف الغيوم، ويسد منافذ كل ضوء آت من الشمس، حتى ان كان بسيطا بفعل السحب والثلوج، وعندما اشتد الظلام كان منظر المصابيح المتراقصة يداعب خياله، ويمده بطاقة نفسية ومزاج جميل، فهو القادم من الصحراء والجفاف والهجير، يشجيه هذا المنظر، ويحب المطر لرمزية ارتباطه بالربيع والجمال الذي لم يره في بلده منذ سنوات سميت العجاف، وأجمل من ذلك كله الصمت والهدوء، لأنه بحاجة إليهما يريد أن يستريح، وان يتصالح مع نفسه المتعبة من صخب الحياة وضجيجها ومشكلاتها، والمشاعر المتضاربة في جوفه، وهذا سبب قدومه لا شيء محدداً في ذهنه عندما همَّ بالسفر، فقط الراحة ثم الراحة لا أكثر. هناك شيء آخر بالنسبة إليه، فهو يحب ليل الشتاء في أوروبا تحديداً، فطول الليل والهدوء يجعلانه ينام نوما عميقا، ويمدانه براحة وتجدد ذهني، لدرجة أنه كان ينظر في وجهه بعد الاستيقاظ ويرى عينيه وبقايا النوم عليهما، وأجمل وضع يراهما كان في تلك اللحظة.

النسيج الاجتماعي في الرواية متنوع وينتمي إلى ثقافات مختلفة
back to top