المكانة في المجتمع الكويتي

نشر في 31-01-2020
آخر تحديث 31-01-2020 | 00:06
 د. فيصل ملفي المطيري أصبح هوس السعي إلى المكانة العالية هاجساً مزعجاً، يقض مضاجع الكثير من أفراد المجتمع الكويتي في هذا الزمان، بالرغم من مكانتهم الاجتماعية الآمنة والتقدير الكافي الذي يمنحهم إياه الآخرون.

قد يكون الأمر مفهوماً بل محموداً حينما يكون الدافع الذي يقف خلف ذلك هو الطموح أو الشغف المستمر والرغبة الملحّة في تحمّل عناء ارتقاء درجات سلالم الجدارة والاستحقاق الاجتماعي، ولإثبات القدرة على زيادة شيء على الدنيا كما أوصى الصادق الرافعي، ولكن بماذا نفسّر الأمر حينما يشتد ازدحامهم عند المصاعد؟ أي كيف يمكن أن نفسر هوس أولئك المترفين في السعي وراء المكانة العالية بهذه الوسيلة المريحة للانتقال والتحول؟ ولماذا؟

في اعتقادي، تفسير ذلك يعود لخصائص طبيعة مجتمعنا اليوم، مجتمع الوفرة والظهور والرغبات المؤججة، الذي غيرت دلالات لفظ ومعنى المكانة العالية بشكل راديكالي، فلم تعد تلك المكانة مرتبطة بالوقار وحب الناس واحترامهم، بقدر حب الذات والماديات والاشتهاء والتجرد من المبادئ، فهم يعتقدون أن المكانة العالية والمقام الرفيع مقترنان بالضرورة بالثروة والسلطة والشهرة فقط، وهو اعتقاد عالمي شائع وقد يكون متفقا عليه، لا يقتصر على حالتنا هذه، ولكن هناك ضوابط وشروط في نظام الجدارة والأفضلية تم الاستخفاف بها أو الالتفاف عليها عمداً للارتقاء إلى تلك المكانة العالية والاستيلاء عليها في مجتمعنا، فعلى سبيل المثال، يعتقد آلان دو بوتون، أن أيديولوجية الإنجاز هي أساس مقتضيات المكانة العالية، وعبّر عن ذلك صراحةً من خلال تعريفه لمن يتبوأ ذلك الموقع، حين قال: "هو كل من استطاع أن يحوز مالاً وسلطة وشهرة بفعل منجزاته لا بحكم الوراثة"، فلا تستطيع الغاية في هذا السياق أن تبرر الوسيلة إلا في عقول يملؤها الطمع والبؤس والوضاعة كرؤوس الفاسدين التي استطاعت للأسف تدليس وتزوير إنجازاتها وتسويقها في المجتمع، حتى بلغت التأثير فانتشرت العدوى في هذا الجيل، فأصبح أغلبهم لا يرغب أن يمشي سوياً على الأرض الذلول، ولا يود أن يخفض للقناعة جناح الذل، فراجت ثقافة الطيران للقمة.

إذاً، يجب أن تكون المكانة العالية أساسها أيديولوجية الإنجاز، وهي بطبيعتها تشير إلى مجموع الأفكار والعقائد التي تتصور أن النجاح قائم على ركيزتين أساسيتين هما العمل الجاد والتعلم، وأن معايير هذا النجاح ومحدداته تعود لثقافة المجتمع في ضوء فهمه وتعريفه للنجاح وليس بناء على فهم الفرد نفسه (ساندرا بارنز، 2002).

فهم هذه الأيديولوجية يضعنا أمام مسؤولياتنا كمجتمع متحضر، ويدعونا أن نرجع البصر كرّتين في معايير النجاح لدينا، لخلق قدوة حسنة أو مثلاً أعلى، والتأكد من ركائزها المحفوفة بالتعب والمشقة والنية الطيبة، حتى نؤدي الأمانات لأهلها الأخيار، ونسلمهم أماكنهم المرموقة التي تليق بهم وبنا، نصراً لتاريخنا وحفظاً لهويتنا وحباً بأجيالنا القادمة ورفعة لثقافتنا.

back to top