بوتين وانقلابه الفارغ

نشر في 29-01-2020
آخر تحديث 29-01-2020 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت يبدو أن فلاديمير بوتين يهيئ نفسه للبقاء زعيما لروسيا إلى ما بعد نهاية فترة رئاسته بمدة طويلة، ولا يأتي هذا التوجه كمفاجأة لأي مراقب، ففي خطابه السنوي عن حالة الأمة الذي ألقاه قبل أيام، رسم بوتين خريطة طريق لإصلاح المؤسسات السياسية في روسيا، مما يعني ضمنا تغييرا دستوريا كبيرا، وبعد ذلك مباشرة، أعلن مجلس الوزراء بالكامل بقيادة رئيس الوزراء دميتري ميدفيديف استقالته.

كانت مقترحات بوتين غامضة وفي بعض الأحيان متناقضة ذاتيا، لكنها تقدم رؤى قيمة حول خططه لما بعد عام 2024، عندما تنتهي ولايته الثانية على التوالي والأخيرة من الناحية القانونية، فبادئ ذي بدء، يعتزم بوتين تحويل بعض الصلاحيات من الرئيس إلى مجلس الدوما (البرلمان)، ونقل صلاحيات كبيرة لم تحدد بعد إلى مجلس الدولة بقيادته شخصيا، وإلى مجلس الأمن.

وتشمل تغييرات أخرى مقترحة كبح وتطويع الضوابط والتوازنات الدستورية، والقضاء عمليا على الاستقلال القضائي، وإهدار استقلال الحكومات البلدية، وإعطاء الأولوية للتشريعات الروسية على الالتزامات الدولية. الواقع أن الدستور الروسي شديد الوضوح في التأكيد على أن تغيير هذه المبادئ الأساسية في النظام السياسي في روسيا حق مقصور على جمعية دستورية، وقد قال بوتين إنه لن يعقد جمعية دستورية، وعلى هذا فقد أرسى خطابه الأساس لخطة مفتوحة وشفافة لانقلاب، أو بتعبير أكثر دقة ما يطلق عليه علماء السياسة وصف "الانقلاب الذاتي"، الذي كان ذات يوم الأداة المفضلة لدى زعماء أميركا اللاتينية.

الواقع أن هذا الانقلاب لن يأتي بأي جديد: فالإصلاح الشامل للمؤسسات السياسية لا يعني أي تغيير في النظام السياسي في روسيا، وعلى حد تعبير فياتشيسلاف فولودين رئيس مجلس الدوما في عام 2014 "في وجود بوتين توجد روسيا، وفي غياب بوتين لا وجود لروسيا".

لا شك أن روسيا ستظل باقية بعد زوال الرجل، كان فولودين يشير إلى النظام السياسي الروسي، الذي خلقه بوتين على صورته، وقد يُعاد تشكيل هذا النظام، ولكن ربما لا يحدث ذلك إلا بعد خروج بوتين من السلطة، أما إذا كان بوتين سيخرج من السلطة مجبرا فإنها مسألة لم تناقش بجدية منذ زمن بعيد،

فمن خلال الإعلان عن خطط لتفكيك الضوابط والتوازنات، أوضح بوتين تماما أنه يعتزم التشبث بالسلطة، وإن كان لا يزال من غير المؤكد كيف سيقوم بتشكيل النظام، والواقع أن النخب الروسية كانت بلا أدنى شك تناقش خيارات بوتين منذ أن بدأ ولايته الحالية في عام 2018، لكن بوتين اختار الاقتداء بمثال الرئيس الكازاخستاني نور سلطان نزارباييف، الذي استقال من منصبه كرئيس، لكنه احتفظ بقدر كبير من السلطة التي كان يزاولها كرئيس.

ويبدو أن بوتين يرسي الأساس أيضا لاختيار خليفة مخلص، فمن بين مقترحاته فرض شرط إقامة أكثر صرامة لاختيار المرشحين الرئاسيين: حاليا، يجب أن يكونوا من المقيمين في روسيا لعشر سنوات على الأقل؛ ويريد بوتين أن يجعل المدة 25 عاما، ويبدو أن اقتراح إلغاء أولوية القوانين والاتفاقيات الدولية وقرارات الهيئات الدولية في روسيا يدفع في اتجاه غايات مماثلة، فقد دأبت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بانتظام على مناقضة الإدانات الجنائية التي يصدرها القضاء الذي يسيطر عليه بوتين في حق شخصية معارضة شعبية أخرى، أليكسي نافالني.

من أجل تجنب مقاومة التلاعب بالسلطة على هذا النحو، أعلن بوتين أيضا زيادة الإنفاق الاجتماعي السنوي بنحو 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وفي محل ميدفيديف، الذي يفتقر بشدة إلى الشعبية، وضع التكنوقراطي الكفؤ وإن كان غير ظاهر ميخائيل ميشوستن، الذي كان مسؤولا في السابق عن إدارة الضرائب.

مثله كمثل رؤساء الوزراء الآخرين الذين اختارهم بوتين من "غير السياسيين"- ميخائيل فرادكوف (2004-2007) وفيكتور زوبكوف (2007-2008)- يفتقر ميشوستن إلى القدر الكافي من الكاريزما لتحدي بوتين، ورغم أن ميشوستن يحظى بالاحترام لنجاحه في تبسيط ورقمنة النظام الضريبي، فإن شعبيته ضئيلة بسبب زيادة تحصيل الضرائب بشكل كبير تحت قيادته.

يبدو الأمر وكأن بوتين فكر في كل شيء، لكن احتياجه إلى كل هذا الجهد لحماية نفسه وخليفته المحتمل يكشف عن مدى ضعف موقفه، ففي ديسمبر من عام 2019، انخفض معدل تأييده، الذي اشتهر بالارتفاع، إلى 64% فقط (وهو معدل هزيل في نظره)، وبطبيعة الحال، من غير المرجح أن يقترب خليفته المخلص بأي حال من هذا المستوى.

على هذا، فإن الرسالة التي يبثها خطاب بوتين الأخير ليست أن النظام الروسي سيتحول، فهو لن يتحول، كما أدركت الأسواق المالية، التي لم تتزحزح بعد الخطاب. الرسالة بدلا من ذلك هي أن بوتين يعلم أن نظامه يقع على الجانب الخطأ من التاريخ، وهو مستميت في الإبقاء عليه هناك.

* سيرجي جورييف

* كبير خبراء الاقتصاد لدى البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية سابقا، ورئيس سابق للمدرسة الاقتصادية الجديدة في موسكو، وأستاذ علوم الاقتصاد في معهد الدراسات السياسية في باريس حاليا.

«بروجيكت سنديكيت، 2020» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top