علي عبيد: العمل الصحافي يحدّ من فرص المبدع وقدراته

حاز جائزة الطيب صالح مؤخراً عن مجموعته «لغة الأرض»

نشر في 28-01-2020
آخر تحديث 28-01-2020 | 00:03
على ناصية الحلم، يقف الأديب علي عبيد، يبث همومه وأوجاعه على بياض الورق، محاولاً الإمساك بالأثر الإنساني في علاقات البشر بالأرض والأوطان، أو بعضهم ببعض.
وتجلى ذلك في مجموعته «لغة الأرض»، الفائزة بجائزة الطيب صالح مؤخرا، ومن هذه العلاقات يغوص القارئ في أعمال عبيد، التي تبدو حلماً لأنسنة العالم من حوله.
وفي حوار معه لـ»الجريدة» من القاهرة، يتحدث الأديب العراقي عن حلمه، وأعماله، وتجربته في الجمع بين الصحافة والأدب، مؤكدا أن الصحافة تحد من قدرات المبدع، وإلى تفاصيل الحوار، فماذا قال:
• شاعر وقاص وكاتب صحافي أين تجد نفسك؟ ومن أضاف إلى الآخر؟

- أجد نفسي في المجال الأدبي، وأتفق تماما مع الرأي القائل بأن العمل الصحافي يحدّ من فرص وقدرات المبدع، وقد عانيت من هذا الأمر بنفسي، لقد أخذت مني الصحافة وقتاً ثميناً لا يمكن تعويضه، وحتى لا ألحق غبنا بالصحافة أو العمل الصحافي الخاص بي، أقول إنني حصلتُ منهُ على فائدتين، الأولى، كتابتي لأعمدة صحافية فاقت 200 عامود ثقافي، وانتهى المطاف بها إلى أنْ تُجمَع في كتاب تحت عنوان "ثقافة الجدران"، أما الفائدة الثانية فقد منحتني الكتابة الصحافية ميزة المطاولة في الكتابة، أي أنها ساعدتني في الاستمرار بالكتابة ساعات متواصلة وعدة أيام متعاقبة من دون أن أشعر بالتعب، لكنها سرقت مني أعواماً لو أنني استثمرتها في الإبداع لكانت تجربتي الإبداعية مختلفة عمّا هي عليه الآن بكثير.

المجالات الإبداعية

• ماذا ترى في فوز مجموعتك القصصية "لغة الأرض" بجائزة "الطيب صالح"؟ وهل اختلف الحال بعدها؟

- الجوائز الأدبية في عموم العالم وفي مختلف المجالات الإبداعية نوع من الإقرار بالمبدع وإبداعه، هذا أولا، وثانيا الجوائز تعطي للمواهب الجيدة زخما هائلا من المواصلة والمضيّ قُدُما نحو عوالم التميّز، أما جائزة الطيب صالح فهي في الحقيقة تأخذ قوَّتها ورصانتها وحيويتها من الاسم الأدبي الكبير الذي أُطلِقَ عليها، وهو الروائي الراحل الشهير (الطيب صالح)، والقيمة المعنوية لجائزة الطيب صالح تفوق بكثير قيمتها المادية. ومن المفارقات التي أتذكّرها وقد لا أنساها، أن المعلّم الأول الذي وضعني على سكّة الأدب في دراستي الابتدائية، حين سمع بفوزي بالطيب صالح وجاء لتهنئتي، قال وهو يبارك لي، إن هذا الفوز خير نهاية لمشوارك مع السرد، وهو مسك ختام متميز، حينئذ ضحكت واستغربت كلامه وقلتُ لهُ: بل هذا الفوز هو بداية المشوار يا معلمي. بالفعل هو تحد كبير وضعتني أمامه هذه الجائزة، وضاعفت من القلق الإبداعي الأشدّ جمالاً من بين جميع أنواع القلق، في الحقيقة هناك أعمال أدبية خطّطتُ لها قبل وبعد الفوز، وهي قيد التنفيذ، ومن أجمل ما قدَّمهُ لي هذا الفوز أنَّ تعاملي مع كتابة السرد باتَ مختلفا عمّا كان عليه قبل الفوز، أقصد أنهُ ضاعف من حجم المسؤولية والتحدي.

أبطال متمردون

• ماذا عن علاقتك بأبطال رواياتك وقصصك؟ وهل يتم السرد من خلال علاقة ودّ أم تنافر؟

-يعيدني هذا السؤال إلى قصة كتبْتها في بواكير رحلتي مع السرد، بطلة القصة جَدَّتي ذات الخاصية الحيوية المتسلطة، تجاوزت الثمانين ولاتزال في عنفوان عقها للأوامر والتحكّم في الجميع، كانت هذه الخاصية بطلة قصتي الموسومة بالعجوز، ومازلت كيف كان القلم هو الذي يسيطر عليَّ وينعت جدّتي بصفات ليست في مصلحتها، وهكذا أكون في حالة خصام بصياغة ورسم الشخصية عندما أكرهها في الواقع، هذا الأمر يتكرر مع شخصيات أحبّها وأرسمها بكلّ الودّ وأُكيلُ لها المديح وأبدو متصالحاً معها بدرجة واضحة، ولذلك سيجد القارئ أو الناقد شخصيات جيدة محبّبة وأخرى عكس ذلك، وحاولت في أكثر من مرة أن أتصالح مع شخصيات سيئة في الواقع من باب الاختبار، لكنني فشلت في رسم الشخصية بجودةٍ عالية بحيث كان الإقحام والافتعال والتصنّع يبدو واضحا لدرجة قد تطيح بالقصة فنيّاً. نعم هنالك أبطال يتمردون على الروائي وهو خالِقهم في النص، وهنالك أبطال مطيعون يستجيبون للرسم والخَلْق الإبداعي، لكنني أعتقد أنّ درجة التوازن النفسي للكاتب هي التي تتحكم في مدى التصالح والتنافر بينه وبين أبطاله.

الحركة النقدية

• هل حظيت أعمالك بمواكبة نقدية وفق ما تتمناه؟

- النقد متأخر دوماً في ملاحقته أو مواكبته لما يُطرَح من إصدارات أدبية، واليوم الهوّة بين النقد والأعمال الشعرية والسردية الجديدة واسعة إلى درجة يصعب ردمها أو حتى تقليصها، نعم هناك تجارب نقدية عربية بالغة الأهمية، ظهرت في الأدب الخليجي ومصر والعراق ولبنان والمغرب العربي، ولكن يظلّ النقد متأخراً أو متلكِّئا عن إنصاف ما يُطرح، وقد يكون هذا أحد أسباب الخلط المزري بين الغث والسمين مما يُنتَج في السرد وحتى الشعر، بالطبع هناك مؤتمرات وندوات نقدية تسعى بجدية لحصر المنجَز الأدبي بدقة والخروج بأُطر نقدية ثاقبة، إلا أنّ البون لايزال واضحا بين النقد والأجناس الأخرى كالرواية والمجاميع القصصية.

«شرق المتوسط»

• ما الرواية التي تمنيت أن تتناولها بشكل مغاير؟

- قبل عقدين أو أكثر أغرِمتُ بأسلوب عبدالرحمن منيف، بدأ ذلك حين قرأت روايته "شرق المتوسط" ثم شرعتُ بقراءة كل رواياته، وما أشدّ سحر الكلمة لديه في أقصر رواياته، وأعني رواية "قصة حب مجوسية" وبطلتها المتفرّدة ليليان.

رواية جديدة

• ما مشاريعك المستقبلية في حقل الكتابة والتأليف؟

- الشروع بكتابة عمل جديد أمر مخيف، هكذا أشعر بيني وبين نفسي، لا يمكنك أن تكتب قبل أن تتيقّن من أمرين حاسمين، الأول: هل لديك جديد متميز يتجاوز ما كتبتهُ سابقاً؟، الثاني: هل لديك قدرة على مواصلة الكتابة حتى نهاية العمل الذي بين يديك؟ هذان أمران أركّز عليهما كثيرا قبل البدء بالكتابة، أنجزت بعد مجموعة لغة الأرض مجموعة قصصية أخرى، تبنّت طبعها دار نشر مهمة، ربما تكون جاهزة للتوزيع خلال العام الحالي 2020، وهناك كتاب نقدي عنوانه "محاولة لتنسيق أحزان العالم"، أعمل على تنقيحه قبل النشر.

الجوائز الأدبية في عموم العالم وفي مختلف المجالات الإبداعية هي نوع من الإقرار بالمبدع
back to top