هل يحافظ السُّلطان الجديد على إرث قابوس السلمي؟

نشر في 24-01-2020
آخر تحديث 24-01-2020 | 00:04
يواجه السُّلطان العماني الجديد اضطرابات متزايدة في المنطقة، وتوقعات اقتصادية غير إيجابية محلياً، لذا يتعيَّن عليه أن يبذل قصارى جهده للحفاظ على مصداقيته في بلده، وحماية المكانة الإقليمية التي كان سلفه يتمتع بها.
بعد 49 عاماً على حُكم السُّلطان قابوس بن سعيد، تسلَّم قائد جديد السُّلطة في سلطنة عمان، توفي صاحب أطول فترة حُكم في العالم العربي بتاريخ 10 يناير، فأنهى بذلك حوالي خمسة عقود من التغييرات الجذرية، حيث حوَّل بلداً مزقته الحرب إلى واحة من الاستقرار ودولة وسيطة بين القوى المتناحرة.

أطلقت العائلة المالكة ومجالس الدفاع في السلطنة مسار الخلافة الرسمية على وجه السرعة، فدعت التلفزيون الحكومي إلى بث مراسم فتح ظرف مغلق يسمِّي فيه قابوس خلفه المفضَّل: وزير التراث والثقافة السابق هيثم بن طارق آل سعيد.

هيثم هو ابن عم السُّلطان قابوس، وقد اعتُبِر خلفاً محتملاً له منذ وقت طويل، يصفه كل مَن قابله بالرجل الهادئ والمتزن والمستمع الجيد، ويبلغ 65 عاماً، وهو خريج جامعة أكسفورد، وأمضى أكثر من عشر سنوات في وزارة الخارجية، وشارك في خطط ترمي إلى تنويع الاقتصاد العماني المبني على النفط (لم تنجح محاولاته عموماً)، قبل أن يتم تعيينه وزيرا للتراث والثقافة في عام 2002. تعهد هيثم، في أول تعليقاته العلنية كرئيس للبلاد، بـ«السير على خُطى السُّلطان الراحل، والتمسك بالمبادئ التي تبناها في السياسة الخارجية، أي التعايش السلمي بين الدول والشعوب، وعدم التدخل في شؤون الدول المجاورة».

في آخر 14 شهراً، استضافت مسقط زيارات فردية من زعماء متخاصمين نادراً ما يتقابلون وجهاً لوجه: رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس السُّلطة الفلسطينية محمود عباس، ونائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان ووزير الخارجية الإيراني جواد ظريف. في الوقت نفسه، تفيد التقارير بأن سلطنة عمان استضافت محادثات بين المملكة العربية السعودية والمتمردين الحوثيين، ولعبت دور الوساطة بين الطرفين لإنهاء حرب اليمن المدمرة والقائمة منذ خمس سنوات.

سبق أن التزم هيثم علناً بالحفاظ على الدور العماني كوسيط مستقل، ويتوقع منه معظم المراقبين أن يحافظ على إرث سلفه، المبني على دبلوماسية هادئة، فيشكِّل صلة وصل بين الولايات المتحدة وإيران، والسعودية والحوثيين. لكن استقلالية السياسة الخارجية انعكست على استقلالية الاقتصاد العماني، وأدى تراجع أسعار النفط وتناقص الاحتياطيات إلى التشكيك في هذه المقاربة.

منذ عام 2016، غداة تراجع أسعار النفط بدرجة هائلة، واجهت الحكومة العمانية عجزاً في الميزانية بقيمة 10 مليارات دولار سنوياً. هذا العجز زاد من مستوى الدين نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي من 5 في المئة عام 2014 إلى 50 في المئة عام 2018. وفي مارس 2019، انضمت مؤسسة موديز إلى معظم الوكالات الأساسية الأخرى، وخفضت تصنيفها للسندات العمانية الممتازة. لكن فشلت معظم المحاولات الرامية إلى تنويع الاقتصاد العماني وعدم حصره بقطاع النفط. وفي عام 1995، أعلن السُّلطان قابوس عن «رؤية عام 2020»، وهي محاولة طموحة لتقليص اتكال السلطنة على النفط، وتعزيز الابتكارات. لكن حلَّ عام 2020 الآن، ولا يزال النفط يشكِّل نحو 70 في المئة من عائدات الحكومة، ونصف الناتج المحلي الإجمالي تقريباً. تغيَّر اسم الخطة منذ ذلك الحين، وأصبح «رؤية عام 2040».

مع ذلك، تبقى البطالة على الأرجح من أكثر المشاكل الاقتصادية إلحاحاً في السلطنة، لاسيما بأوساط الشباب العماني، حيث بلغت نسبة البطالة 17 في المئة عام 2017، لكن مستواها يرتفع في فئة الشباب، التي تشكِّل نصف السكان تقريباً. وفي عام 2011، خلال الربيع العربي، شهدت سلطنة عمان أول موجة جدية من الاحتجاجات منذ عقود، فنزل آلاف المتظاهرين إلى الشوارع، احتجاجاً على الفساد وغياب فرص العمل. وأمام هذا الوضع، أعاد السُّلطان قابوس تشكيل حكومته، وتعهد بتأمين 50 ألف وظيفة حكومية جديدة. كانت تلك الوظائف في معظمها جزءاً من القطاع الأمني، لاسيما شرطة عمان السُّلطانية. في بلدات عمانية كثيرة، تحوَّلت أكبر المباني إلى مراكز جديدة للشرطة.

بشكل عام، تُعرَف سلطنة عمان بتسامحها مع المهاجرين، وتنوع سكانها، لكن مشاعر البغض تأججت حديثاً، بسبب سيطرة العمالة الوافدة على اليد العاملة، حيث يشكِّل المغتربون أكثر من 40 في المئة من الشعب، ويتفوق عددهم على السكان المحليين في بعض القطاعات (ثمانية مقابل واحد!). لذا أطلقت الحكومة خطة لإجبار الشركات على توظيف عدد إضافي من العمانيين بدل العمال الأجانب. لكن يبقى نجاح تلك الخطة محدوداً حتى الآن. وتتذمر الشركات من ضعف الأرباح، وتظن أن تقديم الفرص للعمانيين يتطلب ابتكار أدوار غير مُنتِجة وغير ضرورية. حين يغادر المغتربون البلد، تعمد الشركات أحياناً إلى إلغاء وظائفهم بدل توظيف العمانيين في مناصبهم.

وفي ظل تراجع احتياطيات النفط العمانية المحدودة نسبياً، يحتفظ البلد بأكثر من خمسة مليارات برميل بقليل، وهي كمية كافية لخمس عشرة سنة تقريباً. لذا بدأ المستثمرون يتساءلون عن قدرة الحكومة على تسديد ديونها، مع مواجهة البلد بعض الخيارات الصعبة، يقضي أحدها بأن تحذو سلطنة عمان حذو البحرين، وتوافق على خطة إنقاذ من الدول المجاورة الأكثر ثراءً في مجلس التعاون الخليجي. لكن أي حزمة إنقاذية مماثلة ستترافق على الأرجح مع كلفة باهظة على مستوى السياسة الخارجية العمانية المستقلة، لأن الدول العربية المجاورة لا تحبذ تقارب العلاقات بين السلطنة وإيران.

خيار آخر يقضي بالتوجه شرقاً، نحو المحور الصيني، حيث لا تزال الصين أهم جهة تشتري النفط العماني، وقد استثمرت حديثاً 10.7 مليارات في الدقم، ميناء جديد يقع بين مضيق هرمز وباب المندب (نقطتا اختناق استراتيجيتان على جانبَي شبه الجزيرة العربية). حتى الآن، لم يطرح النفوذ الصيني أي تهديد على سيادة السلطنة. لكن مثلما تعوق أي خطة إنقاذ من مجلس التعاون الخليجي السياسة الخارجية العمانية المستقلة، ستكون النتيجة مشابهة في حال أصبح الاتكال على بكين مفرطاً.

لكن إذا توافرت إرادة سياسية كافية، يمكن تجاوز هذه التحديات الاقتصادية كلها، ولن تكون سلطنة عمان المستفيدة الوحيدة من تحسين وضعها المالي وسياستها الخارجية المستقلة. لم يعاصر 90 في المئة من سكان السلطنة أي قائد آخر للبلاد، لكن سينال هيثم درجة من الشرعية محلياً، لأن السُّلطان قابوس، الذي يحظى باحترام كبير بين الناس، هو الذي اختاره شخصياً. كذلك، من المتوقع أن يكون الارتفاع البسيط في أسعار النفط، بعد إقدام الولايات المتحدة على قتل القائد الإيراني قاسم سليماني، كفيلاً بتأمين فسحة مالية مؤقتة. مع ذلك، يواجه السُّلطان الجديد اضطرابات متزايدة في المنطقة، وتوقعات اقتصادية غير إيجابية محلياً، لذا يتعيَّن عليه أن يبذل قصارى جهده للحفاظ على مصداقيته في بلده، وحماية المكانة الإقليمية التي كان سلفه يتمتع بها.

*نيكيتا لالواني، جوش روبين، سام وينتر ليفي

السُّلطان هيثم تعهد بالتعايش السلمي بين الشعوب وعدم التدخل في شؤون الدول المجاورة

يتوقع معظم المراقبين أن يتبع السُّلطان الجديد سياسة سلفه الدبلوماسية فيشكِّل صلة وصل بين أميركا وإيران والسعودية والحوثيين

سينال السُّلطان هيثم درجة من الشرعية محلياً لأن السُّلطان قابوس هو الذي اختاره شخصياً
back to top