إيران... العناد أم فرصة للتغيير؟

نشر في 16-01-2020
آخر تحديث 16-01-2020 | 00:10
 خليل علي حيدر السؤال الملح الذي كان ولا يزال يسأله الكثيرون داخل إيران وخارجها خلال تشييع جنازة قائد الميليشيات الإيرانية "قاسم سليماني"، والذي جرى في عدة مدن وسط جماهير غفيرة، لماذا ينال "الشهيد سليماني" حق هذا التشييع العلني والدفن بكل أبهة الشهداء نهاراً، والاحتفاء والمسيرات، ويحرم هذا الحق مئات الإيرانيين، بلغ عددهم نحو 1500، ممن صرعتهم أجهزة الأمن خلال الاحتجاجات الأخيرة، في "ثورة البنزين" في ديسمبر 2019، بخلاف آلاف الجرحى؟!، بل تم تهديد أهاليهم بضرورة الصمت وعدم إقامة حتى مجالس العزاء في المنازل لضحايا الانتفاضة، ولم يبق إلا منعهم من البكاء أو إبداء الحزن.

لماذا عاملت السلطات الإيرانية مئات الشباب والشابات من شعبها بتلك القسوة وبالرصاص الحي والاعتقال والإذلال والتعذيب، وحتى منع الإهالي من البكاء على قبور أبنائهم، وأقامت كل هذه المظاهرة الجنائزية للجنرال "قاسم سليماني"، الذي لم يكن سوى أداة لتنفيذ سياسة الولي الفقيه التوسعية في العراق وسورية واليمن، ونشر التشيع السياسي القائم على الطائفية والعنف والقمع ومصادرة حريات وحقوق الآخرين؟

ولماذا هذا الاستعلاء والغرور الإيراني على كل دول المنطقة الخليجية والعربية، وادعاء زعامة العالم الإسلامي، في حين يعرف الجميع مشاكل إيران الاقتصادية الخانقة ومشاكلها السياسية الحادة، ومعاناتها من الحصار الذي تسببت فيه توجهاتها، وغير ذلك، بل ما يعانيه الإيرانيون داخل بلادهم وخارجها؟

اشتكت إيران دوما من معاداة الولايات المتحدة والغرب لها، وبأن هذه الدول لا تحترم حقوقها الدولية! ولكن انظر إلى ما قاله مكتب المرشد الخامنئي ودعوته الصريحة إلى تجاهل الأعراف الدبلوماسية علناً، والمبادرة إلى احتلال السفارة الأميركية في بغداد، وذلك قبل أن تقدم ميليشيات الحشد على ذلك الاحتلال، تنفيذا لتلك التوجيهات. جاء في صحيفة "الجريدة" الكويتية يوم 6/ 10/ 2019 ما يلي:

"دعا الصحافي الإيراني حسين شريعتمداري المقرب من المرشد الإيراني علي خامنئي، المتظاهرين العراقيين إلى احتلال السفارة الأميركية بغداد أمس.

وقال شريعتمداري وهو رئيس تحرير صحيفة "كيهان" التي تخضع لإشراف مكتب المرشد، في مقال له بالصحيفة: يجب إنهاء وجود السفارة الأميركية في العراق، لماذا لا ننهي وجود السفارة الأميركية في بغداد؟

ورأى أن السفارة الأميركية "وكر للتجسس والتآمر ضد الشعب العراقي المضطهد"، لافتاً إلى أن "السبب في ما يحدث بالعراق هو أميركا، وأن القضاء على سفارتها سينهي العديد من مشاكل الشعب العراقي"، وقارن شريعتمداري بين الوضع في إيران عام 1979 والوضع في العراق اليوم قائلا: سفارة الولايات المتحدة في إيران مثال واضح ومثالي على هذا الواقع المرير. عندما احتل الشباب الثوري في بلادنا السفارة الأميركية، حصلوا على وثائق تشير إلى أن الاسم الأكثر رمزية للسفارة الأميركية كان بيت تجسس". (6/ 10/ 2019).

لقد احتل "الطلبة الإيرانيون الثوريون" عام 1979 السفارة الأميركية بطهران، واحتجزوا 52 أميركيا لمدة 444 يوماً، فما الذي استفادته "الجمهورية الإسلامية" من ذلك الاقتحام، لتهديه اليوم للعراقيين؟ ماذا سوى كسب العداء الدائم من معظم دول العالم لسياسات إيران واحتقار دبلوماسيتها، وإحراج كل سفير إيراني، بمن في ذلك مؤيدو النظام؟!

ولماذا تصر إيران، من خلال السيد "حسين شريعتمداري" ومرشد الثورة على إجبار العراق للسير في الدرب نفسه؟ ولماذا تضغط على العراق، والكل عالم بما تهدده من أخطار الإرهاب والتفكك، على "إخراج القوى والقواعد الأجنبية"؟ وهل تعطي إيران الحق لكل من يعادي سياستها أو يختلف معها، أن يقوم باحتلال أي سفارة إيرانية في دول العالم؟ ألا تدل مثل هذه الدعوة من مكتب "المرشد العام" على أن العالم لا يستطيع أن يتعامل مع إيران كدولة مسؤولة ناضجة؟

وفي حادث إسقاط الطائرة الأوكرانية في طهران، ورغم كل تهديدات إيران لأميركا وإسرائيل، ثبت فشلها في أن تميز عسكرياً بين الصواريخ الأميركية وطائرات البيونغ؟!

لقد حاولت السلطات بكل هذا الاحتفاء الجنائزي الواسع بالجنرال سليماني أن تمسح آثار قتل مئات الإيرانيين بدم بارد وبأوامر مباشرة من مرشد الثورة، كما لم نر رئيس الحرس الثوري يعلن استقالته بعد إسقاط الطائرة الأوكرانية، بل حاولت إيران إخفاء الحقائق، وكذلك "الصندوق الأسود" وتكذيب كل الأخبار حتى آخر لحظة!

لاحظ الكاتب اللبناني "مصطفى الحص" أن قائد فيلق القدس "الجنرال سليماني"، "يواجه منذ بداية شهر أكتوبر الماضي 2019 تمرداً اجتماعياً شيعياً على سلطته في العراق، سلطة باتت محصورة بوكلاء فقدوا شرعيتهم الشعبية ويدافعون عن شرعيتهم السياسية بقوة السلاح". (الشرق الأوسط 1/1/ 2020)

وتساءل كاتب لبناني آخر، "نديم قطيش" كيف يمكن لإيران أن يكون لها هذا الوجود العسكري في كل مكان بينما إيران ليست موجودة في كل الجبهات بجيوشها؟ وأضاف "أكثر من ستين ميليشيا عراقية ممولة ومدربة وموالية لإيران تتجمع تحت مظلة "الحشد الشعبي" وحدها في العراق". (الشرق الأوسط، 7/ 1/ 2020).

وتطرق الكاتب "غسان شربل" إلى مقتل سليماني، فقال: تفادى الرؤساء الأميركيون على مدى أربعة عقود "الرد على إيران داخل إيران" ولهذا، أضاف شربل، "حققت إيران نجاحاً كبيرا من دون التطرق الى سلوكها الإقليمي، فتابع "سليماني" سياسة الاختراقات والانقلابات، وقد جاءت عملية قتل سليماني في وقت ينزف فيه الاقتصاد الإيراني بفعل عقوبات "ترامب"، وفي وقت يشهد فيه العراق ولبنان احتجاجات شعبية". (6/ 1/ 2020).

وأشار الكاتب الأميركي المعروف بكتاباته في مجال مكافحة الإرهاب والجماعات المتشددة "توماس فريدمان" إلى القائد سليماني، واعتبره أكثر قادة الميليشيات وقوعاً في "الحسابات الخاطئة"، وبخاصة استفزاز أهل السنّة في العراق. يقول فريدمان: "لقد كان سليماني وزملاؤه في فيلق القدس هم الذين دفعوا رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، لطرد السنّة من الحكومة والجيش، والتوقف عن دفع رواتب الجنود السنّة، وقتل أعداد كبيرة من المتظاهرين السنّة المسالمين وتحويل العراق إلى دولة طائفية يهيمن عليها الشيعة، ولم يكن "داعش" سوى الرد على ذلك.

أخيراً، كان مشروع سليماني، بجعل إيران القوة الإمبريالية في الشرق الأوسط، هو الذي حول إيران إلى أكثر قوة مكروهة في الشرق الأوسط بالنسبة إلى العديد من الشباب والقوى المؤيدة للديمقراطية في كل من السنّة والشيعة، وفي لبنان وسورية والعراق". (القبس، 7/ 1/ 2020)

ويقول الخبير بالشؤون الإيرانية "أمير طاهري" في مقال آخر بالشرق الأوسط، "لم يكن قاسم سليماني حاضراً بنفسه مطلقاً في أي ميدان من ميادين القتال المشتعلة، وكان يفضل دائماً الحضور بعد هدوء الأوضاع لالتقاط الصور التذكارية". (10/ 1/ 2020)

ولا يرى د. محمد الرميحي في فقد سليماني خسارة كبيرة على أرض الواقع، ويقول إنه "كان في الأغلب منفذاً لسياسات قمعية، وهو قادم من تدريب ميليشاوي، ضحل الخبرة العسكرية". (11/ 1/ 2020).

تضخيم دور "سليماني" في حماية شيعة العراق والمراقد، في اعتقادي، يريد به الإعلام الإيراني التقليل من أهمية فتاوى السيد علي السيستاني المصرة على استقلال العراق، ولو كانت إيران أو الحرس الثوري بالذات قد اقتصر دورهما على حماية الشيعة دون تجاهل حقوق ووجود أهل السنّة، ودون الاستفادة من الورقة الطائفية، ولو كان سليماني قد أدى دوراً بارزاً في هذا المجال، لكان هذا الاحتفاء أكثر جدارة بالتصديق والتقدير، ولكن الكل يعرف أن هذا النظام الديني المذهبي الذي لا يكاد يعترف حتى بالشيعة أنفسهم إلا بشرطين: أن يكونوا شيعة اثني عشرية، وأن يكونوا من المؤمنين بنظام ولاية الفقيه، مثل هذا النظام لا يمكن أن يؤدي أي دور في مكافحة الطائفية أو احترام حقوق أتباع المذاهب والأديان الأخرى، إلا في أضيق الحدود.

ويستشهد بعض أنصار "سليماني" بحجم الجماهير الإيرانية التي سارت في جنازته أو أظهرت التأثر الشديد بمقتله، ولا شك أن الأنظمة غير الديمقراطية ودول الإعلام المقيد ومنها "الجمهورية الإسلامية"، لا يمكن إلا أن توجه الشعب في هذا الاتجاه بسبب حجب المعلومات وعدم السماح بأي نقد موضوعي أو نقاش حر لسياسة إيران في التدخل العسكري هنا وهناك، والتي كان "الجنرال سليماني" على رأس موجهيها، والتي كانت إيران نفسها ولا تزال... من أبرز ضحاياها!

وكم عرفت الشعوب ولا تزال أنظمة تقمع جماهير أوسع، ومصفقين أو باكين أكثر من ألمانيا النازية وروسيا الستالينية وكوريا الشمالية وعراق صدام حسين وغيرها، فقوة النظام لا تقاس بزهوه أمام مؤيديه والمصفقين له، بل بقدرته على استيعاب شعارات وحقوق معارضيه.

دول كثيرة تستفيد من الأحداث الكبرى التي تقع فيها، وباستطاعة إيران كذلك أن تقدم على تحولات سياسية جذرية تزيل عزلتها الدولية، وتعيد إليها مكانتها الإقليمية والخليجية والدولية!

back to top