غمكين مراد: أكتب الشعر تأجيلاً للانتحار!

«كتاباتي لا تصبح ملكي بعد النشر»

نشر في 14-01-2020
آخر تحديث 14-01-2020 | 00:01
تبدو القصيدة في تجربة الشاعر غمكين مراد كفاتنة تزينت بأغلى ما لديها من أبجدية، وفي الوقت ذاته تأبى الخضوع لغير عاشقها. تعكس كتاباته روحاً أفلتت يدها من الأرض وحلقت في فضاء الإبداع.
ولفت الشاعر السوري الأنظار إلى فلسفته في كتابة قصيدة النثر، منذ صدور ديوانه الأول «الروح أوسع من أن يلبسها جسد» عام 2011، مروراً بـ«ناموس لا» و«ضاقت الروح» وانتهاء بـ«هوَ هوَ قلبي».
وفي حوار مع «الجريدة»، قال مراد إن الشعر مزروع في تربة الرُّوح داخل كل إنسان، وإنه يكتبه تأجيلاً لانتحار ما! مشدداً على أنه لا يُمكن أبداً أن يحِلّ صنف أدبي محل الشعر... وفيما يلي نص الحوار:
• ما منطلقاتك العامة في الكتابة؟ أو بالأحرى القضايا التي تناقشها قصائدك؟

- حينَ يكتُبكَ الشعر، لا قوانين، لا قرار، لا منطلقات، تكونُ أنتَ خميرةً لطحينِ الرُّوح، أنتَ عجينةً لخبزِ الرُّوح في تنورِ الكلمات، لتخرج طازجاً من رحم حياتين قد امتزجتا خيالاً وواقعاً بمخاض الشعر. وبرأيي كل الشعر ذاتيُّ المنبع، لكنه خارجيُّ المصبّ، كل المواضيع التي تجتازُكَ كقشعريرةٍ تدبُّ دغدغتها روحكَ من لمحة الصورة، لشجنٍ، لحالةٍ معيشةٍ أو تخيُّلاً هي التي يكتبنا بها الشعر ولا نكتبه إنما نعيشه.

قصيدة ما

•كيف تنامى إيقاع قصيدتك شكلاً ومضموناً منذ صدور ديوانك الأول «الروح أوسع من أن يلبسها جسد» 2011، مروراً بـ»ناموس لا» و»ضاقت الروح» وانتهاء بـ»هوَ هوَ قلبي»؟

- الشعر خالِقٌ بصورةٍ ما، والخالق من وجهة نظري لا يخضع إلا لما يخلقُهُ من دونَ أن يُقيّد بعائق ما أو أُطر تجعله يخرج مشوَّهاً، لذلك لا أظنني حين أُترجم ما يمليه الشعر على روحي وأخلق به قصيدة ما، أكون تحت أية غاية أو مقصد أو إطار أو ارتقاء أو خوف من نقص ما، وفي النهاية الأجوبة عن شكل ومضمون كتاباتي لا أكون أنا الحاكم فيها، فبعد النشر لم تعد ملكي، هي أجوبة يُعبِّر عنها القارئ ويكون الأصدق في أي شيء يقوله.

شمس القراءة

• درست العلوم الفيزيائية والكيميائية، وتمارس مهنة التدريس في ذات المجال، ما الذي دفعك إلى عالم الشعر؟

- الشعر مزروع في تربة الروح داخل كل إنسان، لا يُدفعُ شيءٌ ما إلى الشعر، لكن المفارقة تكمن في كيفية إخصابه بماء الموهبة أولاً، ومن شمس القراءة ثانياً، كذخيرة كلمات تضيء الكون المحيط بها، وحتى هذه اللحظة أقول إنني أكتب الشعر تأجيلاً لانتحار ما، وبالتالي تحمُّلِ الحياة المخلوقة، حين أصل إلى الحالة التي لا أستطيع فيها أن أخلق بالشعر حياة أخرى أعيشها لن أكون موجوداً، اختصاصي الأكاديمي نوعاً ما يوسِّع المدارك والرؤى. غني عن القول إن الرؤية والرؤيا العلمية خيالاً وحقيقةً تكون عميقة وتفصيلية جداً، وبالنسبة إلى التدريس مهنتي، كمهنة أعشقها، ومع الطلاب وبراءتهم أعيشُني في ألذ وأصدق حياة.

صنف أدبي

• يرى كثير من النقاد أن الشعر فقد جزءاً كبيراً من سطوته وبريقه، ونحن الآن نعيش زمن الرواية... ما مدى صحة ذلك من وجهة نظرك؟

- لا يمكن أبداً أن يحل صنف أدبي أو شيء ما، أي شيء، محل الشعر من وجهة نظري، الشعر ليس مهنة، بل حياة أخرى نخلقها وتخلقنا، نعيشها وتعيشنا، يكفي الشعر سطوتُه على الروح، ولتكن كل التصنيفات الأخرى بكل سطوتها مليكة الحياة القائمة على الدخل الحياتي والتسخير الكلماتي، وهذا الكلام غير قابل للتعميم فيما يخص الروايات المزلزلة للحياة الداخلية فينا.

كتابة إبداعية

• أيهما تهتم به أكثر: اللغة أم تقنية الكتابة؟

- كوجهة نظر، أية كتابة إبداعية يسبقها التخطيط أشك في صدقية العمق التي كتبتها، اللغة واللملمة تأتي فيما بعد، وكما قلت: الشعر يكتبنا نحن، وبالتالي الكتابة الإبداعية بالمجمل تفرض آليتها ولغتها وأحاسيسها وخيالها، وهذا لا يتنافى أبداً مع اللغة التي تُكتب بها، فكما أن الشعر يكتبنا فإن اللغة تترجم هذه الكتابة، ومن يمتلك لاوعياً مُذخَّراً بالكلمات والقراءات تكون اللغة مدرارة عميقة بسليقتها في ترجمة ما يمليه الشعر.

عميق وصادق

• كشاعر تكتب قصيدة النثر، هل ترى أنها باتت سيدة القصائد حين نقارنها بقصيدتي العمود والتفعيلة؟

- تصنيفات الشِّعر لا تروقني وأكتب القصيدة نثراً فقط، لأنها وجدتني أستطيع أن أعيشها وتعيشني، أخلق بها ما يناسبني كحياة، أياً كان كتابة إبداعية ما دام يلامس شِغافَ رُوحِكَ فهو عميق وصادق، كل الشعر: نثراً، عموداً، تفعيلةً، عامياً، ما دام يخلق فيك قشعريرة الإحساس به فهو السيد والقصيدة هي السيدة.

مشروع كتابي

• ما مشروعك الشعري الجديد الذي تعكف عليه حالياً؟

- لا أملك تخطيطاً معيناً لمشروع كتابي، حين يأتيني الشعر لأُترجم به ما تخوضه روحي من مخاض الموت والولادة معاً أكتب ، وهكذا أقوم بإرضاع وإنماء ما قد خلقني وخلقَ ما كتبته طفلاً قادراً على المضي إلى الخارج، حينها يكون طفلي هو مشروعي.

مقطع من إحدى قصائده

لي تنهيدةُ المطر

لي لسعةُ النسمةِ

لي عِناقُ الورقةِ بالندى

لي في الحُبِّ رائحةُ الترابِ!

دون انتظارٍ

دونَ فراقٍ

يا مطرُ

على هدهدةِ مِسحةِ يديكَ وهي

تربُتُ على ليلِ شتائيَ العائد

أُعيدكَ أنا بعدَ شهقةِ البَعْثِ

كضبابٍ على زُجاجِ روحي

عليه أكتب بحبرِ القلبِ: اسم الحبيبة.

(مقطع من قصيدته: «حياة بالمجمل قصيدة») .

الشعر مزروع في تربة الرُّوح داخل كل إنسان

لا يُمكن أبداً أن يحِلّ صنف أدبي محلَّ الشعر
back to top