لماذا يستحق لبنان الدعم الدولي؟

نشر في 12-01-2020
آخر تحديث 12-01-2020 | 00:00
النقاش المستمر بشأن تقديم الدعم الاقتصادي للبنان في أزمته الحالية أمر مشجع، ويشير إلى إجماع دولي قوي لدعم البلاد حتى تسترجع قواها، وهناك تطور إيجابي آخر في ديسمبر وهو إصدار الحكومة الأميركية 115 مليون دولار قيمة للدعم المؤسسي للبنان.
 بروجيكت سنديكيت كانت أخبار لبنان في الأسابيع الأخيرة قاتمة، ومع اشتداد الاحتجاجات في شوارع بيروت ومدن أخرى، تزداد المعاناة الاقتصادية للبلد، إذ سيطرت على هذا الأخير أزمة سياسية، واقتصادية، واجتماعية، مما أدى إلى نقص العملة الصعبة، ومن ثم، عرقلة واردات السلع اليومية الأساسية، مثل القمح، والأدوية، والوقود، وفضلا عن ذلك، تحدث هذه المشاكل في ظل نمو اقتصادي متعثر، وديون خارجية ضخمة، كما فرضت البنوك المحلية ضوابط غير مسبوقة على رأس المال، وفي الآونة الأخيرة، فقد الآلاف من اللبنانيين وظائفهم، أو انخفضت أجورهم انخفاضا كبيرا.

ومن وجهة نظر خارجية، لا يوجد سوى حل واحد يمكن تطبيقه، وهو أن يحل لبنان أزمته السياسية، وأن ينفذ الإصلاحات الاقتصادية، والمالية الضرورية، التي تأخرت عن موعدها، ولكن لينجح في ذلك، يحتاج البلد إلى المجتمع الدولي لدعمه ماليًا.

وفي مؤتمر عُقد في باريس عام 2018، تعهد المانحون الدوليون بتقديم ما قيمته 11 مليار دولار من القروض والمنح للبنان، مشروطة بتنفيذ العديد من الإصلاحات، وهي رسالة أعاد تأكيدها المانحون في الآونة الأخيرة، ويعد تشكيل حكومة تقوم بوظيفتها، الخطوة الأولى على هذا المسار، حتى يتمكن المجتمع الدولي من رؤية حكومة فعالة تعود إلى البلد، وتبدو هذه الشروط عادلة، وتتماشى مع بعض مطالب المحتجين، وفي الوقت نفسه يجب أن يكون الدعم الدولي للبنان في وقت شدته، قويا وصريحا.

ومن المهم أن نتذكر لماذا يمر لبنان بهذه المحنة الاقتصادية: أولا، يعاني البلد تداعيات الحرب في سورية المجاورة: فقد استقبل 1.5 مليون لاجئ فروا من النزاع، إلى جانب تأثره الاقتصادي الهائل، من جراء وجود شريك تجاري له، وعلى مقربة منه في حالة حرب، ويتحمل لبنان، بتسويته لوضعية هؤلاء اللاجئين ورعايتهم، عبئاً لا يطاق على أمل جلب مزيد من الأمن، والاستقرار إلى منطقة خطيرة جدا. بالإضافة إلى ذلك فإن العقوبات الأميركية ضد ميليشيا حزب الله تؤثر سلبا في المواطنين، والشركات اللبنانية العادية.

كما ساهم الخلاف السياسي الداخلي في الأزمة الحالية، إذ ظل منصب الرئاسة اللبنانية شاغرا لأكثر من عامين حتى أكتوبر 2016، وأثار إعلان استقالة رئيس الوزراء، سعد الحريري، في المملكة العربية السعودية، في عام 2017، صدمة في الأسواق المالية للبلد، وأدت إلى تدفقات رأس المال إلى الخارج، وفي أعقاب الانتخابات البرلمانية التي جرت في لبنان، في مايو 2018، أظهر تأخر آخر دام تسعة أشهر في تشكيل حكومة جديدة- برئاسة الحريري مرة أخرى– فراغا في قيادة البلد، وانحرافا سياسيا.

وفضلا عن ذلك، قامت وكالة فيتش في الآونة الأخيرة، بتخفيض درجة التصنيف الائتماني الدولي للبنان، من الدرجة الثالثة إلى المزدوجة، وهذا ليس مفاجئًا: فمع نسبة الدين غير المستدام إلى الناتج المحلي الإجمالي البالغة 152 في المئة- الناتجة، إلى حد ما، عن الاقتراض المفرط الضروري لتمويل إعادة الإعمار بعد الحرب- يعد لبنان ثالث أكبر بلد مدين في العالم، وتستهلك مدفوعات الفوائد ما يقرب من نصف إيرادات الحكومة، في حين أن زيادة أجور القطاع العام لعام 2017، وزيادة أسعار الفائدة قد زادت من عجز الميزانية.

وعلى عكس سوء الإدارة الاقتصادية للحكومات اللبنانية المتعاقبة، شق البنك المركزي، مصرف لبنان، بكفاءة ودقة، طريقه وسط الاضطراب الحالي في السوق، وكان قوة استقرار مرحبا بها، وعلى الرغم من الانتقادات التي تلقاها حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، من الحزب الشيوعي اللبناني، وحزب الله، فإنه ينظر إليه، على نطاق واسع، على أنه اضطلع بدور حيوي في منع حدوث أزمة أسوأ بكثير.

فعلى سبيل المثال، باع مصرف لبنان دولارات أميركية لكبار المستوردين، لضمان استمرار الإمدادات الأساسية، وأقرض الحكومة حتى تتمكن من دفع رواتب العاملين في القطاع العام، بما في ذلك القوات المسلحة. وفضلا عن ذلك، أصدر البنك المركزي تعليمات للبنوك المحلية بزيادة رأسمالها بنسبة 20٪ بحلول شهر يونيو من هذا العام، كما أنه يشجع على استخدام الليرة اللبنانية.

وتلقى لبنان إشارات قوية من المجتمع الدولي تحثه على طلب المساعدة من صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ويبدو أن الحريري- الذي يشغل حاليًا منصب رئيس وزراء مؤقت- بعد استقالته بعد وقت قصير من بدء الاحتجاجات في أكتوبر 2019 مستعد لفعل ذلك، وحذرت وكالة "موديز" في الآونة الأخيرة، من أنه بدون مثل هذا الدعم الدولي، من المرجح أن يواجه لبنان "سيناريو حالة عدم استقرار شديدة في الاقتصاد الكلي"، والذي من خلاله ستؤدي إعادة هيكلة الديون، وزعزعة الاستقرار المفاجئة في ربط العملة بالدولار إلى خسائر كبيرة للمستثمرين في القطاع الخاص.

لذا فإن النقاش المستمر بشأن تقديم الدعم الاقتصادي للبنان في أزمته الحالية أمر مشجع، ويشير إلى إجماع دولي قوي لدعم البلاد حتى تسترجع قواها. وكان هناك تطور إيجابي آخر (لكن لم يتم الإبلاغ عنه) في ديسمبر، عندما أصدرت الحكومة الأميركية 115 مليون دولار قيمة للدعم المؤسسي للبنان.

وبطبيعة الحال، لن يكون من السهل على لبنان ترتيب شؤونه السياسية، نظرا للاحتجاجات المستمرة في الشوارع، والتوترات المتزايدة، ولكن على الزعماء السياسيين تشكيل حكومة جديدة بشكل عاجل، والقيام بمجموعة من الإصلاحات التي يتطلبها المجتمع الدولي، وفي المقابل، تحتاج البلاد، بل تستحق، تعهدًا عالميًا، بأنه في الوقت الذي تحقق فيه تقدمًا على هذا المسار، فإنها ستتلقى المساعدات الدولية البالغة 11 مليار دولار بسرعة، بعد أن أنفقت، في الآونة الأخيرة، الأموال الأميركية.

ولدى المجتمع الدولي مصلحة حيوية في لبنان مستقر ومتعافٍ، من أجل مصلحة البلاد، ومن أجل تحقيق استقرار في منطقة استراتيجية من الناحية الجغرافية السياسية، وفضلا عن ذلك، فإن التضحيات الكبيرة لهذا البلد الصغير من جراء الحرب في سورية، قطعت شوطًا طويلاً نحو تعزيز أمننا في أوروبا. ونيابة عن مواطنينا الذين يشعرون بالامتنان تجاه هذا البلد، فإننا ندين للبنان بدعمنا القوي.

* عضو في البرلمان الأوروبي من 1999 إلى 2019، وعمل في لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان.

«تشارلز تانوك»

لدى المجتمع الدولي مصلحة حيوية في لبنان مستقر ومتعافٍ
back to top