الولايات المتحدة وإيران: خلاف وعداء مستحكم منذ 40 سنة

نشر في 06-01-2020 | 14:47
آخر تحديث 06-01-2020 | 14:47
No Image Caption
منذ مقتل قائد لواء القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني في 3 يناير 2020 في غارة جوية أمريكية على أسوار مطار العاصمة العراقية بغداد، تصاعدت نذر المواجهة العسكرية بين الولايات المتحدة وإيران، وبلغ التوتر بين الطرفين درجة غير مسبوقة.

فقد أعلنت القوات الأمريكية التي تعمل في إطار التحالف الدولي لمحاربة الدولة الاسلامية عن وقف معظم عملياته العسكرية ضد التنظيم بعد تصاعد التهديدات الإيرانية والجماعات العراقية الموالية لها، باستهداف القواعد الأمريكية في العراق وغيرها من دول المنطقة بغية تركيز جهدها على حماية نفسها.

وفي ما يلي نلقي الضوء على علاقات البلدين، خاصة خلال السنوات الأربعين الماضية، منذ الإطاحة بحكم الشاه محمد رضا بهلوي قبل نحو أربعين عاماً.

تهدئة عابرة

في يناير 2016 رفعت الولايات المتحدة العقوبات التي فرضتها على إيران بسبب برنامجها النووي بعد أن أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تنفيذ إيران التزاماتها الواردة في الاتفاق المعروف باسم الاتفاق النووي الإيراني، الذي تم التوصل إليه عام 2015 بعد جولات مضنية من المفاوضات في إطار مجموعة 5 زائد واحد «الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا».

لكن في مايو 2018 أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، انسحاب بلاده من الاتفاق النووي كما تعهد بذلك خلال حملته الانتخابية.

كما أعادت الولايات المتحدة فرض سلسلة عقوبات أشد صرامة من العقوبات السابقة، شملت حتى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي.

وبغية حرمان ايران من عائدات النفط، أعلنت واشنطن أنها ستعاقب أي جهة تقوم بشراء النفط الإيراني بحيث تراجعت مبيعات النفط إلى حد كبير.

في شهر مايو 2019 تعرضت أربع ناقلات نفط إلى هجمات في خليج عمان، وفي شهر يونيو 2019 تعرضت ناقلتان أيضاً لهجومين، وحملت واشنطن إيران المسؤولية عن الهجمات، وترافق ذلك مع حشد الولايات المتحدة المزيد من الجنود والقوات في المنطقة.

وكادت الولايات المتحدة أن تشن حملة قصف جوي ضد أهداف إيرانية في أعقاب إسقاط طائرة أمريكية بلا طيار قرب مضيق هرمز، لكن ترامب أوقف الهجوم قبل عشر دقائق من الموعد المقرر.

عداء مستحكم

وبنظرة سريعة على علاقات البلدين، يتضح أن العداء كان السمة الغالبة على علاقاتهما، وقد بدأ ذلك مع الإطاحة بحكومة محمد مصدق عام 1953 بعد تأميمه الثروة النفطية لإيران.

ولا زال الإيرانيون يذكرون حتى الآن الدور الذي لعبته المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) في الإطاحة بحكم مصدق، فعندما أطيح بحكم الشاه عام 1979 كانت السفارة الأمريكية في طهران الهدف التالي لمجموعة من الطلاب المشاركين في الثورة.

وفي عام 1951 انتخب مجلس النواب الإيراني مصدق رئيسا للوزراء، وبعدها بأيام قليلة أصدر مصدق مرسوماً بتأميم النفط والغاز وهو ما أثار غضباً وخوفاً لدى بريطانيا والولايات المتحدة.

ورفض الشاه بعض الأسماء التي رشحها مصدق لتولي مناصب في حكومته، فما كان من مصدق سوى الاستقالة، فتلت ذلك عدة أيام من الاضطرابات ما اضطر الشاه إلى التراجع والموافقة على حكومة مصدق.

كما أقر البرلمان مشروع قانون تقدم به مصدق للحد من سلطات الشاه، لكن في أغسطس 1953 أطاح الجيش بمصدق.

رتبت المخابرات المركزية الأمريكية ونظيرتها البريطانية عملية الإطاحة بحكومة مصدق الذي كان يتمتع بتأييد شعبي واسع، وأعادت الشاه محمد رضا بلهوي إلى الحكم.

وبعد العودة إلى الحكم، صار الشاه من أقرب حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة وأكثرهم موالاة لها. وكانت إيران منذ بداية الحرب العالمية الأولى ضمن منطقة نفوذ بريطانيا، التي كانت تحتكر النفط في البلاد عن طريق شركة النفط الانغلو-إيرانية التي حملت فيما بعد اسم «بريتش بتروليوم».

وبعودة الشاه، أصبحت إيران خارج دائرة النفوذ البريطاني، وتحولت إلى حليف قوي للولايات المتحدة في وجه المد اليساري الذي كان يجتاح المنطقة.

وشن الشاه حملة قمع واسعة ضد اليسار ورجال الدين المعارضين له، فاضطر عدد كبير منهم إلى الفرار إلى الخارج.

محطات رئيسية

في عام 1957 وقعت الولايات المتحدة وإيران على اتفاقية حول استغلال الطاقة النووية لأغراض سلمية.

وبعدها بعشر سنوات، قدمت الولايات المتحدة مفاعلاً نووياً لمركز أبحاث في طهران ووقود المفاعل على شكل يورانيوم مخصب إلى درجة 93 في المئة وهو نفس درجة تخصيب اليورانيوم المستخدم في إنتاج الأسلحة النووية.

وفي عام 1968 وقعت إيران على إتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية وصادقت عليها بعد عامين، شريطة السماح لها بالاحتفاظ بالمفاعل واستخدامه لأغراض سلمية.

أطاحت الثورة الاسلامية عام 1979 بنظام حكم الشاه الذي فر إلى الخارج، وعاد آية الله الخميني من منفاه في فرنسا ليتولى منصب المرشد الأعلى للثورة.

وبعدها بفترة قصيرة، اقتحم عشرات الطلاب السفارة الأمريكية في طهران واحتجزوا عشرات الدبلوماسيين والموظفين لمدة 444 يوماً، مطالبين بتسليم الشاه لمحاكمته.

قطعت الولايات العلاقات الدبلوماسية مع إيران عام 1980، وحجزت الأصول الإيرانية في الولايات المتحدة وقطعت العلاقات التجارية معها، وحظرت تصدير معظم السلع إليها.

وفي نفس العام، فشلت محاولة إنقاذ الرهائن الأمريكيين المحتجزين في طهران عندما اصطدمت مروحيتان أمريكيتان ببعضهما أثناء عملية إنزال في صحراء لوط وقتل 8 جنود أمريكيين في الحادث.

أطلقت إيران سراح الرهائن الأمريكيين عام 1981 بعد أيام من استلام الرئيس، رونالد ريغان، مقاليد الأمور في الولايات المتحدة خلفا لجيمي كارتر.

في عام 1984 صنفت واشنطن إيران في خانة «الدول الراعية للإرهاب».

عام 1986 انفجرت فضيحة إيران كونترا التي كان يتم في إطارها بيع أسلحة أمريكية بطريقة غير مشروعة إلى إيران، وكانت الأموال الناتجة عنها تستخدم في تمويل الجماعات المسلحة المناهضة لحكومة نيكاراغوا التي كانت تحمل اسم كونترا.

ثم في عام 1988، أسقطت بارجة أمريكية طائرة ركاب إيرانية فوق مياه الخليج، وقُتل جميع ركابها البالغ عددهم 290 شخصاً.

إقرار

في تصريح ملفت غير مسبوق، أقرت وزيرة الخارجية الأمريكية وقتها مادلين أولبرايت عام 2000 بدور بلادها في الانقلاب ضد مصدق، وقالت: «من السهل إدراك سبب استمرار كراهية أغلبية الإيرانيين لتدخل أمريكا في شؤون بلادهم الداخلية».

وفي عام 2002 أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن أن العراق وإيران وكوريا الشمالية يشكلون ما سماه بــ «محور الشر»، واتهم إيران بامتلاك برنامج سري لإنتاج الأسلحة النووية، وأعلنت جماعة إيرانية معارضة مقيمة في الخارج أن إيران أقامت موقعين لهما علاقة ببرنامجها النووي لم تكشف عنهما وهما «ناتنز» و«آرك».

وفي عام 2006 أعربت واشنطن عن استعدادها للانضمام إلى مباحثات متعددة الأطراف إذا وافقت إيران على وقف تخصيب اليورانيوم.

عام 2007 تحادث وزير خارجية إيران منوشهر متقي ووزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس على هامش مؤتمر عقد في العاصمة المصرية القاهرة، وفي نفس العام، أعلنت أجهزة المخابرات الأمريكية وبدرجة عالية من اليقين أن إيران كانت تقوم بأبحاث لإنتاج سلاح نووي حتى نهاية عام 2003 وهو العام الذي توقفت فيه عن المضي قدماً في هذا المجال.

عام 2008 أرسل الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن لأول مرة نائب وزير الخارجية الأمريكي ويليام بيرنز، للمشاركة بشكل مباشر في المحادثات التي كانت تجري في جنيف حول الملف النووي الإيراني.

عام 2009 وصل الرئيس الامريكي باراك أوباما إلى البيت الأبيض، وأعلن أنه على استعداد لمد يده لإيران وفتح صفحة جديدة معها إذا بادلته نفس الشيء و«أقنعت الغرب بأنها لا تسعى إلى بناء قنبلة نووية»، وفي العام ذاته، أعلنت بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة أن إيران تبني سرا منشأة لتخصيب اليورانيوم في موقع قريب من مدينة قم. وردت ايران على ذلك بالإعلان أنها أبلغت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن المنشأة قبل أسبوع.

خلال الفترة ما بين 2009 و2012، توقفت تقريباً مفاوضات القوى الكبرى وإيران، ودخل حيز التطبيق عام 2012 قانون أمريكي يمنح الرئيس أوباما سلطة فرض عقوبات على المصارف الأجنبية، بما في ذلك المصارف المركزية للدول الحليفة للولايات المتحدة، إذا لم تقلص مشترياتها من النفط الإيراني. وأدى ذلك إلى تراجع كبير في مبيعات النفط الايراني وترك ذلك أثراً بالغاً على إقتصادها.

وفي ذات العام، عقد البلدان مباحثات سرية، وتكثفت المباحثات عام 2013 وتمحورت حول الملف النووي الإيراني.

وفي عام 2013 وصل إلى رئاسة الجمهورية في إيران حسن روحاني، الذي كان يعتبر معتدلاً وبراغماتياً ورفع شعار تحسين العلاقات مع العالم الخارجي والاهتمام بالوضع الاقتصادي، ومن الطبيعي أنه لا يمكن تحقيق هذين الهدفين دون رفع العقوبات المفروضة على بلاده بسبب ملفها النووي.

في سبتمبر 2013 تحدث الرئيسان أوباما وروحاني عبر الهاتف في أول بادرة من نوعها منذ ثلاثة عقود.

في 23 نوفمبر 2013 مهدت المحادثات السرية بين طهران وواشنطن الطريق أمام التوصل إلى اتفاقية مؤقتة تحمل اسم «خطة العمل المشترك»، وتعرف عالمياً باسم الاتفاق النووي الإيراني، وتنص في جوهرها على حد إيران من نشاطها النووي مقابل تخفيف العقوبات المفروضة عليها.

في يوليو 2015 أعلنت مجموعة خمسة زائد واحد عن التوصل إلى «اتفاقية خطة العمل المشتركة الشاملة»، والتي وافقت بموجبها إيران على مجموعة من الخطوات، من بينها تخفيض عدد أجهزة الطرد المركزي ووقف العمل بالجزء الأساسي من مفاعل آرك، مقابل تخفيف العقوبات المفروضة عليها من قبل الأمم المتحدة والولايات المتحدة بدرجة كبيرة.

في يناير 2016 أطلقت إيران سراح عشرة بحارة أمريكيين دخلوا المياه الاقليمية لإيران بعد 24 ساعة من احتجازهم.

وبعدها بيومين أعلن البلدان التوصل لصفقة تبادل السجناء، وشملت أربعة أمريكيين كانوا في السجون الإيرانية مقابل سبعة إيرانيين كانوا قيد المحاكمة في الولايات المتحدة.

back to top