الحرب في سورية انتهكت كل القوانين الأخلاقية

نشر في 03-01-2020
آخر تحديث 03-01-2020 | 00:02
الدمار الهائل الذي شمل كل المناطق السورية وهجر سكانها
الدمار الهائل الذي شمل كل المناطق السورية وهجر سكانها
من الصعب التنبؤ بوضع سورية خلال السنوات القليلة المقبلة، لأن النزاع فيها دمر كل الأساطير التي رويت عنها، حيث دمر الجيش السوري كل شيء، كما يحاول تحطيم أحلام المواطنين وتطلعاتهم نحو العيش بكرامة وسلام ورخاء.
دمر النزاع في سورية كل الأساطير التي رويناها عن أنفسنا وعن مدى تعاطفنا مع الآخرين وإلى أي حد نحن ننظر بجدية الى مسؤوليتنا كمجتمع دولي لحماية المدنيين.

وقد شهدت الأيام الأخيرة في النزاع المتصاعد في سورية مرحلة متقدمة من المأساة برزت من خلال فرار عشرات الآلاف من المدنيين بصورة جماعية نحو الحدود قبل أن تتقدم القوات الحكومية، وواكب ذلك ظهور احتمالات حدوث مذابح جديدة. كما ضاعف من حجم المحنة منع قافلة مساعدات انسانية من العبور من الحدود التركية الى ثلاثة ملايين مدني علقوا داخل صندوق الموت في الشمال الغربي، حيث يوجد أحد الجيوب الخارجة عن سيطرة الحكومة والذي تعرض مراراً للقصف المدفعي والجوي. وأسفرت العمليات العسكرية أيضاً عن تدمير مدينة معرة النعمان التي هجرها أهلها وسط صمت عالمي وعدم اتخاذ أي خطوة ضد تلك العمليات التي استمرت فترة طويلة من الزمن.

كان ذلك عملاً محزناً انتهك كل قوانين الحروب في العالم وبصورة منهجية تماماً. وقبل عشرة أعوام كان الرئيس السوري بشار الأسد يشعر بثقة تامة وقال في مقابلة مع صحيفة وول ستريت جورنال إن الانتفاضة التي اجتاحت دولاً عربية اخرى لن تحدث في سورية بسبب الانسجام بين الحكومة والمواطنين.

وقد تم الحفاظ على ذلك التفاهم مع المواطنين عن طريق اللجوء الى قبضة حديدية وشبكة واسعة من المخبرين ووكالات الأمن والاستخبارات والجوانب الاقتصادية التي ساعدت على انتشار الفساد بشكل شمل كل مناحي الحياة، وعلى الرغم من ذلك كانت سورية في تلك الفترة تنعم بثمار انفتاح أوسع مع الغرب وتركيا والدول العربية المجاورة.

كما أن سورية نجحت في خلق فرصة لاصلاح علاقاتها مع الولايات المتحدة عبر مشكلة تمثلت في قمع الخلايا الارهابية التي كانت قد سمحت لها بالعبور الى العراق لمحاربة القوات الأميركية هناك، ومع زيادة الروابط التجارية تحسنت الجهود الدبلوماسية الرامية الى عزل ايران وعزز بشار الأسد علاقاته مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان كما حضر احتفالات يوم الباستيل مع الرئيس ساركوزي في فرنسا.

مظاهر الشعبية

وظهرت مؤشرات على شعبية الأسد من خلال تحدثه بطريقة ودية الى الصحافيين الغربيين حول التطلعات الديمقراطية والاختلاط مع الرعايا السوريين، لكن ذلك كله كان مجرد سراب لأن القسوة وسوء الادارة الاقتصادية عطلا البلاد وكل شخص كان يروي قصة عن اختفاء أحد أقاربه خلال حملات أجهزة المخابرات، كما أن عدم المساواة تفاقم نتيجة افلاس المجتمعات الزراعية وهجرتها الى المدن.

شرارة الحرب

وقد تمثلت الشرارة التي أطلقت الحرب في سورية في اعتقال مجموعة من المراهقين في عام 2011 كتبوا شعارات مناوئة للأسد على جدران مدرستهم، وأسفرت عملية اعتقالهم وردة الفعل الحكومية القاسية عن دورة من العنف أعقبتها احتجاجات مدنية انتشرت بسرعة الى كافة أرجاء البلاد.

لم يكن من المفروض أن تسير الأمور على هذا النحو، وطالبت قلة فقط من المحتجين بسقوط النظام وكانت تلك الشريحة تأمل في دفع الرئيس الى تنفيذ اصلاحات دستورية؛ لكن الأسد رد على تلك الخطوة بمزيد من القسوة وبرفض الدخول في حوار جدي استمر حتى يومنا هذا اضافة الى اصدار عفو عن ارهابيين مدانين في محاولة لعسكرة المعارضة وتوفير الخيار لعملية قمع دموية.

وأعقب ذلك تاريخ من الوحشية ثم توقفت الأمم المتحدة في نهاية المطاف عن جمع أرقام عدد القتلى الذي بلغ في عام 2016 أكثر من 400 ألف شخص، ويكاد أن يكون من شبه المؤكد أن العدد تجاوز نصف مليون نسمة، كما تم تهجير نصف عدد سكان البلاد وكان أكثرهم في الداخل السوري واضطر العديد من المواطنين الى ترك منازلهم أكثر من مرة خلال الحرب المستمرة منذ تسع سنوات.

أساليب نشر الرعب

وقد غير الملايين من السوريين الذين فروا من بلادهم خوفاً على حياتهم نوعية السياسة في الدول التي توجهوا اليها عبر أساليب نشر الرعب فيها والتي استخدمها القادة الشعبويون في شتى أنحاء الأرض لاطلاق انتفاضة اليمين المتطرف وتوجيه السياسات الأميركية والأوروبية ضمن أجندة ما كان لها أن تتم لولا تلك الحرب الدامية في سورية.

وأثمر ذلك التحول العميق تغيرات جوهرية على الصعد الاقليمية والدولية تمثلت في تدخل روسيا لإنقاذ الرئيس السوري بعد تراجع الولايات المتحدة، كما أن تركيا التي أغضبها التعويل الأميركي على المليشيا الكردية التي تتطلع الى اقامة دولة مستقلة تخلت عن تحالفها مع حلف شمال الأطلسي، وقررت التعاون مع روسيا وقوضت بذلك نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية.

دور تنظيم داعش

في غضون ذلك استغل تنظيم داعش فراغ السلطة والتجاوزات العميقة التي أفرزتها الحرب في سورية لتأسيس دولة تضم أجزاء من سورية والعراق مع موجة من الانتهاكات والقتل بحق الأقليات تجلت أيضاً في تهجير المسيحيين من أرضهم وإعدام الآلاف من المدنيين بطرق مرعبة وبربرية.

وأفضى ذلك في المحصلة النهائية الى تدمير سورية بصورة منهجية تامة. واتبع الجيش السوري وأنصاره تكتيكات الأرض المحروقة وحصار مناطق المعارضة وإلقاء البراميل المتفجرة التي جعلت تلك المناطق غير صالحة للسكن.

من جهة أخرى، سوف تحتاج سورية الى 200 مليار دولار على الأقل لعملية اعادة الاعمار وربما الى ضعف ذلك المبلغ ولكن المساعدات اللازمة للشروع بالعملية متعثرة بسبب حظرها من جانب الدول الغربية المطالبة باصلاحات سياسية لم تتحقق حتى الآن.

ولكن ربما تتمثل اسطورة سورية اللافتة في قدرتها على تفكيك وتمزيق النظام الدولي المبني على القواعد، وطوال عقد كامل من الحرب والدمار تم انتهاك كل القوانين الأخلاقية بصورة اشتملت على تحديات للأعراف والتقاليد وتحولت الى جزء من واقع الحياة اليومية. وكانت تلك صورة مغايرة تماماً للمجازر التي شهدها العالم في يوغوسلافيا السابقة ورواندا.

وبدلاً من ذلك – ومع مرور الوقت – أعقبت تلك الأوضاع دورات عنف عديدة تظهر الى أي مدى وصل سقوطنا فقد تم استخدام الأسلحة الكيميائية بصورة متكررة ضد المدنيين في جهد ناجح الى حد كبير في إخافتهم ودفعهم الى الاستسلام، كما استخدمت طرق التجويع بشكل متكرر أيضاً على شكل سلاح حرب من جانب الرئيس السوري وحلفائه في حملات تهدف الى استعادة المناطق التي سيطرت المعارضة عليها.

جرائم حرب موصوفة

ويشكل استخدام أسلوب البراميل المتفجرة جرائم حرب موصوفة تضاف الى الاعتقالات التعسفية والاختفاء القسري لعشرات الآلاف من المدنيين واستهداف المستشفيات واستخدام مساعدات الأمم المتحدة الانسانية على شكل أدوات سياسية جعلت الحياة لا تطاق بالنسبة الى المدنيين في سورية.

وسوف يكون من الصعب التنبؤ بوضع سورية في السنوات القليلة المقبلة وذلك لأن النزاع فيها دمر كل الأساطير التي رويت عنها وقد دمرت سورية كل شيء وهي تحاول تحطيم أحلام المواطنين وتطلعاتهم الى العيش بكرامة وسلام ورخاء.

في 2016 بلغ عدد القتلى في سورية أكثر من 400 ألف شخص

الجيش السوري اتبع تكتيك «الأرض المحروقة» وحصار مناطق المعارضة وإلقاء البراميل المتفجرة عليها
back to top