عزالدين الماعزي: الشعر مراوغة وعصيان والسرد أفقٌ حالِم

«أدين بالحُب وأحتمي بالشعر للمقاومة وللتحرُّر»

نشر في 03-01-2020
آخر تحديث 03-01-2020 | 00:14
لمعت تجربة الأديب المغربي عزالدين الماعزي في رحاب القصيدة، وأصدر لوحتين تشكيليتين في هيئة ديوانين هما «ارتعاشة ماء» و«يد في جيب الاستعارة»، قبل أن يلجأ إلى فضاء السرد، ويحلّق في سماء القصة القصيرة بمجموعات بديعة تتخذ من الحب والمشاعر الإنسانية درباً تسير على هَديه، مثل «حب على طريقة الكبار» و«قبلات في يد الهواء».
وفي حوار أجرته معه «الجريدة»، قال الماعزي إن الشعر مراوغة وعصيان، والسرد «شاعريته» أفقٌ حالم يبتغي الحرية، لافتاً إلى أن لكل مبدع مطبخه السري، وأنه يختار عناوين مجموعاته القصصية من عتبات بيوت قريته... وفيما يلي نص الحوار:
• «حب على طريقة الكبار» و«قبلات في يد الهواء»... ماذا يعني الحب بالنسبة إليك وكيف انعكس على نصوصك؟

- الحاجة إلى الحبّ، هي حاجة كل مجتمع وأمة، وبالضرورة في ظل الصراع والاقتتال والحرب اليومية على أي شيء، وضدّ أي شيء وفي ظل الخيبات المتكررة والإحباط وشتى أشكال التردي التي يعيشها الإنسان، أرى أن من واجبي كإنسان مبدع أن أتصوَّر العالم وأحلم بتغييره بنشر المحبة بدل تكميم الأفواه والمطاردة والاضطهاد، فبالحبّ يستطيع الإنسان أن يعيش الحب ويحقق بامتداداته سعادته، وحقاً أدين بدين الحبّ، بلغة الصوفية، وما أحوجنا إلى هذا الديدن الآن والعالم كلّه في أزمة قيم، وفي تجربتي المتواضعة، لجأت في كتاباتي السابقة إلى هذه التيمة من خلال الخيبات المتكررة وانكسارات العالم الطفولي والمراهقة، حيث لاحظ الكثير من المتابعين اهتمامي بعالم الأطفال وحضوره في المتن القصصي، لاسيما في مجموعتي الأولى «حب على طريقة الكبار»، ومن العنوان تكون البداية، بل أيضا في «قبلات في يد الهواء» كتنديد بزمن الخيبة والإحباط والتطلع إلى عالم يسوده الحبّ، وقد أُطلق عليّ حينها أنني قاص طفولي، ونُشرت مقاربات نقدية حول التجربة بأقلام محمد يوب وجميل حمداوي وسعاد مسكين وابراهيم الحجري.

الذاكرة تشتعل

• عناوين مجموعاتك القصصية حداثية وملفتة، كيف تختارها؟

- لكل مبدع منبعه، ومرتعه بل وأيضا مطبخه السري... يكذب عليك من يفشي سره، سرّ طبيخه وطرائق وصفته. مطبخي مرجعه قراءاتي المتعددة ومشاركاتي ومتابعتي للساحة الثقافية محلياً وعربياً، وأختار العناوين من عتبات بيوت قريتي، عالمي الذي أستكين إليه مرغماً وتشتعل الذاكرة فجأة، بحثاً، وترييضاً ونقشاً، حتى ان هناك من يجد عناوين مجموعاتي القصصية ممططة وطويلة على شاكلة «الرجل الذي فقد ذيله»، و«الأقزام يكبرون بسرعة» و«حب على طريقة الكبار» و«يوميات معلم في الجبل».

فقدان الأمل

• ذات مرة قلت: «كتاباتي تجميع لتعدد خيباتي وأعطابي المتكررة»... ماذا تقصد؟

- فعلا قلتها ومازلت أكررها، مازلنا نعيش في الهامش وفقدان الأمل والخيبة وتكرار الجراح والأعطاب، وصدق من قال «كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة»، فاختياري للقصة أو للقصة القصيرة جداً كان بديلاً أنطولوجياً إن صحت العبارة، ومن الشعر خرجت إلى السرد والسرد القصير جداً، ووجدت فيه كما جيلي، ولا أستثني أو أقصي أحداً، لأننا جيل المعاناة والإقصاء ومسلسل الإحباط، أليست الكتابة خلخلة الأشياء؟! إنها تفضح الغسيل والواقع ولأنها تسكنني، تكتبني، أرى أنها ارتعاشة جسد مثقل وقبلات تخيط الآلام والحرمان وتتوجع لاسترجاع المنفلت وإعادة التوازن إلى الغامض المبهم، فكتاباتي لا تحيد عن هذا المنحى، بل تضرب أطنابها في تربة البلد المبلّلة في المشاكل اليومية والحرمان والتسلط والشطط، لذلك اشتغلت مراسل جريدة جهوية ووطنية، ومازلت على الطريق أفضح الطغاة وأرفع عرائض رسائل الاستنكار وتعرية الواقع اليومي، ولذلك تتسلل مرغمة إلى نصوصي ساخرة وتصبح جزءاً مني.

سلاح المقاومة

• هل لديك منطلقات أخرى في الكتابة؟

- بخلاف جوابي السابق، لن أقول إلا أني أجد في الكتابة سلاح المقاومة والتغيير لأفق جميل ملؤه المحبة والصداقة والخير.

• يلمس من يقرأ قصصك مسحة شاعرية، متى تصبح لغة الشعر ضرورية في النص القصصي؟

- طبعاً، أشرت إلى أنني بدأت في جبة الشعر ولي ديوانان هما «ارتعاشة ماء» و»يد في جيب الاستعارة»، فأنا أحتمي بالشعر للمقاومة وللتحرر مما أنا فيه أو به، أجدني مهيئاً لذلك من قبل ومن بعد، تراكمياً أقول، الأمر يجعلني أكابد فعل المكابدة والمجاهدة بلغة الصوفية، ولكي أتحرّر مما أنا فيه، أجدُ ضالتي في الشعر، فالشعر مراوغة وعصيان، والسرد «شاعريته» أفقٌ حالم يبتغي الحرية والتحرر والانزياح والاسترسال بحثاً عن صيغ ومكامن الجمال الروحي.

نبض الشعر

• حين يتحجر القلم في يدك ويصبح الإحساس عصياً على الكتابة أيهما يسعفك: القصة أم القصيدة؟

- كلما توقّف نبض الشعر، التجأت إلى السرد، وكلما استعصت كتابة القصة أعود إلى الشعر.

أشكال العنف

• ما الذي تحققه لك السخرية كأداة تناقش من خلالها قضايا مجتمعية بعينها؟

-السخرية سلاح من لا سلاح له، سلاح وتصدٍ لكل أشكال العنف والاستبداد والظلم، لن تنقشع سحب الظلام ولن تنجلي إلا بالسخرية، إنها فنّ القول الماكر وهي الأبلغ في التعبير والإيصال.

نار هادئة

• ما العمل الأدبي الذي تعكف عليه حالياً؟

- أشتغل ببطء، وأعمالي تظل رهينة الانتظار، تختمر على نار هادئة، آخرها «بورتريهات من هنا والآن» عن بعض المبدعين، ومشروع الجزء الثالث من «يوميات معلم في الجبل» وهي سيرة سردية ببهار شعري، وأيضاً مجموعة قصص قصيرة جداً مازلت أبحث لها عن عنوان.

«قبلات في يد الهواء» تنديد بزمن الخيبة والإحباط والتطلع إلى عالم يسوده الحُب

لكل مبدع مطبخ سري وأختار عناوين مجموعاتي من عتبات بيوت قريتي
back to top