«الغانم» و«الفيلي»... و«عبدالعزيز الهزاع»

نشر في 02-01-2020
آخر تحديث 02-01-2020 | 00:10
 خليل علي حيدر اهتم د. عبدالله المدني في كتابه الذي نعرضه عن «النخبة الخليجية» بشكل خاص بالعصاميين من رجال الأعمال والتجار، وبخاصة الذين سافروا إلى الخارج وتركوا بلدانهم وقراهم الخليجية لتجربة حظوظهم في التجارة، كما تناول سيرة العديد من كبار التجار والعائلات الخليجية ومن هؤلاء «آل كلداري» و«عبدالله بن أحمد الغرير» الذي يعتبره الباحث «بيل غيتس العرب» من دولة الإمارات، و«حسن عباس شربتلي» و«عبدالله الحمد الزامل» من المملكة العربية السعودية، وعائلة «الغانم» الكويتية.

ويخصص د. المدني عشر صفحات لعائلة الغانم باعتبارها «من العائلات التجارية المعروفة التي لها ذكر في تاريخ الكويت منذ زمن الغوص على اللؤلؤ، وتسيير المراكب الشراعية صوب كراتشي وبومبي».

ويرافق الباحث العائلة منذ بداية نزوحها من «وادي الهدار» بنجد برفقة حكام الكويت، حيث بدأ الحاج أحمد الغانم، جدُّ الأسرة، وهو في الكويت، بعد أن امتلك السفن التجارية، «يشتري التمر من مزارع «آل صباح» الشاسعة في البصرة، «ويحملها على ظهر مراكبه الشراعية ويقودها بنفسه نحو بومبي مع نهاية فصل الأمطار الموسمية في شهر يونيو من كل عام. وفي بومبي كان يبيع حمولته من التمور ويشتري بثمنها من أسواق بومبي أو من أسواق ساحل مليبار (كيرالا حاليا) المواد الغذائية والأقمشة والشاي والسكر والأخشاب والفحم وأحيانا كان يمر في طريق عودته إلى الكويت على موانئ شرق إفريقيا مثل زنجبار وممباسا لشراء المزيد من البضائع التي تحتاجها السوق الكويتية. ولهذا فإن اسم الرجل محفور في تاريخ الكويت كأحد أبرز نواخذتها وملاحيها المهرة، بل أيضا كمالك لواحدة من سفنها المشهورة آنذاك وهي سفينة «الدنجية». (ص468).

إلا أن نقطة التحول في مسيرة هذه الأسرة المعروفة، يقول الباحث، وقعت عام 1925، عندما نكبت إحدى السفن التي كانت تنقل التمور، وكاد زوج ابنة الحاج أحمد الغانم أن يفقد حياته، فقررت الأسرة بعد ذلك الاستثمار في تجارة وتصدير التمور واستيراد المواد الغذائية، وشراء الأخشاب بكميات ضخمة من النواخذة والمستوردين الآخرين وبيعها، واشتهر الحاج أحمد إلى جانب التجارة بممارسة الطب لفترة طويلة!

ويضيف د. المدني: «والحقيقة أن الرجل كان اسما معروفا في المجتمع الكويتي في عشرينيات القرن الماضي لجهة معالجة مختلفة أنواع الأمراض الشائعة والكسور وتحضير ما يناسبها من أدوية عشبية ومراهم ولوازم التجبير، ويقال إنه كان ماهراً في هذا المجال بسبب حرصه على تعلم أسرار المهنة من الهنود الذين كان يخالطهم خلال رحلاته التجارية إلى الهند، ولعل آية مهارته أن الدكتور كالفرلي وزوجته إليانور استعانا به حينما أسسا المستشفى الأميركي في الكويت في ثلاثينيات القرن العشرين، كذلك فعل الطبيب الآخر في المستشفى الأميركي الدكتور ميلري الذي كان يستشيره في علاج الكسور تحديداً». (ص469).

ويواصل الباحث بعد ذلك الحديث عن دخول الأسرة مجال تجارة السيارات، وتولي الجيل الجديد في الأسرة إدارة شؤونها وفق قواعد الاستثمار الحديثة، كما تتبع في البلدان الغربية، إلى جانب دخول استثمارات مجالات كثيرة إلى جانب السيارات.

أما عائلة «كلداري»، فينسبها الباحث إلى بلدة تقع شرق منطقة بر فارس العربي بالقرب من بلدتي «أشكنان» و«تنكسير» جنوب إيران، ويقول مقتبساً من كتاب المهندس «محمد غريب حاتم» عن عرب الهوله، إن مفردة «كله» Galla تعني بالفارسية الماشية أو الأغنام، و«دار» لاحقة بمعنى مالكها، وهكذا فإن اسم القرية «كله دار» يعني «ملاك الماشية» التي ربما اشتهرت بها تلك القرية، وهي أسرة تحمل الاسم نفسه في العديد من الدول الخليجية وبخاصة دولة الإمارات التي هاجر إليها- إلى دبي تحديداً- «إبراهيم» جد الأسرة.

كان إبراهيم وريث الحاج «حسن كلداري»، أحد كبار تجار «بندر لنجة» المرموقين منذ العام 1879، ويضيف د. المدني فيما يدل على الروابط التي سادت في بداية القرن العشرين العوائل الخليجية:

«كان إبراهيم الأول وقت قدومه إلى دبي من أغنى أغنياء الخليج، شماله وجنوبه، فبنى أول منزل من الطابوق المسلح في دبي سنة 1933 بعد أن جلب الطابوق بحرا من كراتشي. وكان قد تزوج قبل ذلك (سنة 1931) من ابنة أحد وجهاء وأثرياء بلاد فارس ممن نزحوا مثله إلى دبي من لنجة، وهو السيد عبدالقادر عبدالله عباس البستكي الذي يقول عنه موقع تاريخ الإمارات الإلكتروني إنه كان أول من رست باخرته في ميناء دبي عام 1903 بدلا من لنجه، فاقتدى به معظم تجار لنجه، وأنه كان ذا ثروة طائلة آنذاك بلغت 18 مليون روبية (أو ما يعادل المليارات في زمننا الحاضر). أما ابنة هذا الثري التي تزوجها إبراهيم كلداري الأول فقد توفيت في «بومبي» ودفنت هناك في مقبرة العرب بجوار المسجد الذي بناه الشيخ يوسف بن عيسى القناعي. هذه المقبرة التي تضم رفات العديد من أبناء الأسر الخليجية الذين وافتهم المنية في تلك الديار الحبيبة إلى قلوبهم، ولم يكن بالإمكان نقل جثامينهم إلى أوطانهم بسرعة بسبب بعد المسافة وانعدام الوسائل السليمة لحفظ الجثث آنذاك، حيث تضم المقبرة رفات زوجة الشيخ يوسف القناعي وابنة عيسى وزوجته وحفيده فيصل بن عيسى، وقبر رجل البر والإحسان الوجيه الحجازي الشيخ محمد علي زينل صاحب مدارس الفلاح المعروفة، وقبر السلطات تيمور بن فيصل آل بورسعيد جد السلطان قابوس سلطان عمان، إضافة إلى قبور أسر البسام والبدر والإبراهيم والكلداري والخاجة والبستكي وغيرها». (ص111).

ويتحدث د. المدني عن سيدات الأسرة وبخاصة الدكتورة «مريم كلداري» التي عاشت بعض الوقت في الكويت فيقول: «على العكس من أجيال العائلة الأولى التي كان نساؤها يقبعن في المنزل كربات بيوت، نجد ضمن أجيالها الجديدة وجوها نسائية مبدعة استطاعت كسر حواجز العادات والتقاليد البالية والانطلاق في فضاءات العمل وخدمة الوطن. من هؤلاء الدكتورة مريم كلداري (شقيقة الدكتور إبراهيم كلداري) التي عاشت طفولتها في الكويت مع والدها الذي انتقل إلى هناك في الخمسينيات بحثا عن الرزق، فوجد له عملا في الحجر الصحي بميناء الأحمدي، وتخبرنا مريم في حديث لصحيفة الرؤية الاتحاد (23/ 8/ 2010) أنها عادت إلى الإمارات مع أسرتها في السبعينيات، ثم سافرت مع شقيقها الدكتور إبراهيم إلى القاهرة لدراسة الصيدلة، وأنها بعد تخرجها تم تعيينها في عام 1979 في وزارة الصحة كرئيسة للصيدلية في المستشفى الكويتي بدبي». (ص116)

من الشخصيات الإعلامية الخليجية اختار د. المدني المذيع الراحل «رضا الفيلي» أول مذيع تلفزيوني كويتي، ويشير إلى شغف «الفيلي» بالعمل الإعلامي الذي «بدأ مبكراً من خلال الإذاعة المدرسية وصحف الحائط»، وذلك في «مدرسة الصديق» عام 1955، وكان يعمل مذيعاً في رحلات الكشافة أثناء عطلة الربيع إلى مناطق الفنطاس والفنيطيس.

وكان انضمامه إلى الإذاعة، يضيف الباحث، «على يد المذيع الراحل حمد المؤمن»، وكان دخول المذيع الفيلي مجال التلفزيون قد بدأ عام 1961 عندما كلفته «دائرة المطبوعات»، برئاسة «بدر خالد البدر» بالعمل في «جهاز تلفزيون الكويت الذي كان التلفزيون الرسمي الأول في الخليج».

سعدت أن كتاب د. المدني عن «نخب الخليج» احتوى كذلك شخصية نادرة، بمواهب فنية إعلامية درامية مدهشة، كاد الجيل الحالي والدراما والتمثيل والتلفاز أن ينسوها، رغم أن هذا الشخص كان بمثابة مسرح كامل بشخصياته ومؤثراته الصوتية، ولكن خلف ميكرفون الإذاعة!

إنه الفنان «عبدالعزيز عبدالرحمن الهزاع العتيبي» (أبو سامي)، الممثل الإذاعي السعودي الشهير، صاحب البرنامج الفكاهي الإذاعي في السعودية والكويت وغيرها، بعنوان «يوميات حديجان»، إذ كان يؤدي بتقليده مختلف الأصوات أدوار شخصيات عديدة رجالية ونسائية، والذي كانت بداياته الفنية في فن «المونو دراما» هذا، تعود إلى أربعينيات القرن العشرين، قبل أن ينطلق بعد عقدين من الإذاعة السعودية... ويسعد جماهير واسعة!

تدرج الفنان «أبو سامي» في وظائف حكومية سعودية عديدة منذ عام 1950 وأصبح «مدير الفنون المسرحية» في الرئاسة العامة لرعاية الشباب، وذلك في مجتمع سعودي شديد المحافظة ووسط بيئة سلفية تدعو الجمهور إلى الابتعاد عن الدراما والمسرح والغناء والفنون التشكيلية وغيرها.

يقول د. المدني إن الفنان كما قال لصحيفة الحياة «صاحب مسيرة طويلة وحافلة استمرت لنصف قرن سجل خلاله في إذاعتي جدة والرياض آلاف الحلقات الاجتماعية والفكاهية الهادفة دون إسفاف أو ابتذال، ووفق لون جديد لم يسبقه إليه أحد آنذاك، حيث كان يقوم «بتمثيل وتقليد 15 شخصية مختلفة في مشهد تمثيلي واحد، من دون حدوث أي خطأ أو تداخل يشتت تركيز وانتباه المتلقي»، وهذا ما كان يصعب على الآخرين القيام به فبقي في الساحة دون منافس يذكر». (ص576).

ويضيف الباحث: «لقد كنت وزملائي من المحظوظين لأننا عشنا في الزمن الذي سطع فيه نجم هذا الفنان الموهوب، حينما كانت الإذاعة هي الوسيلة الوحيدة للتسلية والفكاهة، فقد ملأ الرجل دنيانا بالضحك والقهقهة إلى درجة أن الواحد منا كان يستمع إلى نتاجه المرة تلو المرة دون أن يمل أو يتوقف عن الضحك». ويضيف: «قدم الهزاع أعمالاً كثيرة كتبها بنفسه ثم مثلها مستخدما فيها موهبته الفذة والنادرة في تقليد أصوات البشر والدواب والآلات والمركبات». ويقول الباحث: «على الرغم من تنوع أعماله وتعددها فإن العمل الذي انطبع في ذاكرة جيل بأكمله هو تمثيلية إذاعية بعنوان «بدوي في الطيارة» التي أدى فيها أدوار البدوي حديجان، وأمه العجوز، وزميله مريبض، إضافة إلى أدوار موظف الجوازات وسائق التاكسي ونادل المطعم ومضيفة الطائرة عبر تغيير صوته ولهجته بما يتناسب مع المشهد».(ص576).

فتصور إمكانات الرجل الصوتية والتمثيلية وإلمامه بلهجات الشعوب العربية والفوارق بين أصوات الرجال والنساء والناس من مختلف الأعمار.

قدم «العتيبي» هذه التمثيلية الإذاعية البارزة في حداثة عهد الناس بالسفر الجوي والطائرات حيث كان أغلبهم يتهيب من السفر بواسطتها آنذاك، وكان أحدهم إذا عاد من السفر بالطائرة، يقول د. المدني، «يخبر أهله وأصدقاءه بما رآه في جوفها من مقاعد ومضيفات جميلات ووجبات غريبة ومقاعد وثيرة».

ولم يكن من النادر أن يرافق هذا الوصف «بعض البهارات اللازمة» من المبالغات والتندر.

سنحاول أن نجعل القادم آخر مقالات... «نخب الخليج».

back to top