مبالغة العرب في شِعرهم!

نشر في 31-12-2019
آخر تحديث 31-12-2019 | 00:20
 د.نجم عبدالكريم البلاغة والمبالغة لفظان من مصدر واحد، ولست هنا بصدد تعريف لُغوي، فالأبيات الشعرية ستفسّر نفسها، ليصل إليكم التعريف دونما عناء.

***

• فهذا الشاعر ابن حمديس الصقلّي يُبدع في المبالغة عندما يصف سرعة حصانه، حيث يقول:

ويكاد يخرج سرعةً من ظله لو كان يرغب في فراق رفيق

• وعلى النسَق نفسه يبالغ المتنبي فيصف جسمه بالقول:

كفى بجسمي نحولاً أنّني رجل لولا مخاطبتي إياك لم ترَني

• أما زهير بن أبي سلمى فقد بالغ بوصف الكرم حينما قال:

لو كان يقعدُ فوق الشمس من كَرمٍ قومٌ بأحسابهم أو مَجدهم قعَدوا

• وهناك شاعر لم تذكُر المصادر اسمه، بالغ في التقليل ممن أراد هجاءه، فقال فيه:

وقصيرٌ لا تعمل الشمس ظلّاً لقامته

يعثرُ الناس في الطريق به من دَمامته

• أما المؤمل المحاربي فيصف من يحبّها بالتالي:

مَن رأى مثل حبيبتي تُشبه البدر إذ بدا

تدخل اليوم ثم تدخل أردافها غدا

• ويبالغ البُحتري في نفاقه للخليفة المتوكل بالقول:

فلو انّ مشتاقاً تكلّف غير ما في وسعه لسعى إليكَ المنبرُ

• وهذا ذو الرمة بلغ به الإيغال بالوصف أن يقول:

أظنّ الذي يجدي عليك سؤالها دموعاً كتبذير الجُمان المفصّل

• أما أبو نواس فتصل مبالغته أن يمدح الأمين بما يتعارض حتى مع الدِّين، فيقول له:

ألا يا خير من رأت العيونُ نظيرك لا يُحسّ ولا يكونُ

وفضلك لا يُحدّ ولا يُجارى ولا تحوي حيازَته الظنونُ

خُلقت بلا مشاكلةٍ لشيءٍ فأَنت الفوقُ والثقلان دونُ

• وكلّ ما قيل من أشعار مُبالغ فيها في واد، وما قاله أبوسعيد الرستمي في مدح حسين بن أدرة في وادٍ آخر، حيث يقول له:

لو أصبحت داراً لك الأرضُ كلها لضاقت بمن ينتابُ داركَ سائلا

عقدت على الدنيا جداراً فحُزتَها جميعاً ولم تترك لغيرك طائلا

ولا غروَ أن يستحدث الليثُ بالثّرى عريناً وأن يستطرف البحرُ ساحلا

ولا الفلك الدوّار داراً ولا الورى عبيداً ولا زهر النجومِ قبائلا

***

ولا أريدُ الاسترسال بالكثير من المبالغات التي حفِل بها الشعر العربي، إذ سأختمها ببيتٍ قاله شاعر أندلسي يمدح به خليفته، فيتجاوز كل حدود الأدب والعقيدة عندما يقول له:

ما شئتَ لا ما شاءت الأقدار فاحكُم فأنتَ الواحد القهارُ

أستغفر الله العظيم مما جُبل عليه الشعراء من نفاق، وأبرز مثال لهم أبو العتاهية الذي قال للخليفة المهدي العباسي:

أتته الخلافةَ منقادةً إليه تجرجر أذيالَها

فلم تكُ تصلحُ إلّا له ولم يكُ يصلحُ إلّا لها

ولو رامها أحدٌ غيره لزُلزلتِ الأرضُ زلزالَها

ولو لم تُطعهُ بناتُ القلوب لما قبِلَ اللهُ أعمالَها

***

كانت لديّ رغبةٌ في أن أضرب أمثلةً بنفاق الشعراء المحدثين، لكن مع الأسف الشديد، لم أجد فيهم مَن يستحق حتى أن آتي على ذكره، لما ابتدعوه من طرقٍ رخيصة للاستجداء بشعرهم.

back to top