د. المدني يتحدث عن النائب «المساعيد» والشاعر «رفيع»

نشر في 19-12-2019
آخر تحديث 19-12-2019 | 00:10
 خليل علي حيدر نكمل الحديث عن كتاب الباحث البحريني، د. عبدالله المدني، الذي كرس لمجموعة من الشخصيات الخليجية، فكان د. أحمد الربعي، السياسي والأكاديمي والبرلماني وأحد المعروفين بشعبيته الواسعة أحد من اختاره من هؤلاء البارزين.

واختار إلى جانب "د. الربعي" شخصية برلمانية وسياسية وإعلامية ثانية مختلفة تماماً، وهي الراحل "عبدالعزيز المساعيد" (1915-2001)، صاحب أول جريدة كويتية يومية تصدر بعد الاستقلال، والتي كان ضمن طاقهما وكتابها عام 1961 الإعلامي العربي البارز الأستاذ "سمير عطالله"، وقد درس السيد المساعيد "بويوسف" القراءة والكتابة، يقول د.المدني، في مدرسة "الملا زكريا"، ثم عند الشيخين "عبدالعزيز حمادة" و"عطية الأثري"، ثم توجه بعدها إلى البصرة حيث درس في مدرستها الثانوية لغاية عام 1927، "وهي السنة التي عاد فيها إلى الكويت ليركب البحر، كما فعل والده من قبل، وخلال سنوات قصيرة راكم ثروة استثمرها في مجال الفنادق في الكويت ودبي ولبنان وفرنسا". (ص589).

صدر العدد الأول من (الرأي العام) في يوم الثلاثاء 16/ 4/ 1961، وكانت مكاتبها في سوق التجار، ورقم هاتفها (4161)، واختار "المساعيد" عبارة "الكويت- بلاد العرب"، لتعلو صفحتها الأولى دائماً.

كان المال متوافرا لإصدار الصحيفة، فيما كانت الكوادر الصحافية المحلية والخبرة التحريرية غير كافية، والأهم من ذلك عدم وجود المطابع!

يقول الصحافي "أحمد سيدو"، وكان من أبرز محرري الصحفية آنذاك، ومن عمل فيها ربع قرن: "ما من شك أننا حين بدأنا، كانت تنقصنا الخبرة.. ولم يكن لدينا مطابع ولا محروون، لذا اتفقت مع أحد المحررين اللبنانيين أن يعمل معي، كنا نجمع الأخبار، وآخذ المواد كل خميس، وأذهب بها إلى لبنان حيث تطبع الجريدة هناك، وأحضرها يوم السبت، لهذا السبب كانت الرأي العام في بداية نشأتها تصدر أسبوعية، وقد استمر هذا الإطار مدة أربعة شهور كفترة تجريبية، بعدها أحضرنا ماكينة طباعة من ألمانيا، وأنشأنا مطبعة صغيرة، وبدأتُ في طبع الجريدة هنا، وإصدارها يوميا في ثماني صفحات". (ص591).

وينسب د. المدني نجاح صحيفة (الرأي العام) إلى "عقلية المساعيد التجارية والصناعة كونه نشأ كرجل أعمال واستمر كذلك إلى أن توفاه الله، وفي هذا السياق يشبه المساعيد "كيث روربرت مردوخ" رجل الأعمال الأسترالي، ولم يكن المساعيد رجل صحافة وإعلام وتجارة فقط، إنما كان فوق ذلك سياسياً جريئاً يصدح بالكلمة المعبرة عن مواقفه دون خوف أو وجل أو تردد، فالسياسة كانت تجري في دمه منذ شبابه حينما شارك في مظاهرات شعبية في عام 1938 للمطالبة بإجراء انتخابات نيابية محلية، ثم حينما وجد نفسه متعاطفاً مع حزب الوفد المصري وتيار مكرم عبيد المنشق". (ص594).

ويشيد د. المدني بجرأة المساعيد وصموده فيقول: "وعلى الرغم من انتهاج "الرأي العام" خطاً سياسيا محافظا ومتناغما مع مواقف الحكومات الخليجية، في زمن كانت فيه الغلبة لصوت الأنظمة العربية اليسارية والثورية، إلى الدرجة التي كانت الشتائم والسباب تنهال من الأخيرة يوميا على المساعيد متهمة إياه بالخيانة والعمالة للأميركيين والغرب والرأسمالية، فإن الصحيفة استطاعت أن تصمد وتنتشر وتعزز وجودها في السوق، بل تمكنت أيضا من تفريخ العديد من المطبوعات الأسبوعية". (ص593).

ومن الإعلاميين الكويتيين البارزين الذين يوافقون د.المدني "د.عايد المناع" الذي كتب في صحيفة (الوطن) يشيد بالسيد المساعيد وصموده وحرية فكره، ويقول: "لقد اختلف الراحل عبدالعزيز المساعيد مع الكثيرين سياسيا وصحافيا، فقد كان يمينيا في فترة المد اليساري، وكان إقليميا في فترة المد القومي، وكان رجعيا في المفهوم السياسي، وليبراليا في المفهوم الاجتماعي، وبالرغم من كل ذلك فإنه حافظ على موقفه، ولم يتغير بتغير الظروف والأوضاع السياسية، ويسجل له أنه لم يساير الشارع الكويتي خاصة والعربي عامة في الاندفاع العاطفي لتأييد النظام العراقي في حربه ضد إيران، بل إنه كان معارضا لتلك الحرب"، وأضاف المناع مسرداً جانبا من الجوانب الإنسانية التي كان يتحلى بها المساعيد "ويسجل لعبدالعزيز المساعيد أن انفعالاته لم تكن تطغى على إنسانيته، فالصحافيون الذين عملوا معه يروون أنه في كثير من الأحيان يتخذ قراراً بفصل أو إنهاء خدمات صحافي أو موظف أو عامل لكنه إذا ما عرف أن قراره يضر بهذا الإنسان فإنه سرعان ما يتراجع عنه، ويبدو أنه كان ينطلق من فلسفة إنسانية هي قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق". (ص596).

من المستبعد أن يقنع هذا الدفاع الخصوم والمنتقدين للنائب المساعيد، من الكُتّاب والساسة، مهما تفهموا أفكار "المساعيد" ومصالحه وأولوياته، وسيثار مثلا ودوماً قراره الخطير المثير للجدل عام 1990 بدخول "المجلس الوطني الكويتي"، الكيان الذي اعتبر من المعارضة والكثيرين، بمثابة مجلس غير دستوري وغير شرعي، وأنه تأسس من قبل السلطات كبديل لمجلس الأمة الشرعي الذي كان قد حُل عام 1986، بعد مواجهات عاصفة بين نواب المعارضة والحكومة "على خلفية رغبة النواب في فرض رقابة على البنك المركزي".

ويشير كتاب د. المدني إلى "المحبة المتبادلة بين المساعيد وأبي الاستقلال الشيخ عبدالله السالم الصباح، تلك المحبة التي دفعت المساعيد للبحث عن طريقة يخلد بها ذكرى هذه الشخصية العظيمة في تاريخ الكويت، فكان أن اهتدى إلى فكرة صناعة تمثال له ينصبه أمام مبنى (الرأي العام) في شارع الصحافة. وبالفعل كلف "المساعيد" النحات الكويتي المتميز سامي محمد بالمهمة التي قام بها الأخير خير قيام بعد جهود مضنية استغرقت أكثر من عام". (ص597).

ويروي د. المدني بقية الحدث ذي الأهمية في تاريخ الفن والثقافة في الكويت فيقول: "لكن جماعة الإخوان المسلمين ممثلة في جمعية الإصلاح اعترضت على فكرة نصب التمثال، وهددت بوقفه من خلال ما كانت تملكه من نفوذ في البلدية، بدعوى أن نصب التماثيل مخالف للدين والعادات والتقاليد. ويقول الفنان سامي محمد في موقعه الإلكتروني إن المساعيد لملم الموضوع وحال دون تفاقمه بوضع التمثال في مدخل دار "الرأي العام"، وذلك خوفا من تكسيره مثلما تم تكسير تماثيل سور الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية في عام 1967". (ص598).

ولم يكن لباحث من دولة البحرين يترجم للشخصيات الخليجية البارزة والباقية الذكر، أن يغفل عن الشاعر الشعبي الكبير "عبدالرحمن رفيع"، شاعر البحرين ذي الشهرة الخليجية الواسعة والشعبية الجارفة، وبخاصة أنه لم يفارق جمهوره إلا من سنوات قليلة، إذ توفي سنة 2014 عن 78 عاماً. ولا شك أن جزءاً كبيراً من شهرته تعود، كما يؤكد الباحث، إلى تميز لهجته الشعرية وطريقة إلقائه! يقول د. المدني مؤكداً ذلك: "لم يكن الشاعر الكبير عبدالرحمن رفيع مجرد شاعر بحريني موهوب، وإنما سطع نجمه في دنيا الشعر الشعبي، مقدما شعرا يمتزج بلوحات كاريكاتيرية مضحكة تتعمد نقد مختلف الظواهر الاجتماعية بأسلوب سهل يسحر ألباب المتلقي. كما كان لطريقة إلقائه المسرحية المتميزة المعطوفة على لهجته البحرينية الأصيلة وقع السحر على المستمع، سواء في الأمسيات الشعرية المحلية أو في الفعاليات الثقافية الخليجية التي كان دوما في طليعة مدعويها، بل كان نجمها المتألق.

وأعتقد جازما أنه لم يمر في تاريخ الشعر الشعبي الخليجي من استطاع أن ينتزع الضحكة من قلوب الجمهور، نساء ورجالا، كبار وصغاراً، عامة ومثقفين، وأن يجعل من بعض أبياته أمثلة متداولة بين الناس، كما فعل رفيع في صولاته وجولاته الشعرية". (511).

ترددت أصداء وفاة الشاعر في دول الخليج، ولا شك أن الكثيرين من محبي الأدب الشعبي خاصة تأثروا بوفاته وشعروا بغيابه، وقد رثاه الشاعر الكويتي "وليد الضاحي" بقوله:

"دار الشعر أظلمت من طفى نجمن رفيع

كان بسمانا يرتهش يطرب بصوته رفيع

ما ظنتي ننسى أبد شاعرنا بن رفيع

شِعرك أصبح عندنا يبني بيوت رفاع.

لم يتيمز الشاعر عبدالرحمن رفيع بفن الإلقاء فحسب، ولم يبرز كشاعر شعبي فقط، فله قصائد ودواوين بالفصحى، يعددها د. المدني في كتابه، غير أن قصائده الشعبية عالجت بلطف ورشاقة قضايا اجتماعية وعاطفية اشتهرت إعلامياً، وربما كانت أكثر وأعمق تعبيراً عن المشاعر وتطلعات الجمهور.

نواصل الحديث!

back to top