حِلم القضاء وقسوته!

نشر في 17-12-2019
آخر تحديث 17-12-2019 | 00:25
 حسين العبدالله بينما تعج قاعات الجنايات بالحضور والمحامين، وبعد أن يعلن حاجب الجلسة عقدها يتقدم أحد المتهمين باتجاه منصة القضاء، للنظر في الاتهام الموجه إليه من النيابة العامة، فيسأله القاضي رئيس الجلسة عن رأيه في التهم المنسوبة إليه، فيكون جوابه بالنفي والإنكار لها، فيسأله الرئيس مجددا ومن ارتكبها إذاً؟!

وبعد مرور عدة أيام من تلك الواقعة، وأمام دائرة قضائية أخرى، يكون رد المحكمة على إجابة أحد المتهمين الذين مثلوا أمامها بقرار حبسه مباشرة وإيداعه قفص الاتهام في الجلسة، كما خاطبت هيئة ثالثة دفاع متهم فور التقدم بطلب استدعاء الشاهد الوحيد في القضية، وهو الضابط، بأن على الدفاع الترافع، والمحكمة لا تنظر بطلب استدعاء الضابط.

تلك الأحداث وإن كان قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية يقرر للمحاكم وللعليا مراقبتها باتخاذ قرارات بالالتفات عن الطلبات أو كحبس المتهمين في الجلسة، رغم إخلاء النيابة العامة سبيلهم أثناء فترة التحقيق، ولهم التخاطب مع المتهمين طالما لم يكن ذلك دالا على إبداء المحكمة إلى أي رأي مسبق بالاتهام الموجه إلى المتهم.

إلا أن تلك الأحداث أعادت إلى ذاكرتي مشاهدات أخرى تتعلق بطريقة تعامل بعض رؤساء الهيئات القضائية مع المتهمين ودفاعهم، والتي يتخللها بعض الشدة والنهر والقسوة في التخاطب، وعما إذا كان ذلك متوافقا مع آداب المحاكمة العادلة التي ينبغي أن يتمتع بها المتهمون أو المشتبه بهم في القضايا الجزائية، بل وينسحب ذلك إلى المدافع عنهم أثناء المحاكمة.

وإن كان ما صدر، ورغم أنه محدود جدا، ولا يمكن القياس عليه في كل الدوائر القضائية الجزائية، فإنه برأيي يستحق أن يكون محلا للنقاش والبحث، من زاويتين: الأولى أن القضاء هو السلطة المنوط بها الفصل في كل المنازعات، ومن بينها الجزائية، وهي السلطة الوحيدة التي يعمل القائمون عليها على تحقيق أمر واحد لا شيء سواه، وهو تطبيق العدالة على المتنازعين أمامها سواء كانوا جهات أو أفرادا، ومن ثم فإن الدستور والقانون اشترط فيمن يتولون أداءها الحيدة والتجرد والخلق الحسن والتخصص.

أما الزاوية الأخرى فهي أن القضاء يمثل أحد الأضلعة التي يتعين عليها إعمال مبدأ المحاكمة العادلة الذي كفله الدستور، والذي عهد للمشرع العادي تنظيمه وللقاضي تطبيقه، ومن أهم المبادئ التي يقوم عليها أن الأصل في الإنسان البراءة، وأن عليه أن يتأكد من توافر الضمانات القانونية التي وفرت للمتقاضي من قبل الأجهزة التي تتولى أمر التحقيق في المنازعات الجنائية.

وعليه، فإنه ينبغي على من يتولون أمر الفصل في كل المنازعات في محراب القضاء والعدالة، علاوة على تمتعهم بالحيدة والتجرد والخلق الحسن والتخصص، أن يتمتعوا وبحكم اللزوم، وفق ما تقتضيه طبيعة عمل القاضي، بصفات الحلم والرحمة والصبر والحكمة وطمأنة المتقاضين بأنهم يمثلون أمام قضاء، وبأن المحكمة يهمها الوصول إلى الحقيقة.

وذلك لأن استخدام بعض مفردات النهر والقسوة مع المتهمين أو دفاعهم في جلسة علنية، محاطة بالجمهور ورجال الأمن في الجلسات، قد يشعر المتهمين بالأسى والخوف والتوتر، من جراء تعامل بعض الهيئات القضائية، التي نكن لها كل الاحترام والتقدير، في مسلك إدارتها للجلسات، لكن من الضروري جدا إشعارهم بما يختلج نفوسنا، وبما نفكر فيه، ويفكر فيه من يخضعون للمحاكمة أمامهم، خصوصا أن أغلبهم تعد لحظة مثوله أمام المحكمة الأولى في حياته.

back to top