أين ثورة مقاومة مضادات الميكروبات؟

نشر في 16-12-2019
آخر تحديث 16-12-2019 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت من الواضح أن تهديد تغير المناخ يحجب التهديد المتمثل بمقاومة مضادات الميكروبات، ورغم أن مشكلة مقاومة مضادات الميكروبات لا تقل أهمية، فإنها لم تحظ بما يقرب حتى من ذات المستوى من الوعي العام.

أحد الأسباب وراء هذا واضح: فقد أصبحت أزمة المناخ ظاهرة محسوسة على نحو متزايد، ونحن البريطانيين لم نعد وحدنا في الهوس بشأن الطقس، فمن موجات الحر الشديدة في أوروبا والجفاف في جنوب إفريقيا وآسيا إلى حرائق الغابات في البرازيل وإندونيسيا وكاليفورنيا وضواحي سيدني، أصبحت آثار تغير المناخ واضحة في كل مكان، وقد خلقت هذه الصور المتواصلة موجة من الرأي العام الغاضب. وبمساعدة من الناشطين في مجال المناخ مثل غريتا ثونبرغ و"تمرد الانقراض"، أصبح قادة الأعمال وصناع السياسات الآن أكثر تركيزا على تغير المناخ من أي وقت مضى.

ولكن ماذا عن مقاومة مضادات الميكروبات، وعلى وجه التحديد المقاومة المتنامية للمضادات الحيوية القياسية؟ لا تزال وسائل الأعلام في مختلف أنحاء العالم تستشهد بالفكرتين الرئيستين المستخلصتين من المراجعة المستقلة لمقاومة مضادات الميكروبات التي توليت قيادتها في الفترة من 2014 إلى 2016. وإذا لم نخفف من اعتمادنا على المضادات الحيوية غير الضرورية وننجح في تطوير مضادات حيوية جديدة (أو بدائل مثل اللقاحات)، فإن الوفيات السنوية الناجمة عن مقاومة مضادات الميكروبات قد تصل إلى عشرة ملايين بحلول عام 2050. وعلى الصعيد الاقتصادي، ربما تتجاوز التكلفة الإجمالية لهذا الفشل (من عام 2015 إلى عام 2050) 100 تريليون دولار أميركي.

الواقع أنني لم أُجر المستوى نفسه من التحليل لتغير المناخ. فربما يتبين أن التكاليف المترتبة على خسارة الأرواح البشرية والإنتاج إذا فشلنا في معالجة هذه المشكلة أكبر، أو أصغر، أو متساوية تقريبا مع تلك المرتبطة بمقاومة مضادات الميكروبات، ولكن أيا كانت التكاليف، فقد كنت أعتقد لسنوات أن مكافحة تغير المناخ مسألة إدراك سليم من منظور إدارة المخاطر البحت، والآن بعد أن بدأ الوعي العام بشأن هذه القضية ينمو، فكذلك تنمو معه فرص الاستثمار الجديدة المعززة للثروة في الأشكال الخضراء للطاقة والإنتاج والاستهلاك. والواقع أن الاستثمار على نطاق واسع في الأغذية البديلة، والطاقة المتجددة، وشبكات النقل المنخفضة الكربون ربما يكون ما نحتاج إليه على وجه التحديد لتحريك عجلة الاقتصادات التي ظلت تكافح منذ أزمة 2008.

علاوة على تغير المناخ، هناك نظير آخر مواز لأزمة مقاومة مضادات الميكروبات: تفشي فيروس الإيبولا في الفترة من 2014 إلى 2016 في غرب إفريقيا، سارع صناع السياسات ومنظمات المجتمع المدني من مختلف أنحاء العالم إلى الاستجابة للوباء بفعالية، وهو ما يرجع في الأساس إلى حقيقة مفادها أنه كان خبرا رئيسا لأيام حتى في الدول الغربية، وانغمس الأميركيون في مخاوف (غير معقولة) من الإصابة بعدوى الإيبولا، وألغى الآلاف من الغربيين سفرهم إلى الخارج في حين طالبوا صناع السياسات بالقيام بأي شيء.

في ذلك الحدث، أودى تفشي الوباء بحياة أقل من 1200 شخص في الدول الأكثر تضررا به، وهو رقم مروع بكل تأكيد، لكنه في حقيقة الأمر أقل من حصيلة الوفيات الناتجة عن مقاومة مضادات الميكروبات في أوروبا خلال ذات الفترة، وكما لاحظت مراجعتنا، فإن مقاومة مضادات الميكروبات كانت تحصد أرواح 25 ألف شخص سنويا في أوروبا (مع أرقام مماثلة في الولايات المتحدة) اعتبارا من عام 2016، والآن، تُـبـلِغ المصادر ذاتها التي استشهدنا بها عن حصيلة وفيات سنوية وصلت إلى 33 ألف شخص، وهو ما يشير إلى أن معدل حدوث المضاعفات والوفيات المرتبطة بمقاومة مضادات الميكروبات يرتفع بسرعة أكبر مما توقعنا.

علاوة على ذلك، عند مستوى 53 مليار دولار، تجاوزت التكلفة التقديرية لتفشي وباء الإيبولا المبلغ اللازم لتمويل التدخلات التسعة والعشرين التي أوصت بها مراجعة مقاومة مضادات الميكروبات. وانتهت تقديراتنا إلى أن استثمار 42 مليار دولار على مدار عشر سنوات سيكون ضروريا لتجنب السيناريو المروع المبين أعلاه في عام 2050. ومع ذلك، لا نرى من الحكومات والمنظمات المتعددة الأطراف سوى قِلة من الخطوات الحقيقية، فضلا عن التصريحات العامة، في التصدي لهذا الخطر الذي يهدد بقاء البشر. تُرى هل تظهر ناشطة أخرى مثل غريتا ثونبرغ تتصدى لقضية مقاومة مضادات الميكروبات؟

مما لا شك فيه، يبدو أن انخفاضا حدث في استخدام المضادات الحيوية في الزراعة في بعض الدول الغربية، نظرا للضوابط التنظيمية الجديدة وتزايد طلب المستهلكين على المنتجات الخالية من المضادات الحيوية، كما حظرت الصين، وكذا الهند، استخدام الكوليستين- وهو المضاد الحيوي المهم الذي يمثل آخر خطوط المضادات الحيوية للبشر- في المواد الأولية الزراعية. ومع ذلك، فإن المتاح من المضادات الحيوية التي يمكننا بها معالجة أشكال العدوى الناجمة عن الجراثيم المقاومة لمضادات الميكروبات تنفد بسرعة، كما تتجنب شركات الأدوية هذا المجال من التطوير، نظرا لمخاطرها المالية والافتقار إلى العائد المضمون.

ولكن على نطاق أوسع، بدأ المستثمرون وكبار المسؤولين عن الشركات رغم ذلك يفكرون على نحو متزايد في الكيفية التي يمكنهم بها جعل استثماراتهم ونماذج أعمالهم أكثر مراعاة للمسؤولية الاجتماعية، وخاصة من خلال التخلص من الوقود الأحفوري. وتلقى مثل هذه المناقشات الترحيب. ولكن متى سنرى دَفعة مماثلة لسحب الاستثمارات من شركات الأدوية التي ترفض دعم تطوير مضادات حيوية جديدة، أو من الدول التي لا تستثمر في التدابير الكفيلة بمنع الزيادة السريعة في معدل الإصابة بالأمراض التي تسببها الجراثيم المقاومة لمضادات الميكروبات؟

نظرا للافتقار إلى أي تحرك في التعامل مع هذه القضية، فقد حان الوقت للبدء بممارسة الضغوط لحمل الدول على إدراج مقاومة مضادات الميكروبات كسبب للوفاة في شهادات الوفاة العامة، ومن جانبه، يتعين على صندوق النقد الدولي أن يبدأ تحليل أنظمة الصحة الوطنية في تقييماته على مستوى الدول، كما يفعل الآن في ما يتصل بمدى الاستعداد لمواجهة تغير المناخ.

إن الحملة العالمية المطالبة بالعمل المناخي لديها الآن القوة اللازمة للقيام بما نسميه نحو في عالم التمويل "تجارة الزخم"، ومن ناحية أخرى، تبدو قضية مقاومة مضادات الميكروبات عالقة في ما نسميه "فخ القيمة"، لكن هذه الحال لن تدوم إلى الأبد، وبطريقة أو أخرى، ستبرز هذه القضية في الصدارة.

* جيم أونيل

* رئيس مجلس إدارة غولدمان ساكس لإدارة الأصول الأسبق، ووزير خزانة المملكة المتحدة الأسبق، وهو يشغل منصب رئيس تشاثام هاوس حاليا.

«بروجيكت سنديكيت، 2019» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top