كيف يتحقق الصمود المقــاوم؟

نشر في 15-12-2019
آخر تحديث 15-12-2019 | 00:08
 مصطفى البرغوثي يمثل بقاء الفلسطينيين في فلسطين، رغم التهجير والقمع والاحتلال والتمييز العنصري، أهم معلم لفشل الحركة الصهيونية، أما المعلم الثاني فهو استمرار ارتباط الفلسطينيين المهجرين في الخارج، بوطنهم وقضيتهم، حتى في ظروف الإحباط والتراجع.

ولا يوجد ما هو أهم من العمل على استمرار ذلك الوجود والارتباط، لضمان مستقبل أفضل للشعب الفلسطيني، وذلك يعني أن مجمل النشاط الاقتصادي، والاجتماعي، والسياسي الفلسطيني يجب أن يضع تعزيز وبقاء الفلسطينيين في مقدمة أهدافه.

وسواء تعلق الأمر باستراتيجية وسياسات الحكومة الفلسطينية، أو نشاط القوى السياسية، أو فعاليات المجتمع المدني، فإن الأولوية يجب أن تعطى لدعم صمود الفلسطينيين وبقائهم في وطنهم، وتعزيز مقومات قدرتهم على مقاومة مخططات الضم، والتهويد، والترحيل.

وترجمة ذلك على أرض الواقع تعني إعطاء أولوية في التخطيط الاقتصادي لمكافحة البطالة بين الشباب، وخاصة الشباب المتعلمين، وهي تعني التركيز المكثف على المشاريع التنموية الصغيرة والمدرة للدخل، وتغيير سياسات الإقراض البنكية لتنتقل من التركيز على الأنشطة الاستهلاكية إلى دعم المشاريع الإنتاجية، وضمان ذلك هو واجب سلطة النقد التي تشرف على عمل البنوك.

وترجمة ذلك تعني إصدار قانون الصندوق الوطني للتعليم العالي الذي مر على إقراره من المجلس التشريعي أربعة عشر عاماً، ولم يصدر كقانون بعد، وهو قانون من شأنه دعم مئات آلاف الطلاب وعائلاتهم، وتعزيز قدرات الجامعات والعملية التعليمية.

وترجمة ذلك تعني إعادة توزيع الموازنة الفلسطينية التي تشكل الضرائب التي تجبى من الفلسطينيين أنفسهم أكثر من 92% منها، بحيث ترفع مخصصات التعليم، والصحة، والبنى التحتية التنموية، وبحيث يمكن رفع مستوى نوعية الخدمات الصحية، وتوفير التأمين الصحي الشامل للجميع، وتعني تخصيص موارد حقيقية لدعم الزراعة والمزارع الفلسطيني وكل ما يساعد في حماية الأرض والدفاع عنها.

وتنفيذ ذلك يعني إنهاء الانقسام وتعزيز الديمقراطية الداخلية، وسيادة القانون وتكافؤ الفرص وإجراء الانتخابات الحرة النزيهة دورياً، ووضع حد الى الأبد للزبائنية السياسية، وكل أشكال الواسطة والمحسوبية، كما يعني القبول بمبدأ التعددية، وفصل السلطات، وقبول الرأي والرأي الآخر وإشعار المواطن أنه يعيش في وطن يحترم كرامته وحقه في حرية الرأي والتعبير، ولا تتعرض فيه مصالحه للخطر.

أي وبكلمات أخرى، إشعار الإنسان والمواطن الفلسطيني بالأمان الداخلي وهو يواجه الخطر وانعدام الأمان من قبل المستعمرين والمحتلين، وإذا تحقق كل ذلك فسيصبح من السهل استقطاب الدعم والاستثمار من الفلسطينيين القادرين على الاستثمار في وطنهم، وهناك أدلة وأمثلة رائعة كثيرة على ذلك لمدن وقرى لا يقصر أبناؤها في المهجر في دعم مشاريعها التعليمية، والصحية، والتنموية. كما أن ذلك سيمثل خطوة نحو تعزيز الارتباط بين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة وأشقائهم وشقيقاتهم ممن يعيشون في أراضي 1948 بكل الأشكال السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ولا داعي للتذكير بأن إنهاء حالة الانقسام السياسي وإعادة بناء العلاقات الوطنية على أساس من الاحترام المتبادل هو من أهم شروط تحقيق تعزيز الصمود الوطني، كما أن تحقيق وحدة الوطن تعني إيلاء اهتمام فوري وشامل لإنقاذ أبناء شعبنا وبناته في قطاع غزة من المعاناة الإنسانية وآثار الحصار الظالم، وإلغاء أي شكل من التمييز يمكن أن يكون قد نشأ عن حالة الانقسام تجاههم. بالخطوات العملية الملموسة والمحسوسة فقط يمكن إعادة بعث روح الأمل والتفاؤل لدى أبناء الشعب الفلسطيني، وطرد كل تفكير بالهجرة والهروب، من أذهان شباب يشعرون بالغربة في وطنهم، وبانعدام الفرص والأمل في حياتهم.

بالإجراءات والأعمال الملموسة، لا الكلام المعسول أو الخطابات يمكن إقناع المواطنين الفلسطينيين بأن هناك مشروعاً وطنياً جدياً وجامعاً لتعزيز صمودهم في وطنهم، ولشق طريق تحررهم الوطني، والإنساني والاجتماعي.

* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية

back to top