إدانة ترامب بتدخل أوكرانيا في انتخابات 2016 تخدم بوتين

نشر في 13-12-2019
آخر تحديث 13-12-2019 | 00:00
فلاديمير بوتين - دونالد ترامب - باراك أوباما
فلاديمير بوتين - دونالد ترامب - باراك أوباما
يعمل الجمهوريون في «الكونغرس» والمعلقون المحافظون، على الدفاع عن ترامب والحيلولة دون إدانته، من خلال اتهام أوكرانيا بالتدخل ضده في الانتخابات الرئاسية في عام 2016– وذلك على الرغم من التحذيرات المتكررة من جانب مسؤولي الأمن القومي وأجهزة الاستخبارات بأن تلك المزاعم لا أساس لها، كما أنها تشكل خدمة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يسعى الى تشويه صورة أوكرانيا.

وفي الأيام الأولى من رئاسة ترامب حاول الكثير من الجمهوريين النأي بأنفسهم عن لهجة الرئيس الودية نحو بوتين، ولكن عدداً من المشرعين الجمهوريين كرروا مواقف الكرملين إزاء أوكرانيا في الأسبوع الماضي.

وتأتي هذه الخطوة من جانب الحزب الجمهوري، بعد رفض مجلس الشيوخ الأميركي الذي يخضع لأكثرية من الحزب لطرح مشروع قانون من الحزبين يقضي بفرض عقوبات على روسيا، إذا تدخلت ثانية في انتخابات 2020.

قانون الردع

وقد حاول السناتور كريس فان هولن دون نجاح إقناع زعيم الأكثرية في مجلس الشيوخ ميتش ماك كونيل بربط مشروع قانون آخر يدعى مشروع قانون الردع بغية ضمان تمريره ولم يتمكن هولن من طرح بديل.

وإزاء خلفية تودد ترامب إلى بوتين قدم الجمهوريون في «الكونغرس» سجلاً مختلطاً حول روسيا. وفي عام 2017 انضم كل أعضاء الحزب الجمهوري الى الديمقراطيين من أجل تمرير تشريع يمنع ترامب من إلغاء عقوبات ضد روسيا فرضها الرئيس السابق باراك أوباما، بعد غزو روسيا لأوكرانيا في عام 2014. كما أن الكثير من أعضاء «الكونغرس» من الحزب الجمهوري انتقدوا علانية قرار الرئيس ترامب سحب القوات الأميركية من سورية في وقت سابق من هذه السنة، والذي اعتبر خدمة لوضع موسكو في منطقة الشرق الأوسط.

ولكن مجلس الشيوخ سمح لإدارة ترامب في الوقت ذاته بالمضي قدماً في رفع العقوبات عن أحد المسؤولين الروس يدعى أوليغ ديريباسكا في شهر يناير الماضي.

اختبار إدانة الرئيس

توفر محاولة إدانة الرئيس ترامب الآن اختباراً لقياس مدى تمكنه من تغيير مواقف الجمهوريين في «الكونغرس» نحو موسكو، وذلك بعد أن أصر النائب الجمهوري ديفن نيونز من كاليفورنيا، خلال جلسة الاستماع في الشهر الماضي، على أن أوكرانيا تدخلت في الانتخابات الرئاسية في عام 2016 ضد ترامب. وفي أواخر شهر نوفمبر الماضي زعم السناتور جون كيندي من لويزيانا خلال مقابلة تلفزيونية أن أوكرانيا –وليس روسيا– قد تلاعبت بحواسيب اللجنة الوطنية للديمقراطيين في عام 2016.

ولم تتمكن لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، خلال تحقيقاتها في التدخل في انتخابات 2016 من العثور على دليل يؤكد تدخل أوكرانيا. ونقل مقدم البرامج السياسية في قناة فوكس نيوز تاكر كارلسون تلك المجادلات الى مستويات أعلى، وذلك من خلال القول «أنا أظن أن علينا الوقوف الى جانب روسيا إذا كان علينا أن نختار بين روسيا وأوكرانيا».

انتقاد أوكرانيا

يذكر أن أحداً من كبار الجمهوريين في الكونغرس لم يذهب الى هذا المدى حتى الآن. ولكن خبراء السياسة الخارجية في الحزب الجمهوري لا يزالون يشعرون بقلق من محاولات قادة الحزب الهادفة الى الدفاع عن الرئيس ترامب من خلال توجيه انتقادات لاذعة الى أوكرانيا.

ويقول ريتشارد فونتين الذي يدير مركز الأمن غير الحزبي «نيو أميريكان سيكيوريتي»، وكان كبير المستشارين في شؤون السياسة الخارجية لدى السناتور الراحل جون ماكين من ولاية أريزونا: «كبداية أنتم تمضون نحو تأكيد خط الكرملين حول التدخل منذ عام 2016... نعم حدث شيء ما، ولكن ذلك تم لأن أوكرانيا قامت به لا نحن. وثمة فارق في أن يقول بوتين تلك الأشياء أو أن تصدر عن المتحدث باسم الكرملين، وعندما يقول قادة منتخبون مثل هذه الأشياء فإنهم يعطونها جرعة كبيرة من المصداقية، وذلك ليس شيئاً جيداً».

وكان ديفيد هيل، وهو وكيل وزارة الخارجية الأميركية، قد أعرب عن تلك المخاوف، عندما سئل في جلسة استماع في مجلس الشيوخ يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي عن عواقب ما يقال، مؤكداً «أن ذلك لا يخدم مصالحنا».

وتجدر الإشارة إلى أن الاتهامات ضد أوكرانيا اجتذبت حملات شديدة خلال الأسبوع الماضي، من جانب الديمقراطيين، ولكن قلة فقط من الجمهوريين– وخاصة السناتور ميت رومني من ولاية يوتاه– شجبوها علانية. وقال السناتور كريس فان هولن «ما نراه، لسوء الحظ، هو مجرد تبني الجمهوريين لوجهة نظر ترامب، والتي تتصادف أيضاً مع وجهة نظر بوتين».

السؤال الكبير

ويتمثل السؤال الكبير راهناً في مدى انعكاس تغير لهجة الحزب الجمهوري إزاء روسيا على شكل تغير مستمر، في مقابل ارتباط مؤقت مع الرئيس ترامب أو المناورات التكتيكية في عملية الإدانة.

ويذكر أنه في عهد ترامب غير ائتلاف الحزبين المواقع حول روسيا، وخلال الفترة الأولية من هذا القرن أعرب عدد من الناخبين الجمهوريين وبقدر أكبر من الديمقراطيين عن وجهات نظر سلبية نحو روسيا– ولكن منذ انتخاب دونالد ترامب للرئاسة في عام 2016 أعرب عدد أكبر من الجمهوريين، وبنسبة تفوق عدد الناخبين الديمقراطيين، عن وجهات نظر إيجابية ازاء روسيا.

وحتى قبل انتخاب ترامب للرئاسة، أشاد بعض الاشتراكيين المحافظين بالرئيس بوتين، باعتباره مدافعاً عن القيم الاشتراكية المحافظة، وشريكاً محتملاً في المعركة ضد التطرف الاسلامي، ولكن الحركة الكبيرة في الحزب الجمهوري –بحسب استطلاعات الرأي– حدثت بعد أن بدأ الرئيس ترامب بالإشادة بالفوائد المحتملة التي يمكن أن تتحقق من خلال اقامة علاقات أوثق مع بوتين والتشكيك في قيام موسكو بالتدخل في انتخابات الرئاسة الأميركية في عام 2016.

استطلاعات الرأي

في استطلاع للرأي أجراه مجلس شيكاغو ونشر في شهر فبراير الماضي، قال أكثر من نصف عدد الناخبين الجمهوريين إن على الولايات المتحدة السعي الى اقامة علاقات تعاون مع روسيا، في حين قال نحو ثلثي عدد الديمقراطيين إن على بلادهم أن تسعى الى احتواء موسكو. ومن بين الجمهوريين الذين تقل أعمارهم عن 45 عاماً أراد ما يصل الى ثلاثة أخماس من الذين استطلعت آراؤهم أن تسعى الولايات المتحدة الى إقامة علاقات ودية أوسع مع روسيا.

وعلى الرغم من ذلك، أظهرت دراسات ميدانية أنه فيما يعرب مزيد من الجمهوريين، بمعدل يفوق الديمقراطيين، عن آراء ايجابية نحو روسيا؛ فإن شريحة كبيرة من الناخبين الجمهوريين تعبر عن وجهات نظر غير ملائمة حول موسكو والرئيس بوتين. ومن شأن تلك الحصيلة أن تشجع البعض من خبراء السياسة الخارجية في الحزب الجمهوري على الاعتقاد بأن تودد الحزب نحو موسكو قد لا يستمر بعد انتهاء رئاسة ترامب.

وقد أخبرني بيتر فيفر وهو أستاذ علوم سياسية في جامعة ديوك، وسبق له أن عمل مساعداً في مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، أخبرني أن تقارب الرئيس ترامب مع روسيا قد لا يفضي الى أي نوع من تغيير دائم. كما أنه جادل في وجود ما يكفي من الشك في أوساط الحزب حول سياسة ترامب نحو روسيا –والدور الدولي للولايات المتحدة بصورة أوسع– بحيث إن الرئيس يجازف بظهور استياء يدفعه إلى التراجع، كما حدث في خطته الخاصة بانسحاب القوات الأميركية من سورية. وحتى في داخل الادارة الأميركية، يظل معظم خبراء السياسة الخارجية مشككين في مواقف الرئيس بوتين، وهو ما يساعد على تفسير سبب اتخاذ إدارة الرئيس ترامب خطوات نحو روسيا أشد قسوة من لهجة ترامب التصالحية.

وقال فيفر أيضاً «ما من أحد يعلم بصورة مؤكدة –بمن في ذلك الرئيس نفسه– إلى أي مدى يمكن دفع الحزب»، كما أن الرئيس يسير في حقل ألغام «ولا يعلم متى سوف يدوس على لغم».

وقد يكون ذلك صحيحاً، ولكن رغبة المزيد من الجمهوريين في الكونغرس في إظهار درجة أوسع من الاستياء من أوكرانيا –على الرغم من التحذيرات المتكررة من جانب خبراء الأمن القومي المحافظين بأن ذلك يخدم الدعاية الروسية– تشير الى ازدياد رفض الحزب لموقف الرئيس ترامب إزاء روسيا.

وكما أخبرني ريتشارد فونتين فإن «أحد الأسباب التي اجتذبت الناس الى الحزب الجمهوري هو أنه كان من المشككين في نظام موسكو، وهو تقليد جمهوري آخر ألقى الرئيس ترامب به في ركام التاريخ».

● رونالد براونستين

back to top