انتخابات ليست كأي انتخابات

نشر في 11-12-2019
آخر تحديث 11-12-2019 | 00:20
 أ.د. غانم النجار تجرى غداً الانتخابات البرلمانية البريطانية، إلا أنها ليست كأي انتخابات مضت، فقد تؤدي إلى تغيير المملكة المتحدة كما نعرفها، وقد تتغير فيها الخريطة الحزبية السياسية؛ فقد تخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، كما قد تستقل أسكتلندا، وسيتعقد وضع أيرلندا الشمالية أكثر مما هو معقد. هي أول انتخابات تجرى في ديسمبر منذ 100 عام، يسودها عدم الثقة بالطبقة السياسية، وتسيطر عليها دراما حالة حرب استنزاف سياسية في التشكيك في كل شيء وكل مقولة.

استطلاعات الرأي تشير إلى تقدم المحافظين، وإن كان حزب العمال يقلص الفجوة، ويحتاج رئيس الوزراء جونسون إلى 320 مقعداً لينفذ خطة بريكست بالخروج من الاتحاد الأوروبي. الأحزاب الأصغر قد تؤثر على المخرجات، ولكن المنافسة هي بين الحزبين الكبيرين، وقد تحدث مفاجأة مثل 2017 ببرلمان معلق.

القضية الرئيسة لحزب المحافظين هي بريكست، شعاره الرئيسي، وكل شيء مؤجل عداها. والقضية الرئيسة لحزب العمال هي استعادة هويته الاشتراكية بزيادة الإنفاق، وتأميم العديد من الخدمات كالاتصالات والقطارات.

التركيز على البعد الشخصي لافت للنظر، فجونسون شخصية مثيرة للجدل، ولا يثق به أغلبية البريطانيين، فقد فصل كل معارضيه داخل الحزب، وغيّر من سياسة الحزب التقشفية، وأحدث تذمراً كبيراً في قواعد الحزب.

أما زعيم حزب العمال جيريمي كوربين فهو مثير للجدل أيضاً، ولكن لأسباب أخرى؛ فهو من اليسار، ويحاول إعادة حزب العمال كما كان قبل توني بلير، ويتعرض لهجوم حاد منذ توليه قيادة الحزب، ومن ذلك اتهامه بمعاداة السامية، لدعمه للقضية الفلسطينية، وتردده في محاسبة أعضاء حزبه، إلا أن الحزب صار محطة لحراك اجتماعي شبابي، رفع عضويته الفاعلة إلى أكثر من 450 ألف عضو، وهو رقم يتجاوز عدد أعضاء الأحزاب مجتمعة.

الحملة الانتخابية شهدت أكبر وعود بالإنفاق العام، بما فيها المحافظون، متراجعة عن عقود من التقشف، التي أرهقت مؤسسة الصحة العامة، القضية الثانية بعد بريكست، والتي تعاني كمرفق من نقص حاد في الأطباء والممرضات، وبالتالي صار لابد من فتح التعيين للأجانب، مما يتناقض مع سياسة الحد من الهجرة، كما يتهم كوربين جونسون بمحاولته بيع مرفق الصحة للشركات الأميركية، وهو ما ينفيه جونسون.

إن فاز حزب المحافظين، فسيتحمل عبء بريكست، وهو ليس بهذه السهولة، والإيفاء بالوعود الإنفاقية، إلا أنه سيصبح حزباً تغيرت ملامحه، ربما شيئاً مختلفاً، محافظين جدداً، وربما تأسيس حزب جديد. أما إن فاز حزب العمال، فسيكون عليه تحقيق وعوده، وما أكثرها وما أصعب تنفيذها! إلا أن المؤكد أن الحزب صار محطة استقطاب لحراك اجتماعي جديد.

لن تنتهي المعركة بإعلان النتائج كالعادة، فهناك واقع اجتماعي وسياسي، وربما جغرافي، متغير قادم، وهي انتخابات ليست كأي انتخابات، وإن غداً لناظره قريب.

back to top