الإعلان الذي كان وسيكون

نشر في 09-12-2019
آخر تحديث 09-12-2019 | 00:20
 أ.د. غانم النجار تحل علينا غداً الذكرى الـ 71 لإقرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حيث جرت المداولات الأخيرة والتصويت بباريس في العاشر من ديسمبر 1948، بعد تحضيرات مضنية زادت على 3 سنوات.

لم يكن صدور الإعلان في ذلك الزمن إيذاناً بصحوة الضمير العالمي، بل كان استجابة لأحداث حروب دامية، راح ضحيتها أكثر من 70 مليون إنساناً، وطفت على السطح مفاهيم ارتكبها بشر قساة كالإبادة الجماعية والعبودية الجنسية، فكان أن قرر المنتصرون في الحرب العالمية الثانية في "دومبارتون اوكس"، بسان فرانسيسكو، أن يظهروا بعداً إنسانياً حيال ما جرى من مآس، ومن ثم جاء ذكر مصطلح "حقوق الإنسان"، خمس مرات في ميثاق الأمم المتحدة، فجاء في مبررات صدور الإعلان التالي: "كان تناسي حقوق الإنسان، وازدراؤها، قد تسببا في أعمال همجية آذت الضمير الإنساني، وكان غاية ما يسعى له البشر انبثاق عالم يتمتع فيه الفرد بحرية القول، والعقيدة، ويتحرر من الفزع، والفقر".

كما أعطى الإعلان أيضاً مبرراً ومشروعية للتمرد: "ولما كان من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان، لكي لا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم".

صدر "الإعلان"، الوثيقة الإنسانية الأكثر أهمية في تاريخ البشرية، وصارت هي المعيار الذي يفترض أن تلتزم به الدول للحفاظ على كرامات البشر، دون تمييز بسبب العرق أو الدين أو اللغة أو الأصل أو اللون أو غير ذلك.

ومع أن عمر "الإعلان" بلغ 71 عاماً فإن الممارسات على الأرض يندى لها الجبين، في زمن تجاوز فيه عدد اللاجئين 65 مليون إنسان. فعلى الرغم من تطور آليات الحماية لحقوق البشر فإن انتهاكات كرامات الناس، على حساب المساواة والعدالة، مازالت هي السائدة.

لم تكن هناك أوهام قبل 71 عاماً في استطاعة حماية حقوق البشر على الأرض عن طريق وثائق دولية، فالمخاض كان سياسياً بامتياز، ولربما جاء بمنزلة رفع عتب، عن مجازر حروب كبرى، ارتكبتها دول كبرى، ومن ثم مسحت سيوف تقطر دم أبرياء، بخرق بالية، لا تسمن ولا تغني من جوع. مازلنا كما يبدو نعايش نفس المأساة، هذه المرة تشترك فيها دول كبرى وصغرى وجماعات مسلحة على حد سواء.

قد يأتي يوم يكون فيه العالم أكثر إنسانية، إلا أن الواضح أنه صار للإعلان قيمته المعنوية الفائقة التأثير، لا ينافسه في ذلك أحد، وصارت قيمه ومبادئه هي المادة التي يتحرك فيها ملايين البشر من كل الملل والنحل، ويستخدمونها في سلوك سبيل العدالة والمساواة بمواجهة الطغيان، ومناهضة التعذيب، والاتجار بالبشر، وحماية البيئة، في كل بقاع العالم فصاروا يزرعون الأمل في وجه الألم.

back to top