خيارات خامنئي المحلية والخارجية لمواجهة الاحتجاجات

نشر في 29-11-2019
آخر تحديث 29-11-2019 | 00:00
دونالد ترامب - علي خامنئي
دونالد ترامب - علي خامنئي
في الوقت الذي تحاول فيه طهران احتواء المظاهرات المستمرة التي أثارها قرارها الصادر في 15 نوفمبر والمتمثّل في رفع أسعار البنزين، يطرح العديد من خياراتها معضلات للنظام الإيراني ويشكّل خطر نشوء نتائج عكسية، فمن الناحية التكتيكية، إغلاق شبكة الإنترنت يجعل من الصعب على المتظاهرين تنظيم أنفسهم، لكنّه يوفّر أيضاً وقتاً إضافيّاً للناس، ما قد يدفع بعضَهم على الأقل إلى الخروج إلى الشارع، وهي ظاهرة شهدتها مصر عام 2011، عندما ازدادت التظاهرات بشكلٍ ملحوظ بعد فرض قيود على الإنترنت. ويركّز هذا "المرصد السياسي" على مجموعتين أخريين من الخيارات التي طُرحت أمام المرشد الأعلى علي خامنئي وغيره من المتشددين منذ بدء الاضطرابات، وهما: مَنْ الذي يُلام على اندلاع الاحتجاجات، وما الخيارات الواجب اتّباعها تجاه الولايات المتحدة.

أمام خامنئي ثلاثة خيارات أساسية فيما يتعلق بإلقاء اللوم، لجعل الاحتجاجات تصبّ في صالحه وحماية مصالح النظام، وسبق أن بدأ المتشددون في استهداف هذه الأهداف، رغم أن كل خيار يحمل معه مخاطر سياسية.

الولايات المتحدة والقوى الخارجية الأخرى

وصف العميد غلام رضا سليماني، قائد قوات ميليشيا "الباسيج" في إيران، الاحتجاجات بأنها "مؤامرة أميركية"، ويتناسب ذلك مع انشغالات خامنئي منذ فترة طويلة فيما يخص الرعاية الأميركية المفترَضة للثورات الملوَّنة في الخارج، على سبيل المثال سبق أن انتقد المرشد الأعلى التظاهرات في فنزويلا وهونغ كونغ والعراق ولبنان، مدّعياً أن المحتجّين هناك ينفّذون أوامر واشنطن.

وخطر اتّباع هذا النهج من التفكير في أنه يشير إلى أن الإيرانيين عرضة للتضليل من واشنطن، فرغم أن أتْباع خامنئي طالما اعتبروا أن هذا هو الحال في سياقات أخرى - مثل تحذير الناس من التعاطي مع الأميركيين أو الأجانب الآخرين - فإن القيام بذلك الآن قد يغضب الكثير من الإيرانيين الصاخبين من زيادات الأسعار وسيرون في الاحتجاجات استجابة مشروعة، ولا يمكن للنظام أن يتحمل حتى التحريض على المزيد من التشاؤم والنفور بين الناس من خطابه الثوري.

جماعات المعارضة الفاقدة للشرعية

هي الجماعات التي استهدفها خامنئي في خطابه، وكنتيجة للخطاب، أصبح بإمكان «حركة مجاهدي خلق» أن تتبجّح بكونها تشكّل عاملاً في السياسة الإيرانية - وهو ادّعاء لا يقبله إلا قليل من المحللين. وبالفعل، ربّما يعتمد خامنئي على فهمه بأن الجماعة غير مدعومة على نطاق واسع في الداخل أو الخارج كطريقة لنزع الشرعية عن الاحتجاجات.

حكومة روحاني

انتقد رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي، الذي غالباً ما وُصف بأنه مرشح رئيس لخلافة خامنئي، معسكر الرئيس حسن روحاني بسبب عدم تقديم شرح مناسب لزيادة أسعار الوقود، وقد تمت مناقشة إمكان تقنين الوقود على نطاق واسع منذ أغسطس على الأقل، عندما فرضت الحكومة استخدام "البطاقة الذكية للبنزين". ففي ذلك الوقت، أشار وزير النفط بيجن زنكنه في التلفزيون الحكومي إلى أنّه لا أحد سيأخذ هذا الشرط على محمل الجد إلا إذا تم اعتماد التقنين، علاوة على ذلك، إذا اعترفت الحكومة بأنه لم يتم تمهيد الطريق بشكلٍ مناسب، فمن المرجح أن يكون الرد السريع للناس كما يلي: "حسناً، ألغوا الزيادات إذن ودعونا نناقشها". وتشكّل هذه الإبطالات ممارسةً تتكرر في البلدان التي تختبر هذه الأنواع من الاحتجاجات. ومع ذلك، سبق أن وضع خامنئي مكانته الشخصية وراء الزيادات في الأسعار من خلال دعمها علناً، لذا سيتردد في الإقرار بأنه كان مخطئاً.

وستتجه إيران على الأرجح نحو إلقاء اللوم على هذه المعسكرات الثلاثة، وربما يعني ذلك عمليّاً قيام مختلف شخصيات النظام بتقديم عدة تفسيرات حول مدى إلقاء اللوم على كلٍّ من هذه المعسكرات.

بعد قمع الاحتجاجات... الموافقة على المحادثات

وقد شكّل ذلك نهجاً اتّبعه النظام في أعقاب الاضطرابات الواسعة النطاق التي أعقبت الانتخابات الرئاسية المزوّرة في عام 2009. وبينما كانت تلك الاحتجاجات لا تزال نشيطة، وافقت حكومة أحمدي نجاد على إرسال 1200 كيلوغرام من اليورانيوم المنخفض التخصيب إلى الخارج، حيث كانت روسيا وفرنسا ستقومان بتصنيعه لتحويله إلى وقود لـ"مفاعل طهران البحثي". وتم التوصل إلى الصفقة في أدنى تفاصيلها، وذلك جزئيّاً من أجل تلبية مصلحة الولايات المتحدة وحلفائها المتمثلة في إطالة الوقت الذي ستحتاجه إيران لتطوير سلاح نووي، إذا ما أرادت ذلك. ورغم أن خامنئي رفض الاتفاق لاحقاً - كما يُفترض بسبب مزيجٍ من الشكوك العامة تجاه الولايات المتحدة والشعور بالمزيد من الثقة مع خمود الاحتجاجات - إلا أن المبدأ العام لا يزال سارياً اليوم، أي عدم استسلام إيران للضغط، بل استسلامها للضغط الشديد.

رد الصفعة بقسوة أكبر

إذا قررت إيران استئناف مجموعتها الأخيرة من الاستفزازات العسكرية الإقليمية، فربما تقوم بذلك كوسيلة لتغيير الحوار من المشاكل المحلية إلى السياسة الخارجية، ولكن بقدر ما يرى خامنئي أن الولايات المتحدة مسؤولة عن التظاهرات، فقد يشعر أيضاً بالحاجة إلى جعل واشنطن ترى أنها ستدفع ثمن إثارة المشاكل في إيران. ففي 20 نوفمبر، كتب رئيس تحرير صحيفة "كيهان" حسين شريعتمداري - وهو مستشار مقرَّب لخامنئي غالباً ما يعبّر عن آراء أكثر تشدداً من المرشد الأعلى - أنّ لإيران حقاً مشروعاً في الرد على الولايات المتحدة وإسرائيل وفرنسا والسعودية بسبب ما اعتبره إثارة الاحتجاجات. وأضاف: "يعيش الأعداء في منزلٍ من زجاج، ويمكن الوصول بسهولة إلى مراكزهم العسكرية والاقتصادية الحساسة والاستراتيجية، ومن الممكن إخضاعهم عبر فرض أضرارٍ مالية وعسكرية كبيرة".

ومنذ أوائل مايو، شدّد كلٌّ من خامنئي وروحاني على ضرورة كسب النفوذ ضد الولايات المتحدة، ويبدو أن هذه الضرورة كانت السبب وراء الهجمات التي شُنت هذا الصيف على السفن الأجنبية في الخليج العربي والمنشآت النفطية الرئيسية في السعودية، وتم تنفيذ تلك الهجمات بشكل جيد لدرجة جعلت القوى الإقليمية والولايات المتحدة تكنّ احتراماً جديداً لقدرات إيران. ومع ذلك، إذا أمرت طهران بشن مزيد من الهجمات، فسيتم قياسها على هذا المعيار الجديد والأعلى، مما يثير معضلةً للنظام، وإذا لم تنجح الهجمات الجديدة كالهجمات السابقة، فسيتم النظر إلى إيران باعتبارها أقل تهديداً. لذلك، في الوقت الراهن، قد تقرر طهران الاستمرار في التبجح بقدراتها علناً دون استخدامها فعليّاً.

الانتظار

هناك عوامل داخلية مختلفة قد تقنع النظام بأن لديه ما يكفي من الوقت للتخلص من الاضطرابات دون اتخاذ إجراءات صارمة في الداخل أو الخارج، فالاقتصاد في حالة سيئة ولكن يبدو أنه قد وصل إلى أدنى مستوياته، مع تراجع "الناتج المحلي الإجمالي". والأهم من ذلك هو أن إنشاء فرص العمل قويٌّ بشكلٍ ملحوظ، وأن البطالة - المحرك الرئيسي للسخط - في طريقها إلى الانخفاض، فلم تعُد معالجة البطالة صعبة كما كانت في السابق لأن طهران شهدت انخفاضاً في معدل الولادات والجماعة التي تدخل حاليّاً القوى العاملة، أي أن عدد المواطنين الذين سيبلغون العشرين من العمر هذا العام هو حوالي نصف ذلك الذي شوهد خلال الاحتجاجات الجماعية عام 2009، لذلك فحتى خلق الوظائف المتواضعة يمكن أن يكون له تأثير كبير على عدد الشباب الساخطين الذين يخرجون إلى الشوارع.

إن العوامل الخارجية قد تقنع النظام بالتمسك بقراره، فعلى سبيل المثال، قد يعتقد خامنئي أن الرئيس ترامب وسياسة "الضغط الأقصى" التي يتبعها لن تكون سارية بعد الانتخابات الأميركية في العام المقبل.

ويجب أن يستعدّ واضعو السياسات الأميركيون لأيٍّ من هذه الاحتمالات، ويعني ذلك اعتماد نهجٍ مزدوجٍ من اليقظة الشديدة إزاء الهجمات المحتملة والتخطيط المفصَّل للمبادرات الدبلوماسية.

ويقيناً، ستبرز عدة مزالق في حال استئناف المحادثات حول المسائل النووية أو غيرها من الأمور، فقد تمثّلت ممارسة إيران في التعامل مع أي تنازل سابق ذكرته الولايات المتحدة أو الأطراف الأخرى علناً على أنه محفور في الحجر، وبعبارة أخرى فإنها تصرّ على أن مثل هذه التنازلات تشكّل نقطة انطلاق لجميع المحادثات الإضافية، دون أن تقوم إيران بأي مقايضة؛ فعلى سبيل المثال، التفسير الإيراني للرسالة التي حث فيها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الرئيس ترامب على توقيعها من أجل تحديد موعد لإجراء مكالمة هاتفية مع روحاني خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هو أن البيت الأبيض كان يعرض رفع جميع العقوبات التي فرضها، وإبعاد طهران عن هذا الرأي قد يكون صعباً.

وما يستحق الجدل أيضاً هو كيف ينبغي على المسؤولين الأميركيين وصف أي استعداد إيراني يتم الإعراب عنه لإجراء محادثات، فقد تدفع غريزة إدارة ترامب إلى وصف ما تم تحقيقه كتبرير لسياسة ضغطها الأقصى، ومع ذلك، قد يؤدي رد الفعل هذا إلى تعقيد جهود بناء إجماع دولي واسع النطاق في المحادثات حول اتفاقية نووية معدّلة، لأن القوى الأخرى قد تمتنع عن وصف "الضغط الأقصى" على أنه نجاح.

إن التوافق في الآراء أمرٌ مهم، لأن أفضل طريقة لجعل إيران توافق على الشروط التي لا ترغب بها، هي جعلها ترى أن القوى الدولية والإقليمية اتخذت موقفاً موحَّداً، وحتى لو اقتصرت المحادثات على المناقشات الثنائية بين الولايات المتحدة وإيران، يشكّل الضغط الناتج عن الإجماع الدولي حجّةً قويّةً لواشنطن للتشاور على نطاقٍ واسع مع الحكومات الأخرى وأخذ وجهات نظرها في الاعتبار.

● پاتريك كلاوسون

back to top